هل يمكن للحكم الصادر عن “العدل الدولية” وتدابيرها بشأن منع الإبادة الجماعية بغزة أن تردع أردوغان عن مواصلة هجماته التي تستهدف المدنيين

حظيت تدابير محكمة العدل الدولية، بشأن منع الإبادة الجماعية في قطاع غزة، الجمعة 26 يناير/كانون الثاني 2024، بترحيب واسع ومطالب بضمان تنفيذ إسرائيل تلك التدابير بشكل كامل وفعال، وسط تفاؤل بأن يكون الحكم رادعا لدول أخرى لوقف جرائمها لا سيما تركيا التي لا تتوقف طائراتها عن استهداف المدنيين في سوريا والعراق تحت ذريعة أمنها القومي ضمن سياق طموحاتها التوسعية والاجرامية.

وعقدت محكمة العدل الدولية في لاهاي في 11 و12 يناير/كانون الثاني الجاري، جلستي استماع علنيتين، في إطار بدء النظر في الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل بتهمة ارتكاب “جرائم إبادة جماعية” بحق الفلسطينيين في قطاع غزة

في وقت سابقٍ الجمعة، أمرت محكمة العدل الدولية إسرائيل باتخاذ تدابير منع وقوع أعمال إبادة جماعية بحق الفلسطينيين، وتحسين الوضع الإنساني في قطاع غزة، لكن القرار لم يتضمن نص “وقف إطلاق النار”.

الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أكد أن قرار التدابير المؤقتة الذي اتخذته محكمة العدل الدولية في قضية “الإبادة الجماعية” التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل، ملزم لكافة الأطراف.

في بيان للمكتب الإعلامي للأمم المتحدة، الجمعة، أشار غوتيريش إلى قرارات “العدل الدولية” التي تنص على أنه “يجب على إسرائيل الامتناع عن أي عمل يتعلق بالقتل والهجوم والتدمير ضد سكان غزة واتخاذ كافة التدابير لمنع الإبادة الجماعية”، و”يجب على إسرائيل أن توقف عملياتها العسكرية في غزة فوراً”.

كما أورد البيان: “يشير الأمين العام إلى أن قرارات المحكمة ملزمة لكافة الأطراف وفقاً لميثاق المحكمة، ويثق بالتزام كافة الأطراف بقرارات المحكمة”.

كذلك، أشار إلى أن الأمين العام للأمم المتحدة سيحيل استناداً إلى النظام الأساسي للمحكمة، قرار التدابير المؤقتة الصادر عن “العدل الدولية” بشأن إسرائيل إلى مجلس الأمن.

مباشرة بعد قرار “العدل الدولية” أصدرت وزارات خارجية العديد من الدول العربية بيانات تؤيد القرار وتصر على تنفيذه، كما تجدد رفضها وإدانتها الهجوم الإسرائيلي في قطاع غزة.

ورحبت الحكومة الائتلافية في إسبانيا بقرار محكمة العدل الدولية، وأكدت أنها مصرة على اتخاذ هذه الإجراءات.

وعلى حسابه بمواقع التواصل الاجتماعي، علّق رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، على قرار “العدل الدولية” بالقول: “نريد السلام، وإنهاء الحرب، والإفراج عن الرهائن، ووصول المساعدات الإنسانية إلى غزة، وإقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل”.

كما جددت الخارجية الإسبانية، في بيانها، الدعوة إلى “وقف إطلاق النار” و”حل الدولتين”، وقالت: “نحن مع السلام والقانون الدولي، وندعم محكمة العدل الدولية، ونعمل لوقف دوامة العنف”.

كذلك، أعرب وزير الخارجية الأيرلندي مايكل مارتن، عن ترحيبه بقرار التدابير المؤقتة التي اتخذتها محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل.

وقال مارتن، في بيان، إنّ “محكمة العدل الدولية هي حجر الزاوية في النظام القائم على القوانين الدولية”.

ثم أضاف: “نتوقع من إسرائيل أن تنفذ جميع الأوامر القضائية التي أمرت بها المحكمة، بحسن نية وعلى وجه السرعة”.

على المستوى العربي، رحبت دول عربية بتدابير محكمة العدل الدولية، بشأن منع الإبادة الجماعية في قطاع غزة، وجاء ذلك في بيانات منفصلة صادرة عن السعودية، ومصر، والأردن، والجزائر، والكويت وسلطنة عمان، تعقيباً على التدابير المعلنة من محكمة العدل الدولية، الجمعة، والتي تلزم إسرائيل باتخاذ تدابير منع وقوع أعمال إبادة جماعية بحق الفلسطينيين.

