لم يمضِ أكثر من أسبوعين على الاقتتال الفصائلي الذي ساد مدينة جرابلس في ريف حلب الشمالي الشرقي الخاضعة لسيطرة فصائل «درع الفرات» المدعومة تركياً والذي أدى لسقوط قتلى من المدنيين والعسكريين التابعين للفصائل، حتى عادت المشاكل الفصائلية إلى الواجهة من جديد مع أول أيام عيد الفطر، ولكن هذه المرة في مدينة اعزاز على الحدود التركية وأحد أكبر مراكز المعارضة الخاضعة للنفوذ التركي في الشمال السوري، بعد اقتحام مسلحين تابعين لفصائل المنطقة لإحدى الحدائق التي يقصدها الأطفال للعب.
ضجة كبيرة أثارها الشريط المصور الذي تداوله ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي، يظهر شجاراً بالأيدي بين مجموعتين مسلحتين تابعتين لفصائل درع الفرات داخل الحديقة العامة في مدينة اعزاز، وسط حالة هلع كبيرة أثارتها الحادثة بين الأطفال وذويهم الذين يشكل النساء غالبيتهم حيث ظهر في الشريط المصور صراخ الأطفال والنساء وتجمعهم في إحدى زوايا الحديقة مع محاولة بعضهم الفرار، فيما بدأ المصور والذي أفاد ناشطون بانه صاحب الحديقة بشتم ولعن المسلحين والصراخ ورجائهم ألا يطلقوا النار «دخيلكن لا تضربوا الحديقة مليانة ولاد».
يقول «أنس عبدون» وهو مواطن من مدينة أعزاز وأحد الحاضرين على الشجار الذي حدث في الحديقة قبل يومين ، إن «ما جرى في الحديقة العامة بمدينة اعزاز لا ينم إلا عن توجه المنطقة إلى الهاوية في ظل الانفلات الفصائلي ونزاع المناطق الذي يسود المنطقة وعجز الجهاز الأمني المفترض عن لملمة الأمور وضبط الوضع، حيث وفي صباح أول يوم من أيام عيد الفطر السعيد اقتحم مسلحون يتبعون لفصيل «عاصفة الشمال» الحديقة العامة في اعزاز بسلاحهم الفردي المتوسط والخفيف المكون من بنادق رشاشة (كلاشنيكوف) ومسدسات، وعند محاولة عناصر الشرطة لإخراجهم دار شجار كبير بين الطرفين كاد أن يتحول لاشتباك مسلح قبل تدخل مجموعة من الشبان مع صاحب الحديقة الذين قاموا بدفع العناصر خارجاً وسط شتائم وجهها صاحب الحديقة للعناصر».
ويضيف: «سبب الاشتباك غير واضح حتى الآن، إلا أن المعلومات المتداولة في المدينة تقول إن المشكلة كانت بعد محاولة الشرطة الحرة إخراج عناصر عاصفة الشمال من الحديقة بسبب وجود الاطفال داخلها وحمل هؤلاء للسلاح، وهو ما دفع بأحد عناصر العاصفة لضرب عنصر من الشرطة الحرة لتبدأ بعدها أصوات حشو الأسلحة تظهر في الحديقة مع ارتفاع الأصوات بين الطرفين وهو ما ادى لحالة الهلع والخوف التي أصابت الأطفال وذويهم بسبب خشيتهم من اندلاع اشتباك مسلح»، لافتاً إلى أن عشرات الأطفال خرجوا عبر السور إلى الشارع الخلفي للحديقة وسط حالة من الهلع الكبير.
خلاف الحديقة لم يكن الأول بين فصائل الشمال، فكما أصبح معروفاً فإن مناطق «درع الفرات» تحولت إلى مناطق نزاع على النفوذ ككل، ففي كل أسبوع تقريباً تشهد تلك المناطق اقتتالاً بين فصيلين وأحياناً ثلاثة (اثنان ضد واحد) وقد زادت وتيرة المعارك بعد السيطرة على عفرين وانتزاعها من يد قوات قسد بدعم الجيش التركي.
الصحافي حسان كنجو يؤكد أنه ومنذ السيطرة على عفرين وفتح الطريق بين ريفي حلب الشمالي والشرقي زادت وتيرة المعارك بنسبة كبيرة، حيث لا يكاد يمر أسبوع إلا وتشهد المنطقة اقتتالاً ظاهره (الفصائل الفاسدة) وباطنه إنهاء نفوذ طرف ما وبسط سيطرة جديدة، وقد كانت أبرز تلك الاشتباكات تلك التي جرت في جرابلس الأسبوع الماضي وخلفت قتلى وجرحى من المدنيين والعسكريين، إضافة لاعتداء بعض عناصر الفصائل على مهجرين من دمشق في مدينة الباب وقبلها اقتتال فصائلي سببه محاولة بسط النفوذ على طريق المازوت المار من قرى ريف عفرين، وهذا بغض النظر عن التجاوزات التي يمارسها بعض القادة بحق المدنيين كاعتداء المدعو «اليابا» القيادي في فرقة الحمزة على كادر مشفى الحكمة في الباب وخروجه بعد سجنه لأسبوع تقريباً بعد دفعه أموالاً طائلة للمجلس العسكري والشرطة الحرة في المدينة.
ويعتبر المدنيون أن السبب الرئيس لمثل هذه الحوادث هو وضع السلاح باليد الخطأ وتسلط قادة جاهلين على المنطقة وقيامهم بممارسات ظالمة تجاه سكانها، وهو ما ذكره «أبو عبدو» أحد العاملين في الحديقة والذي اكتفى بذكر لقبه فقط خوفاً من الاعتقال، حيث يقول إن الانفلات الأمني يبدأ من إخراج ثلة من الجهلة المسلحين من السجن رغم ترويعهم للمدنيين، فبعد حادثة الحديقة تم اعتقال العناصر وزجهم في السجن إلا أنهم لم يمكثوا هناك أكثر من يومين، وهذا وفق «أبو عبدو» يعتبر تشجيعاً لهم على القيام بمثل هذه التصرفات مرة أخرى، مضيفاً أن المنطقة بحاجة لقوة ردع حقيقية تقف في وجه هؤلاء وتمنعهم مما يقومون به، معولاً على دور تركيا في الشمال الحلبي المحسوب عليها بقوله: «تركيا بسطت نفوذها هنا فلمّ لا تبسط سلطانها ولا تستمع لشكاوى الأهالي أم أن الأرض هي المهمة فقط دون الشعب؟!».
-------------------------------
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا عن طريق إرسال كتاباتكم عبر البريد : vdcnsy@gmail.com
ملاحظاتك: اقترح تصحيحاً - وثق بنفسك - قاعدة بيانات