الغزو التركي لسوريا يزعج إسرائيل والعرب

عندما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قراره بسحب القوات الأميركية من سوريا في الشهر الماضي، كان الإعلان بمثابة صدمة للمجتمع الدولي.

قال مندي الصفدي وهو مدير مكتب سابق لوزير الاتصالات الإسرائيلي أيوب قرا ورئيس مركز صفدي للدبلوماسية الدولية والبحوث وحقوق الإنسان والإعلام “كان الانسحاب الأميركي من سوريا متوقعاً، لكنه سابق لأوانه جداً … إعلان ترامب يتعارض مع مصالح الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة”.

سرعان ما عبر الإسرائيليون عن قلقهم من القرار، كما فعل الأكراد والأوروبيون وكثيرون في مختلف أنحاء العالم العربي. سرعان ما تأكدت هذه المخاوف، إذ اتخذت تركيا خطوات لملء فراغ السلطة الذي سيتركه انسحاب الولايات المتحدة من سوريا وبدات تتوعد بغزو المنطقة.
من المعتقد على نطاق واسع أنّ تركيا ستلاحق الأكراد بدلاً من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وإيران. وقال شيركوه عباس، رئيس المجلس الوطني الكردستاني في سوريا، إن؟ش ثمة اتفاقاً بين تركيا وإيران للتعاون على إزالة الولايات المتحدة من المنطقة وملاحقة الأكراد. وقال إنّ تركيا وإيران أبرمتا اتفاقاً أيضاً من أجل مساعدة إيران على تجاوز العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة.

في الواقع، يقول كثيرون إنّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يفضل أن يكون جيرانه من تنظيم داعش وإيران بدلاً من الأكراد. ويبقى السؤال، إذا واصلت تركيا مسعاها وقامت بغزو شمال سوريا، كيف سيؤثر ذلك على علاقات أنقرة الخارجية؟

من وجهة النظر الإسرائيلية، فإنّ أي تشتت عن قتال ما تبقى من تنظيم داعش وعن التحرك ضد إيران لا يخدم مصالحها الاستراتيجية. لهذا السبب بالتحديد حث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ترامب على إبطاء انسحابه من سوريا، بعد أن قام السناتور الأميركي ليندسي غراهام بنداء مماثل. ومع ذلك، فإنّ انسحاب الولايات المتحدة أكثر إشكالية بالنسبة إلى طرف آخر.
وقال الصفدي “في حين أنّ إسرائيل قادرة على صد أي تهديد على الرغم من الصعوبات، فمن المتوقع أن يتم تطهير الأكراد عرقياً من المنطقة”.

اليوم، الأكراد هم العقبة الوحيدة التي تقف في طريق الهلال الشيعي الممتد من طهران إلى البحر المتوسط. وما دام هذا الحاجز قائماً، يجب على الحكومة الإيرانية أن تبقي تركيزها على محاربة الأكراد في سوريا والعراق من أجل تقوية الهلال الشيعي. ومع ذلك، بمجرد هزيمة الأكراد سيصبح الهلال الشيعي غير المتقطع حقيقة ثابتة، وستكون إيران قادرة على تركيز جهودها على إلحاق الأذى بإسرائيل.

ولهذا السبب، قال عباس إنّ إزالة المنطقة الكردية العازلة يمثل “تهديداً كبيراً لإسرائيل وشمال أفريقيا وأوروبا والولايات المتحدة. الردع الوحيد لإيران هو الأكراد. الطريقة الوحيدة لعرقلة الهلال الشيعي هي الأكراد. من الضروري أن تبقى الولايات المتحدة في المنطقة وألا تدمر آخر ملاذ آمن في سوريا. وعد ترامب بملاحقة إيران. وهو الآن يجعل الأمر سهلاً على إيران”.

وعلى الرغم من ذلك، لا يعتقد الدبلوماسي الإسرائيلي السابق ونائب رئيس بلدية نتانيا السابق، الدكتور يتسحاق بن جاد أنّ أي شيء سيتغير فيما يتعلق بالعلاقات التركية الإسرائيلية. وقال “إسرائيل ليست مشاركة في الحرب في سوريا. قدمنا فقط المساعدات الإنسانية للجرحى والمصابين.

الأكراد هم حلفاؤنا لكننا لن نذهب إلى سوريا من أجل الدفاع عنهم. هذا ليس عملنا. لن نتسامح مع موطئ قدم إيراني في سوريا. لم تخرج لا تركيا ولا روسيا لتدمير إسرائيل. إذا غزت تركيا سوريا، فهي مشكلة سورية. إنّه انتهاك لسيادة الرئيس السوري بشار الأسد. إذا كان هناك شخص ما لديه مشكلة، فسيكون الأسد والروس. المشكلة الوحيدة من وجهة نظرنا تتمثل في أنّ ذلك سيلحق الضرر بالأكراد. وبما أنّ أردوغان يريد تدمير الأكراد، فإنّ القضية هي عندما تنسحب الولايات المتحدة، سوف يلاحقهم بشدة”.