وأعربت وزارة الخارجية السعودية، في بيان، عن ترحيبها بالقرار، مؤكدةً “الرفض القاطع لممارسات الاحتلال الإسرائيلي والانتهاكات لاتفاقية الأمم المتحدة بشأن الإبادة الجماعية”.

كما شددت على “أهمية اتخاذ المجتمع الدولي مزيداً من التدابير لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، وتوفير الحماية للشعب الفلسطيني، ومحاسبة قوات الاحتلال الإسرائيلي على كافة انتهاكاتها الممنهجة للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني”.

من جهتها، رحبت مصر، في بيان للخارجية، بـ”مطالبة المحكمة بتطبيق عدد من التدابير المؤقتة الفورية التي تستهدف توفير الحماية للفلسطينيين، أهمها توقف إسرائيل عن ارتكاب جرائم قتل الفلسطينيين (..)، وضمان توفير الاحتياجات الإنسانية الملحة في قطاع غزة بشكل فوري”.

ولفتت إلى أنها “كانت تتطلع إلى أن تطالب محكمة العدل الدولية بالوقف الفوري لإطلاق النار في غزة مثلما قضت المحكمة في حالات مماثلة، باعتباره الضمانة الرئيسية لتنفيذ التدابير الضرورية والطارئة”.

وطالبت مصر “إسرائيل بالتنفيذ الفوري لكافة التدابير التي وردت في قرار محكمة العدل الدولية”.

10 خطوات للإبادة الجماعية تطبقها تركيا في سوريا
وضع “جريجوري ستانتون”، رئيس منظمة مراقبة الإبادة الجماعية، دليلاً مكتوباً، وضح فيه 10 مراحل للإبادة الجماعية، منها مراحل تمهد لارتكاب الإبادة، وتضمن عدم حصول الضحايا على التعاطف أو الدعم من المجتمع الدولي أو حتى محلياً. وما يقوم به الجناة لاحقاً.

وبالنظر لما تقوم به قوات الاحتلال التركي منذ توغلها العسكري في سوريا بدءا من “2016” وما قبلها، وبالتحديد أثناء هجوم داعش لاحتلال مدينة كوباني وما تقوم به من عمليات عسكرية ضد الكرد والسوريين عامة شمال البلاد، يتضح أنّ هناك تشابهاً كبيراً مع ما ورد في ذلك الكتيب.

1- التصنيف “نحن وهم”:
الخطوة الأولى لمن يخطط لارتكاب جرائم الإبادة الجماعية، هي فصل الفئة المستهدفة عن باقي الشعب وباقي البشر، والأمثلة على قيام تركيا بمثل هذه الخطوة، وصدرت من أعلى المستويات من المسؤولين الحكوميين الأتراك منهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ووزير خارجيته وباقي الوزراء والمسؤولين. الرئيس التركي تحدث أنّه يجب طرد الكرد السوريين من مدنهم وبلداتهم وتوطين “العرب” بدلا منهم بحجة أنّ هذه المناطق صحراوية لا تناس معيشة الكرد. كما وصرح مراراً أنّ تركيا ستدفن الكرد في خنادقهم، وأنّه سيواصل تدمير وسائل معيشتهم والبنية التحتية في مناطقهم.

2- الترميز “هويات بألوان محددة”
في أوروبا، وتحت سلطة النازية، أُجبر اليهود على ارتداء نجوم صفراء لإظهار أنّهم “مختلفون”. تطلق تركيا مرارا الطائرات المسيرة التي تحلق باستمرار فوق المناطق السورية وتقوم باستهداف ممنهج للشخصيات الاجتماعية والمسؤولين المحليين كما وأن الجنود الأتراك وعبر الحدود يقومون بقتل المزارعين الكرد بدم بارد باستمرار. في المناطق المحتلة مثل عفرين ورأس العين وتل أبيض الكرد هناك يعانون من اضطهاد ممنهج حيث تم الاستيلاء على ممتلكاتهم وأراضيهم وتهجيرهم واعتقال الذين رفضوا التهجير وتعذيبهم واهانتهم ويتم منعهم من الاحتفال باعتيادهم كما حدث في عيد نوروز 2023 حينما تم قتل 4 شبان من عائلة واحدة بجريمة محاولتهم الاحتفال بعيد نوروز.

