دأبت السلطات و الحكومات المتعاقبة على الدول التي تهيمن على كردستان و تحتل أراضي الشعب الكردي في إنكار أي وجود للشعب الكردي.
الحكومات المعنية، كانت و مازالت تفعل كل شيء لأجل الإبقاء على الكُرد دون كيان سياسي و دون هوية و حقوق و شخصية مستقلة.
فأطلقوا على الكُرد تسميات عجيبة- غريبة منها (أتراك الجبال) و (أولاد الجن) و (بدو الفرس) و العديد من التسميات العنصرية التي تهين الشعب الكردي و تقلل من كينونته و إنسانيته و لا تترك أي مجال للاحترام أو الصداقة.
السلطات التي تتقاسم احتلال بلاد الكٌرد كانت ومازالت تعارض أي حركة أو انتفاضة أو مطلب عادل من مطالب الشعب الكردي و تنعت هذه الحركات بشتى التسميات (مشاغبين)، (مخربين)، (ملحدين)، (انفصاليين)، (إرهابيين)، (عملاء)، (خونة)، (بقايا الأرمن)، (اسرائيل الثانية)، (رجعيين)، (شيوعيين)، (كُفار)، (أعداء الله)…
في السنوات الأخيرة و جراء التطورات الهائلة في تكنولوجيا الاتصالات و العولمة و تمكن الكُرد من ايصال صوته بالوسائل المتاحة إلى العالم، و ظهور نوع من الاهتمام و التعاطف الدولي مع الشعب الكردي. و كنتيجة طبيعية لثوراتهم و انتفاضاتهم المتتالية، فإنّ حكومات الدول المهيمنة على بلاد الكُرد غيّرت قليلاً من خطابها الرسمي. مع العلم بإنّ خطابها الشعبي و ممارساتها على أرض الواقع لم تتغير بأي شكل من الأشكال. فبدأت هذه السلطات و الحكومات في خطابها الرسمي تدّعي بإنّها “لا تعادي الشعب الكُردي، و لكنها تحارب الإرهابيين و الانفصاليين و المخربين…الخ”. و لا تتوانى من القول “نحنُ نحمي مواطنينا من ذوي أصولٍ كردية” أو ” نحنُ ذهبنا و دمرنا و قتلنا المئات من (الإرهابيين الكرد) لأنّنا نحب الكرد و نريد حمايتهم!”.
و هذه الحكومات القمعية لن تحتار كثيراً في إيجاد بعض الشخصيات المتواطئة و الخائنة لبني قومه و تدفعه لواجهة الاعلام و تعتبره (النموذج الجميل للكردي الجيد)، و ربما لن تجد هذه الحكومات من جعل بعض من (كردها الجيدين) في بعض المناصب الحكومية، و ستقول في كل مناسبة ” أنظروا فنحنُ لسنا ضد الكرد، فها هو الشخص الفلاني قد أصبح وزيراً وهو من أصول كردية”. حالة النفاق و الالتفاف على الحقيقة و محاولة خداع العالم سمة تشترك فيها كافة الأنظمة القمعية و الدول و الحكومات التي تحتل أوطان الشعوب الأخرى.
صدام حسين كان يتفاخر ببعض المرتزقة الكرد الذين كانوا يخدمونه ضد الثورات الكردية. و الشعب الكردي كان يسمي هؤلاء المرتزقة بـ (الجحوش). صدام كان يقول بأنّه ليس ضد الشعب الكردي بل هو ضد البارزاني و الطالباني و المخربين و الخونة الكرد، و كان يقول بإنّه يريد انقاذ الكرد من هؤلاء (المخربين الخونة)، و من شدة حبه للكرد فقد قام بقتل أكثر من 380 آلاف من المدنيين الكرد في حملة الأنفال في الثمانينات، و من شدة حبه للكرد فقد قصف مدينة حلبجة بالأسلحة الكيماوية و لكنه لم ينسى أن تكون الغازات السامة برائحة التفاح و الفاكهة.
الخاميني لم يكن ضد الكرد، و لكنه كان فقط يحارب (أعداء الله و الكفرة) في كردستان، و ارتكب الحرس الثوري المئات من المجازر في المدن الكردية و أعدم الآلاف و هجّر الآلاف. و كذلك فعلت الدولة السورية بحكوماتها المتعاقبة، فهي لم تكن ضد الكرد، بل كانت ضد (الانفصاليين و عملاء الامبريالية و القوميين الكرد)، و من شدة حب الحكومات السورية للكرد فإنها حرقت العشرات من الأطفال في سينما عامودا، و حرّمت حوالي ربع مليون مواطن كردي من الجنسية السورية و حولتهم بين ليلة و ضحاها إلى أجانب و غرباء و غير موجودين رسمياً على وجه الأرض. و طردت عشرات الآلاف من الكرد من قراهم و جلبت العرب و اسكنتهم محلهم. و من شدة حب هذه الحكومات للكرد فإنها منعت اللغة و الموسيقا و اللبس و الثقافة و الألوان و الأعياد و الأسماء الكردية.
