منذ الاحتلال التركي لمنطقة عفرين في عام 2018، تتصاعد المخاوف المحلية بشأن إدارة الموارد الطبيعية، وعلى رأسها نهر عفرين (Çemê Efrînê)، الذي يُعد شريان حياة رئيسي لسكان المنطقة. مشاريع السدود التي أقامتها تركيا على مجرى النهر في السنوات الأخيرة أثارت انتقادات متزايدة، وسط اتهامات بتفاقم أزمة المياه وتعميق هشاشة الأمن المائي في الشمال السوري.
مشاريع تركية على مجرى النهر
بين عامي 2020 و2021، أنجزت تركيا مشروعين مائيين كبيرين على نهر عفرين في الجانب التركي من الحدود:
سد الريحانية (Reyhanlı Barajı): يقع شمال شرق مدينة الريحانية، قرب معبر حمام الحدودي، ويهدف إلى ري نحو 600 ألف دونم من الأراضي الزراعية في ولاية هاتاي. افتُتح عام 2020، ووصِف بأنه إنجاز طال انتظاره منذ نصف قرن.
سد عفرين العلوي (Yukarı Afrin Barajı): شُيّد في ولاية كلس التركية، على أحد الروافد الرئيسة للنهر، وتبلغ سعته التخزينية حوالي 38 مليون متر مكعب. افتتح عام 2021.
تداعيات واضحة على الجانب السوري
وفقاً لمصادر محلية وتقارير ميدانية من داخل عفرين، أدى بناء السدين إلى انخفاض حاد في كميات المياه المتدفقة نحو الأراضي السورية، ما أثر بشكل مباشر على سد ميدانكي، وهو المصدر الرئيسي لمياه الشرب والري في المنطقة. مع تراجع الوارد المائي من تركيا، بات السد يعتمد بشكل شبه كامل على ينابيع النبي هوري والأمطار الموسمية، ما جعله عرضة لتقلبات المناخ ومواسم الجفاف.
اتهامات بسحب المياه من داخل سوريا
أشارت تقارير محلية إلى قيام السلطات المسيطرة على عفرين بسحب كميات من مياه سد ميدانكي باتجاه الأراضي التركية، لدعم امتلاء سد الريحانية. عمليات الضخ، التي جرت بتنسيق بين المجلس المحلي وشركة المياه، أثارت انتقادات حادة بعد أن لوحظ في آب الماضي تدفق غير اعتيادي للمياه في نهر عفرين، رغم إعلان المجلس نفسه تقليص برامج الري بسبب “شح المياه”.
تساؤلات وشكوك
عبّر مزارعون وأهالٍ عن استغرابهم من التناقض الواضح بين شح المياه الرسمي، و”الفيضانات المؤقتة” التي شهدتها قنوات الري، والتي استمرت لعدة أيام. يرى بعض السكان أن هذه السيول الصناعية جاءت ضمن محاولات لإظهار التزام الجانب التركي بتدفق المياه، بينما الواقع يشير إلى استنزاف متواصل لموارد النهر.
غياب المساءلة والشفافية
المشهد في عفرين يعكس، بحسب مراقبين، سياسة ممنهجة لاستغلال الموارد المائية دون ضوابط قانونية أو مؤسساتية، في ظل غياب أي آليات للمحاسبة أو الشفافية لدى الجهات المسيطرة. ويخشى السكان أن يؤدي استمرار هذا النهج إلى كارثة مائية طويلة الأمد، تهدد الزراعة والأمن الغذائي، وتزيد من هشاشة المجتمعات المحلية.
إن ما يجري في ملف نهر عفرين لا يُعدّ مجرد أزمة بيئية، بل هو نموذج صارخ لانتهاك حقوق السكان المحليين في إدارة مواردهم الطبيعية، وسط صمت دولي وتجاهل للمعايير القانونية التي يفترض أن تحكم التصرف في المياه العابرة للحدود.
هل ترغب في تضمين صور أقمار صناعية أو تصريحات من خبراء المياه لتعزيز التقرير؟