في جديد الأنباء الواردة من تركيا, بعد ان نظّمت وزارة خارجيتها جولة لـ»50»صحفياً يُمثِّلون «32» مؤسسة صحفية وإعلامية من «16» دولة, الى مدينة عفرين السورِية (التي أكملت القوات التركية في 24 أيار الماضي…احتلالها)، جولة جاءت في إطار برنامج «صحفيون أجانب يزورون عفرين».. التي تزعم أنقرة ان اجتياحها المدينة السورِية الذي حمل عنوان «غصن الزيتون» بمشارَكة ما يسمى «الجيش الحر».. تمّ في إطار حربها على الارهاب, تماما كما هي كذبت عند غزوها مدينة جرابلس قبل عام من غزوها عفرين (احتلّ الاتراك جرابلس في 29 آذار 2017).
ما لبثت الحقائق ان تكشّفت عن طبيعة الاهداف التي ارادتها حكومة أردوغان من وراء هذا الغزو, الذي ما كان لِيتِم لولا الدعم الذي تلقّته من واشنطن, واستغلالها تفاهمات استانا, التي اسفرت ضمن امور اخرى عن إطلاق يد الاتراك في الشمال السوري وانكشاف اطماعهم التوسّعية، فمهمة الغازي التركي, الذي بدأ عملية «تتريك» واسعة في الشمال السوري رافعاً صوَر اردوغان والأعلام التركية في ساحات وميادين البلدات والقرى والمدن المحتلّة, الذي أتبَعها «إدارِياً» لمحافظة هاتاي (الاسكندرون السوري المحتلّ), فضلا عن الإمساك بكل تفاصيل الحياة اليومية للمواطنين العرب والكرد السوريين، رغم ادعائهم (الأتراك) ان جرابلس وخصوصا عفرين.. باتتا خاليتان من الإرهاب.
جديد الانباء التي «بشّرنا» بها الناطق باسم الخارجية التركية, المُنتشي بما انجزته وزارته بتنظيمها حملة دعائِية مدفوعة الثمن, لمجموعة من الصحافيين لم تُعرَف جنسياتهم: «أن الوجود التركي في عفرين «سيستمِرّ» لبعض الوقت بهدف مواصلة العمل على.. تنمية المنطقة».
عبارة مُضلِّلَة تَغرِف من معين المصطلحات الاستعمارية المعروفة عبر التاريخ, والتي رددها المستعمِرون الغربيون, تماما كما المستعمرين العثمانيين طوال «القرون» التي أذلّوا وفقّروا وأهانوا ونهبوا ثروات البلاد والشعوب التي وقعت تحت هيمنتهم, وعندما تم إخراجهم بالقوة والكفاح الشعبي والثورات المتتالية, انكشف ان تلك «التنمية» المزعومة كانت سراباً, وان المستعمِرين لم يأتوا بأي نفع او خير على الشعوب والبلدان المستعمَرة، بل معظمها عانى وما يزال يُعاني من الفقر والتخلّف واتساع الفجوة الحضارية والاقتصادية والتنموية والمعيشية بين شعوب الدول المُستعمِرة وتلك التي اكتوَت بلهيب وعسف المُستعمِرين.
لن يَكتُب الصحافيون الذين دعتهم انقرة لزيارة عفرين سوى عن ما اراد لهم جيش الاحتلال التركي ان يروه في تلك المدينة المنكوبة, وبخاصة انها جولة مُبرمَجة بذاتها ولذاتها. فضلا عن طبيعة وسائل الإعلام التي يُمثلونها والمواقف السياسية لتلك الوسائل, وما إذا كانت مُؤيِّدة للغزو التركي؟ ام تقف منه موقفا نقديا؟ ونحسب ان هؤلاء (أصحاب المواقف النقدية) لن يكونوا ضمن المَدعُوين, لأن «الجولة» ترويجية ودعائية صِرفَة, يُراد من ورائها تجميل قباحات وارتكابات الجيش الغازي.
بالمُقابِل فإن ما تناقلته وسائل الإعلام المُحايِدة بالصوت والصورة (في شكل بعيد عن رقابة العسس الاتراك وعملائهم في مرتزقة الجيش الحر) كشف في وضوح حجم المعاناة التي يعانيها السوريون تحت الاحتلال التركي, والعنف الذي يُقابَلون به وانعدام مشاركتهم في شؤونهم اليومية, حداً وصل بالغزاة اعتبار كل سورِي «عائد» الى بلدته «عفرين» على سبيل المثال, بأنه «نازح», تمنحه ادارة الاحتلال التركي بطاقة هوية عليها هذه الصفة. فيما هو مواطن في وطنه وبلدته ومسقَط رأسه, ناهيك عن الجريمة التي تواصِل القوات الغازية ارتكابها عندما تفرِض على السوريين في مناطق الشمال وفي ضمنها عفرين, التعامل بالليرة «التركية». هذه الليرة التي هبطَت قيمتها الى اكثر من 40%, فيما يروم المحتلّون الاتراك دعمها على حساب قوت وعرق المواطنين السوريين. الذين يزعم الغُزاة انهم سيبقون في بلدتِهم لـِ»بعض الوقت»… من اجل تنميتها (..).
في السياق ذاته الذي يكشف زيف الإدعاء الذي يروّج له الغزاة، يمكن التوقّف عند ما اعلنته انقرة بحفاوة وهو توصّلها الى «خريطة طريق» مع المحتلّ الاميركي الاخر لبعض المناطق السورية… حول مدينة «منبج», ما يعني ان الاحتلال التركي باقٍ ويتمدَّد (هل تذكرون شعار تنظيم.. داعش؟), وان أُحبولة «البقاء لبعض الوقت» لا تعدو كونها مجرّد أكذوبة, وان ما يُقارِفه الغزاة يندرج في إطار مشروع استعماري طويل الامد, كما يُمنّي هؤلاء انفسهم. لكنهم سيُدرِكون بأسرع مما يتوقعه البعض, ان مشروعهم الاستعماري.. محكوم بالفشل, وان السوريين.. عربهم وكردهم على حدٍ سواء, سيضعون حداً لهذه المغامرة الطائشة وغير المحسوبة. ودروس التاريخ «ماثِلة» لكل من يُريد ان يتعلّم ويتّعِظّ، وبخاصة في القريب العاجِل عندما يَرَوْن حليفهم الاميركي, قد أُجبِر على «حمل عصاه» على كتفيه والمُسارَعة بالرحيل… ليس فقط عن قاعدة الَتنْف, وانما ايضا من شرق وشمال سوريا وخصوصاً مدينة منبج..
محمد خروب/الرأي