في سوريا.. فرح الكرد بسقوط الدكتاتور يتحول إلى خوف من الغارات وهجمات تركيا وميليشياتها
كانت جيهان، الأم لثلاثة بنات، جالسة أمام خيمتها حينما لاحظت فوضى عارمة تجتاح المخيم مع سقوط قذيفة قربها. هرعت للاطمئنان على بناتها بينما كان الدم يغطي وجهها من الشظايا.
لم تمر سوى ساعات حتى بدأ إخلاء المخيم، الذي يقطنه آلاف المهجرين قسرًا من عفرين، إلى وجهة غير معلومة. وثق مركز التوثيق نزوح 150 ألف شخص كردي منطقة الشهباء بريف حلب باتجاه شرق الفرات. وفقدان الأتصال بأكثر من 70 مواطنا كرديا، تم توثيق مقتل 22 منهم من قبل الميليشيات التركية.
مع الاحتلال التركي لمدينة عفرين، في آذار 2018 اضطر آلاف الكرد إلى مغادرة منازلهم صوب منطقة الشهباء القريبة بريف حلب، حيث استقر قسم منهم في المخيمات وبدأوا حياة جديدة على أمل العودة إلى ديارهم، التي استوطنتها عوائل الميليشيات المسلحة الموالية لتركيا.
لا تعلم جيهان أي أخبار عن زوجها الذي اختطفته ميليشيا “سليمان شاه” (العمشات)، لكن وسيطًا طلب منها 30 ألف دولار للإفراج عنه، وهو مبلغ لا تملك منه شيئًا.
جيهان، برفقة بناتها، وغيرهم من الكرد في سوريا لم يحظوا بفرصة للاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد، على وقع القصف التركي اليوم والمجازر وهجمات ميليشيا الجيش الوطني، والتهديدات على وسائل التواصل الإجتماعية التي تطال الكرد والدعوة إلى القضاء عليهم وتهجيرهم.
والد جيهان اختطف قبل 11 عامًا من قبل حاجز للفرقة الرابعة التي كان يقودها ماهر الأسد ولا تعلم مصيره حتى اليوم. فما إن انتشر خبر سقوط النظام حتى تلقت قذيفة وأُجبرت على مغادرة خيمتها إلى المجهول. تقول جيهان: “كنت مرعوبة، كنا نتأمل العودة لمنازلنا في عفرين، لكننا الآن نتعرض للتهجير مجددًا، لا اعلم إلى أين أذهب لقد أصبحت دياري أبعد”.
في كوباني، المدينة المعروفة برمزيتها في هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية، يتزايد الخطر، خاصة بعد احتلال الميليشيات الموالية لتركيا، بدعم تركي، لمدينة منبج، مما أجبر قسمًا كبيرًا من سكانها الكرد على المغادرة خشية الخطف والقتل وعمليات الانتقام والفلتان الأمني. مركز التوثيق وثق مغادرة 20 ألفا منازلهم غالبهم كرد خشية عمليات الانتقام والخطف، استولت ميليشيا “الحمزات، العمشات” وكلتاهما خاضعتان للعقوبات الأمريكية على منازلهم كما وتم خطف عشرات الكرد الذي لم يتمكنوا من المغادرة وقتلت امرأة كردية وأصيب طفلها بجروح بليغة.
تحول سد تشرين إلى نقطة صراع رئيسية، لا سيما بعدما صعّدت تركيا هجماتها الجوية وأرسلت آلاف المسلحين لاقتحامه، وهو ما قد يخلف كارثة على سكان شرق الفرات، حيث سيُحرمون من الكهرباء، تمامًا كما حُرم سكان الحسكة من المياه بعد سيطرة الميليشيات التركية على محطة علوك في رأس العين.
ومنذ الإطاحة بالرئيس بشار الأسد في أوائل ديسمبر، صعدت تركيا من هجماتها على منطقة الإدارة الذاتية، مما أسفر عن استشهاد 25 مدنيًا، إضافة إلى 403 مقاتلًا من قوات سوريا الديمقراطية، وإصابة المئات، وفقًا لمركز التوثيق. لم تتوقف الغارات التركية وهجمات ميليشياتها منذ ذلك الحين.