الدولة التركية و حكوماتها المتعاقبة و حبها الشديد للكرد فحدث و لا حرج، فهي تحبهم إلى درجة ابادتهم و فرض التتريك عليهم و انكار وجودهم كشعب و هوية قومية و تمنع لغتهم و اسمائهم و تغيير أسماء مدنهم و قراهم و جبالهم و سهولهم و تمنع الاسماء الكردية عن اطفالهم و تمنع الاعياد الكردية و الموسيقا و الغناء و الكتابة و حتى الأحرف الكردية. تركيا ليست ضد الكرد، بل هي فقط ضد (الانفصاليين و الارهابيين)، لذلك فهي تعدم عالم ديني جليل مثل الشيخ سعيد وما زال قبره مجهولاً منذ قرن من الزمن. تعدم رجل الدين العلوي سيد رضا مع رفاقه و أبنه، و تدّمر محافظة ديرسم عن بكرة أبيها. ترتكب المجازر في وادي زيلان و جزرة و شرناخ و نصيبين و آمد و حكاري… أنها تفعل كل ذلك من شدة حبها للكرد.
و لنأتي إلى قضية الكرد في سوريا و العشق التركي المفاجئ لنا. و كأنه لا يكفيني عشق و محبة النظام البعثي و جبهة النصرة و داعش و الفصائل الاسلامية المتطرفة لنا، حتى اتحفنا الاتراك بكشفهم لحبهم لنا. الأتراك (يحبون كرد سوريا و يريدون حمايتهم و انقاذهم من وحدات حماية الشعب و قوات سوريا الديمقراطية). تركيا التي غمرت الشعب الكردي في تركيا بحبها و عطفها و حمايتها و لم يبقى أمامها سوى تصدير هذا الحب عبر الحدود إلى كرد سوريا (روجافا) ايضا.
مع العلم فإن الكرد في سوريا مثلهم مثل باقي مكونات الشعب السوري عرفوا (الحب التركي) طيلة 500 سنة من الاحتلال العثماني، عرفوا هذا الحب في (سفربرلك) و (الخازوق) و (القشلة) و(قراقوش) و(اعدامات ساحة المرجة) و(مليون و نصف مليون أرمني مقتول طعنا و حرقا و جوعاً من اسطنبول إلى ديرالزور) و(مجازر السيفو بحق المسيحيين) و (73 فرماناً للإبادة ضد الايزيديين) و (احتلال و ضم لواء اسكندرون إلى تركيا) ووو.
تركيا كانت الداعم الأكبر للنظام السوري منذ اتفاقية أضنة المشؤومة سنة 1998 ضد الشعب الكردي، و من ثم تحولت تركيا إلى قوة تدمير لسوريا و الثورة السورية و فتحت أبوابها لكل الجهاديين و المتطرفين في العالم ليعبروا إلى سوريا و يحولوها إلى (تورا بورا الشام) و دفعت بكل المجموعات الارهابية و المتطرفة لمهاجمة الكرد و العمل على قتلهم و تهجيرهم و القضاء على هويتهم و مكتسباتهم. و من ثم تدخلت الدولة التركية مباشرة بقواتها العسكرية بصحبة الارهابيين و المتطرفين بعملية (درع الفرات) و(غصن الزيتون) فاحتلت الشريط الحدودي من جرابلس حتى أدلب و هي تزعم و تهدد و تثور و تفور بهدف احتلال منبج و كل المنطقة الكردية المتبقية في شرقي الفرات. تركيا تفعل كل ذلك و هي تكرر دون خجل أو حياء بإنها (تحركها ليس ضد الكرد؛ بل ضد الارهابيين و الانفصاليين) و تزيد دون خجل (نحنُ أصدقاء للكرد و نحبهم) يا الله! و تزيد في الطرب لحناً و هي تتشدق قائلة (نحنُ الاصدقاء الوحيدون للمواطنين الكرد).