قال الصحفي رافائيل سعيد إنّ إسرائيل تربطها علاقة قوية بالحزب الحاكم في منطقة كردستان المتمتعة بالحكم الذاتي في شمال العراق، ولكن ليس مع حزب العمال الكردستاني الذي يقاتل داخل تركيا منذ عام 1984، مما يعزز الرأي القائل بأنّ إسرائيل لن تتدخل نيابة عن القوات الكردية السورية المرتبطة بحزب العمال الكردستاني.

ومع ذلك، فإنّ أي غزو تركي لشمال سوريا من شأنه أن يؤثر سلباً على علاقة تركيا بالعالم العربي.

وقال مردخاي كيدار الباحث في شؤون الشرق الأوسط “سيتم تصوير تركيا مرة أخرى كدولة استعمارية لأن الإمبراطورية العثمانية لا تزال حية ونشطة في ذاكرة الشرق الأوسط … هذا يُعيد إلى أذهان الكثير من الناس السبل التي حكم بها الأتراك الشرق الأوسط، عن طريق جلد الناس بالسياط وبتعليقهم على المشنقة أو وضعهم على الخازوق، حيث يضعون الشخص مثلما يضعون دجاجة على المشواة. إنّ احتلال أجزاء من سوريا سيعيد كل هذه الذكريات وسيتحدث الناس عن هذا بلا شك، لا سيما الأكراد الذين سيضيع حلمهم في التمتع بالحكم الذاتي في سوريا”.

وقالت المعارضة السورية المسيحية دعد معمري “كل الشعب السوري يعرف أنّ أردوغان لا يعمل من أجلنا. لقد قمنا بثورة ضد الإمبراطورية العثمانية منذ فترة طويلة. نحن لن نعود إلى ذلك. نحن بحاجة إلى أن تحترم تركيا حدودها معنا وأن تبقى داخل حدودها”.

وقد وافق على ذلك كاني إكسوليم، مدير شبكة المعلومات الكردية الأمريكية، وقال “إنّ تركيا ليس من شأنها أن تغزو دولة أخرى. إنّها تريد فقط الذهاب إلى هناك لأن الأكراد هناك يتمتعون بالحكم الذاتي. إنّ أردوغان لديه حساسية من فكرة أن يصبح الأكراد أحراراً. الحرية الكردية بالنسبة له تمثل عملاً استفزازياً. أعتقد أنّ العرب مستاؤون من ذلك. لم يوجه أحد دعوة للأتراك للقدوم إلى سوريا. هناك بعض قوات المرتزقة التي تقاتل مع الأتراك، لكنهم عرب يعتمدون على الأتراك. يعتقدون أنّه إذا كان لديهم محافظة تحت سيطرتهم، فيمكنهم التفاوض بشكل أفضل. لكن الأسد ينتصر ويجب على تركيا مغادرة سوريا”.
وقال الصفدي “العلاقات التركية العربية ستكون أفضل إذا حاولت تركيا أن تصبح تركية أكثر وليست عربية أكثر من العرب … لا يقبل أحد قيادة أردوغان للعرب”.

من شأن أي غزو تركي لشمال سوريا أن يضر أيضاً بعلاقات تركيا مع أوروبا. كانت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل قد أبلغت أردوغان بالفعل بأن يتصرف “بضبط النفس والمسؤولية” في أعقاب الانسحاب الأميركي من سوريا، حيث من المتوقع أن تبقى القوات الفرنسية.

وقال إكسوليم “لقد تضررت فرنسا حقاً من تنظيم داعش … إنهم يشعرون بأنّ ما قام به الأكراد إنجاز عظيم ويجب الإشادة به ويجب عدم التخلي عنهم لإرضاء الحكومة التركية”.
وقال كيدار “إنّ العلاقة مع الاتحاد الأوروبي ستكون سيئة إذا غزت تركيا شمال سوريا لأنّ الاتحاد الأوروبي لا يحب الاحتلال، ولبعض الوقت، ستنتقد دول الاتحاد الأوروبي تركيا لاحتلالها هذا الجزء من سوريا”، مضيفاً أنّ أوروبا قد تمتنع عن اتخاذ إجراء. وتابع قائلاً “لم يفعل الاتحاد الأوروبي الكثير إزاء الاحتلال الروسي لشبه جزيرة القرم. مع مرور الوقت، سيتخلى الاتحاد الأوروبي عن ذلك، ولن تكون هناك أنباء عن الأمر بعد حين”.

راشيل ابراهام

-------------------------------

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا عن طريق إرسال كتاباتكم عبر البريد : vdcnsy@gmail.com

ملاحظاتك: اقترح تصحيحاً - وثق بنفسك - قاعدة بيانات

تابعنا : تويتر - تلغرام - فيسبوك