3- التمييز:
جردت قوانين نورمبرغ لعام 1935 اليهود من جنسيتهم الألمانية، وجعلت من غير القانوني بالنسبة لهم القيام بالعديد من الوظائف أو الزواج من ألمان غير يهود. بينما سلبت تركيا الكرد في سوريا وفي الأراضي المحتلة من حقوقهم الأساسية. منذ التوغل التركي في سوريا 2016 وثم احتلال مدينة عفرين 2018 ومدينتي تل ابيض و رأس العين 2019 يتم ممارسة تمييز وعنصرية ممنهجة تجاه الكرد حيث تم توطين آلاف العرب وغالبهم من عوائل المسلحين الذين جندتهم تركيا في منازل الكرد في تلك المدن. وتم تأسيس أجهزة أمنية وإدارية وغيرها وتسليمها للعرب الذين يقومون باضطهاد الكرد بدعم الأجهزة الامنية التركية ومشاركتها.

4- التجريد من صفة الإنسانية “هؤلاء كفار”:
أثناء الإبادة الجماعية ضد التوتسي في رواندا، تمت الإشارة إلى التوتسي باسم “الصراصير”. وأشار النازيون إلى اليهود على أنّهم “حشرات”.

فيما برر الرئيس التركي ووزير دفاع مرارا حربه “الهمجية” ضد الكرد بأنّهم “كفار” وحاول اصباغ حروبه التي تستهدف الكرد وتهجيرهم واحتلالها بصفات وأسماء دينية. حيث وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تجمع انتخابي، الكرد بأنّهم “كفار” و”زردشتيون“، في إشارة إلى الديانة الفارسية التي نشأت قبل الإسلام. وقال: أنّهم يهدمون المساجد.

5- التنظيم وتدريب الأفراد لارتكاب جرائم الإبادة:
تسليح الأفراد وتحضيرهم بدنياً وذهنياً لارتكاب جرائم والقتل الممنهج هي الخطوة الأساسية لتنفيذ الإبادة الجماعية.

قبل التوغل العسكري التركي في سوريا بحجة ملاحقة تنظيم داعش عام 2016 كانت تركيا نفسها تفتح الحدود لمختلف الجهاديين في العالم للعبور من خلال مطارتها إلى سوريا، وكانت تقوم بفتح مشافيها لمعالجة مصابي داعش وبقية الجماعات المسلحة السورية، وكانت تدعم هذه التنظيمات لارتكاب مجازر وعمليات تهجير ممنهجة ضد الكرد من ريف حلب (مجزة تل عرن وتل حاصل) و”التهجير من تل ابيض” والهوم على الشيخ مقصود وعلى كوباني والحسكة . ولاحقا قامت تركيا بإنشاء ما يسمى ب “الجيش الوطني السوري” وعناصر هذه الجيش هم من بقايا الجماعات المسلحة الذين كانوا يقاتلون سابقا تحت أسم الجيش الحر. سلح اردوغان هذا الجيش وثم قام بتوجيهه بدعم جوي وبري من قبل جيش التركي للاحتلال مدينة عفرين 2018 ومدينتي تل أبيض و رأس العين 2019 وشن الهجمات المستمرة التي تستهدف مختلف القرى والبلدات القريبة في ريف حلب ومناطق الشهباء وكوباني وريف الحسكة وريف الرقة حيث تم تهجير حوالي مليون سوري (80% منهم كرد) متل تلك المناطق المحتلة، ومن القرى والبلدات المتاخمة لتلك البلدات.

تركيا وهذا “الجيش” قاموا بارتكاب عشرات المجازر وشنوا هجمات ممنهجة تستهدف الأحياء السكنية والبنية التحتية.

6- الاستقطاب ونشر الكراهية:
لتنفيذ تلك الجرائم لا بد من حشد الرأي العام لكراهية الطرف الآخر ونشر البروباغندا التي تشوه صورته وتبرر القيام بإبادة جماعية.

هذا ما تفعله تركيا بالضبط عبر دعم وتمويل عشرات القنوات الاعلامية والضغط على مختلف الوسائل الاعلامية والنشطاء لشيطنة الكرد في سوريا، واعتبارهم كيان خارجي يستهدف تقسيم سوريا وقتل “العرب” و”تهجيرهم” كما وتروج تركيا لمظلومية أن العرب مضطهدون من قبل الكرد وكذبة أن الكرد عبدة الشيطان وكفار وهمجيون يرتكبون القتل والمجازر.