لنفترض مثلا بأن تركيا تحب الكرد و هي صديقتهم و تريد حمايتهم. و لنترك ما تفعله تركيا بمواطنيها الأكراد و كذلك الأتراك في تركيا، و لننظر ملياً إلى ممارسات تركيا في عفرين و باقي المناطق الكردية المحتلة في الشمال السوري خلال سنتين فقط. تركيا تقول بإنها ليست ضد الكرد، حسناً، لنسأل تركيا و حكومتها و قادتها:
– قبل احتلالكم لمناطق جرابلس و اعزاز و الباب كان هنالك أكثر من 130 قرية كردية خالصة في هذه المنطقة. أين هم أصحاب هذه القرى من الكرد الآن؟ و من يسكن في هذه القرى الآن؟
– لماذا ترفعون علمكم التركي و صور رئيس دولتكم التركية على اراضي دولة اخرى (سوريا) و على أراضي شعب آخر (الكرد)؟
– لماذا تقومون بتغيير اسماء القرى و البلدات و الميادين و الشوارع و الأحياء الاصلية من الللغة الكردية إلى اللغة التركية و تقومون بتتريك هوية المنطقة؟
– لماذا منعتم اللغة الكردية في عفرين و ريف حلب الشمالي و أحللتم بدلاً منها لغتكم التركية و العربية مع العلم بأن هذه المناطق هي كردية خالصة؟
– كاوا الحداد رمز و اسطورة كردية شبه مقدسة و مرتبطة بأعظم أعياد الكرد (أي النوروز)، ما إن دخلتها القوات التركية برفقة إرهابييها اللأسلاميين المتطرفين حتى سارعوا إلى هدم التمثال و اهانته، فهل (كاوا) ايضاً انفصالي و ارهابي؟
– طوال سنوات المقتلة السورية استشهد المئات من شباب و بنات عفرين دفاعاً عن منطقتهم و أهلهم، و الشهداء لهم قيمتهم المعنوية المقدسة لدى كل الشعب الكردي بغض النظر عن افكارهم السياسية و الحزبية. و ما أن احتلت تركيا عفرين حتى سارعت إلى جرف و تدمير مقابر الشهداء و اهانتها و تسويتها بالأرض. فهل تنتقمون من قبور الشهداء لأنهم دافعوا عن منطقتهم و شعبهم الكردي؟
– خلال حملة احتلالكم لعفرين قمتم بقصف البيوت و الاطفال و المدنيين عشوائياً و قتلتم العشرات منهم بالاضافة إلى المئات من الجرحى و المصابين، و دمرتم المدارس و المستشفيات و السدود و محطات الكهرباء و ابراج الهواتف و محطات الاذاعة و المواقع الأثرية التاريخية. هل هكذا تعبّرون عن (حبكم) للكرد؟
– قمتم بترهيب و تهجير اكثر من أربعة مائة ألف مواطن كردي سوري من عفرين خلال أقل من ثلاثة اشهر و جلبتم عشرات الآلاف من الارهابيين و النازحين و المهاجرين العرب و اسكنتوهم في بيوت و قرى و مدن الكرد. هل التغيير الديمغرافي يصب في خانة (محبة الكرد) لديكم؟
– لماذا نهبتم و سلبتم و سرقتم آلاف الأطنان من زيتون و زيت عفرين و أخذوتها إلى تركيا لكي تبيعوها إلى أسواق العالم؟ و قطعتم آلاف الأشجار و حرقتموها؟
– هل بقي مسيحي واحد أو كنيسة واحدة في عفرين بعد احتلالكم لها؟ هل بقي أيزيدي واحد أو معبد ايزيدي سليم واحد في عفرين بعد احتلالكم لها؟
– هل تعتقدون بأننا كشعب كردي و أرمني و سرياني و آشوري و عربي في مناطق شمال سوريا و روجافا نريدكم؟ لا، لا يريدكم سوى الارهابيين و بقايا النصرة و داعش و احرار الشام و اصحاب الميول الدينية المتطرفة و بعض الحالمين بأن يكونوا مجرد حريم و خدم و مخصيين في (الحرملك العثماني) الجديد.
في النهاية نقول، نحنُ لا نريد منكم شيءً، لا نعاديكم و لا نريد أن تتدخلوا في شؤوننا السورية و لا أن تحتلوا بلادنا. إن كنتم تحبون الكرد، فها هم أكثر من خمس و عشرون مليون كردي يعيشون ضمن حدودكم الرسمية، أظهروا صدقكم، افرجوا عن عشرات الآلاف من المعتقلين الكرد، أتركوا الكرد يحموا انفسهم بانفسهم و يقرروا مصيرهم و يكونوا شركاء حقيقيين في دولتكم، اعترفوا بالشعب و اللغة و القومية الكردية رسمياً في دستوركم و قوانينكم، و اعترفوا بالمجازر و الفظائع التي ارتكبها حكوماتكم ضد الكرد. فنحنُ الكرد في سوريا لن نكون جزء من دولتكم (التركية) و سنحل قضايانا مع الدولة التي نعيش فيها و مع الشعوب التي نشاركهم الهواء و الماء و التراب و القدر.
بولات جان