في عفرين وحدها، تم اختطاف 61 مواطنًا كرديًا وتعرضوا للتعذيب. تقول روجدا، ابنة أحد المختطفين: “لقد دمروا فرحتنا، لا نعلم شيئًا عن والدي، ولا نملك 16 ألف دولار التي تطلبها ميليشيا الحمزات للإفراج عنه”.
في كوباني يقول الشاب جومرد ان الطائرات التركية لا تتوقف عن التحليق يوميا فوق المدينة، وتقصف مناطق عدة لاثارة الهلع والخوف لدى السكان “الناس هنا اعتادوا على اصوات القصف وتحليق المسيرات والقصف التركي وأخبار تتعلق بالحشود العسكرية لاحتلال المدينة والحملات على المنصات الإجتماعية هذا يدفنا للقلق والخوف من المستقبل”. استشهد من عائلة جومرد ثلاث اشخاص في الهجمات التركية يقول “لم نحصل على فرصة الحديث عن سقوط نظام الأسد، الذي اعتقلني وعذبني لستة أشهر في فرع فلسطين دون ان أعلم لماذا، واليوم أيضا لا أعلم لماذا يجب أن تنزل علينا الطائرات التركية صواريخها علينا كل يوم وتقتل وتصيب أعلنا” يضيف ” نعيش منذ شهرين بلا كهرباء بسبب الهجمات التي تستهدف سد تشرين وهي المحطة التي تغذي المدينة بالكهرباء”.
وتعرض منزل المواطن صالح حمو في قرية آشمة بريف كوباني لقصف بطائرة مسيرة ادى لاصابة 9 من أطفاله واستشهاد أصغرهم وعمرها سنتان اسمها جيلان حمو يقول : ” لا اعلم ماذنب صغيرتي جيلان التي لم تبلغ من العمر عامان فقط، نحن مزارعون أبا عن جد لقد قصفت طائرة تركية منزلي ودمرته وقتلوا طفلتي واصيب الباقون بجروح بليغة”
دلشا البالغة من العمر 18 عاما فقدت ساقها اثناء عودتها من المدرسة، كان قصفا تركيا استهدف مركزا صحيا في مدينة قامشلو تقول ” الناس هنا لا يهتمون بما يحدث في دمشق وبقية المدن السورية هم مشغولون بتوقيت القصف عبر المسيرات التركية، وحصارهم ودفن احبائهم والرعب من حملات التحريض في وسائل الإعلام السورية التي لا تغطي ما يحدث من جرائم يومية تطالهم”.
منذ اعلان سقوط نظام بشار الأسد، لم تسجل أي هجمات في المدن السورية باستثناء المنطقة الكردية حيث تم تصعيد القتال والقصف عبر مختلف أنواع الأسلحة بدعم جوي من سلاح الجو التركي، وتجاوز عدد ضحايا تلك الهجمات ألف شخص.
استولت تركيا منذ عام 2016 على مساحات واسعة من الأراضي السورية عبر ثلاث حروب، ارتكبت خلالها جرائم حرب، وقصفت مدنًا وقرى مأهولة بالسكان، وقتلت مئات السوريين. كما هجّرت القوات المسلحة التركية أكثر من مليون سوري من منازلهم في ثلاث مدن رئيسية شمال سوريا، بعد شن عمليتين عسكريتين انتهتا باحتلال عفرين، رأس العين، وتل أبيض.
يعيش سكان المناطق التي استهدفتها الهجمات التركية في حالة من الرعب والقلق الدائمين، حيث لا يزال مصير العديد من المختطفين مجهولًا، فيما يتفاقم النزوح والحرمان من أبسط مقومات الحياة. وبينما كان البعض يأمل في أن يشكل سقوط النظام السوري بداية جديدة، وجدوا أنفسهم أمام معاناة مضاعفة نتيجة الاحتلال والتهجير المستمر. يبقى الأمل معلقًا في أن يتمكن هؤلاء المهجرون يومًا ما من العودة إلى ديارهم واستعادة حياتهم الطبيعية بعيدًا عن الحرب والدمار.