7- الإعداد والتحضير والتبرير وتغيير المصطلحات:
غالبا ما يقوم الجناة بالتبرير وتغيير المصطلحات لإخفاء النوايا الحقيقية للعمليات الإجرامية التي يريدون تنفيذها. مثل استخدام عبارات “لتركيا حق الدفاع عن نفسها” أو “حماية الأمن القومي التركي”.

خلال آخر سنتين فقط شنت تركيا أكبر هجومين استهدف بشكل ممنهج وأساسي البنية التحتية في المناطق الكردية شمال سوريا، الهجوم الأول في نوفمبر 202 كانت ذريعتها، قيام فتاة بإلقاء قنبلة في شارع في اسطنبول (14 يناير 2022) تلقت تدريبات في سوريا. الهجوم الثاني في 5 اكتوبر 2023 كانت ذريعته أنّ الانفجار الذي وقع أمام مبنى وزارة الداخلية بتاريخ (1 اكتوبر 2023) نفذه شخصان عبرا إلى تركيا من سوريا. الهجمات التركية أدت لمقتل وإصابة أكثر من 400 سوريا، ودمار هائلا في البنية التحتية تجاوزت كلفته 200 مليون دولار إضافة لانقطاع الكهرباء والمياه والوقود والغذاء عن عشرات المدن المستهدفة طيلة أشهر.

8- الاضطهاد والعزل:
غالباً ما يتم عزل الضحايا في كانتونات، أو مناطق وأحياء معزولة لتسهيل تجويعهم واضطهادهم ومنعهم من الهرب، وأحياناً كثيرة مصادرة الممتلكات.

منذ سنة 2015 وما بعدها أغلقت تركيا جميع المعابر التي تربطها مع المناطق الكردية في سوريا، وباتت تلك المناطق معزولة بشكل كامل عن العالم ولم يتم ادخال أية مساعدات أممية إلى تلك المناطق عبر تركيا رغم وجود 5 معابر كما قامت تركيا بإلغاء تراخيص المنظمات الإنسانية العاملة في تركيا ولديها فروع في المناطق الكردية، حتى قامت تلك المنظمات بإغلاق فروعها وايقاف كافة نشاطاتها هناك كما ورفضت منح التأشيرات لأيّة منظمة أو صحفي يسلط الضوء على معاناة الناس في المناطق الكردية أو يرغب في التوجه إليها لنقل حقيقة ما يحدث فيها.
كما أصدرت أحكام قضائية ضد النشطاء من تلك المناطق وقامت بملاحقتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي (فيسبوك ، تويتر..) لإغلاق حسابتهم وبالفعل استجابت تلك المنصات في بعض الحالات.

كما وقامت تركيا ببناء جدار عازل على طول الحدود مع سوريا في تلك المناطق بعد الاستيلاء على أراضي السكان الذين خسروا مساحات واسعة من أراضيهم جراء السياسة التركية حيث كان يمكن لتركيا بناء الجدار ضمن حدودها لكنها ولهدف انتقامي من السكان نهبت آلاف الهكتار لبناء الجدار وسط غياب اي موقف رسمي من الحكومة السورية.

9- تنفيذ الإبادة:
بعد تحضير المسرح لتنفيذ جريمة الإبادة الجماعية، يبدأ التنفيذ من قتل وحشي وممنهج، وهو ما تقوم به تركيا منذ سنوات بحق الكرد السوريين.

بموجب المبادئ الأساسية للقانون الإنساني الدولي، على النحو المنصوص عليه في اتفاقية جنيف 1949، وفي البروتوكولين الإضافيين لعام 1977، الأمر واضح: الاستهداف المتعمد للمدنيين محظور.

والهجمات التركية المتكررة ومنها الهجوم الأخير الذي شنته بدءا من 5 أكتوبر الجاري يعتبر بتلك المقاييس جريمة حرب .

10 – الإنكار والتنصّل من المسؤولية:
بعد ارتكاب أيّة جريمة من الجرائم السابقة يقوم مرتكبوها بالتنصل من المسؤولية وإنكار ارتكاب أي جرائم منها.

تركيا تتعمد اختيار مسارين الأول: تبرير الهجوم، والآخر نكران استهداف المدنيين والمشافي والمدارس ومخازن الحبوب ومحطات الطاقة والمياه والكهرباء والأحياء السكنية، وثم الاعتراف بذلك واعتبارها أهداف عسكرية.

-------------------------------

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا عن طريق إرسال كتاباتكم عبر البريد : vdcnsy@gmail.com

ملاحظاتك: اقترح تصحيحاً - وثق بنفسك - قاعدة بيانات

تابعنا : تويتر - تلغرام - فيسبوك