ظهرت بوادر خلاف عميقة بين واشنطن وانقرة في موضوع الاتفاق الذي اعلن توقيعه بين الطرفين حول منطقة شرق الفرات في 7 اغسطس / آب الجاري، حيث تضمن إنشاء “مركز عمليات مشتركة” في تركيا، لتنسيق وإدارة إنشاء “المنطقة الآمنة او الامنية” شمالي سوريا.
واشنطن منذ البداية نفت تسمية “منطقة آمنة” وتحدثت عن “آلية آمنة”، تأخذ في الاعتبار مخاوف تركيا لكنها ايضا تضمن الحماية من اي تهديدات خارجية ضد قوات سوريا الديمقراطية لاسيما من قبل تركيا نفسها التي تتوعد بدفن الأكراد تارة وأخرى بذبحهم وما تشكله هذه التهديدات من اشغال لهذه القوات التي تواصل بالتنسيق مع التحالف الدولي ملاحقة خلايا تنظيم داعش.
بيد ان تركيا تتوقع أنها من خلال التصعيد وحشد الجيش والسلاح ستتمكن من فرض واقع جديد وان تهدم الهياكل العسكرية والامنية والادارية والخدمية المقامة شرق الفرات وان يمنحها الاتفاق اذنا بالتوغل العسكري واقامة قواعد عسكرية كما تفعل في شمال العراق / اقليم كردستان وفي منطقة عفرين ومناطق درع الفرات.
واشنطن ملتزمة باقامة آلية آمنية:
وفي هذا الصدد أكدت وزارة الدفاع الأميركية البنتاغون أن المحادثات مع أنقرة مستمرة وأفضت إلى تفاهم على “آليات أمنية” و”قيادة مشتركة” من دون إقامة “منطقة آمنة”، كما تزعم تركيا.
وقال المتحدث باسم البنتاغون شون روبرتسون إنّ الاجتماعات العسكرية بين الجانبين الأميركي والتركي حققت تقدما لافتا في اتجاه استحداث “آليات أمنية” في شمال شرق سوريا، لمعالجة مخاوف السلطات التركية.
وأضاف روبرتسون أن البنتاغون “ينوي” إنشاء قيادة عسكرية مشتركة في تركيا “من أجل مواصلة البحث في التخطيط وآليات التطبيق”.
وفيما لم يشر بيان البنتاغون في أي شكل من الأشكال إلى اتجاه نحو “إنشاء منطقة أمنية” كما تزعم تركيا، فإن روبرتسون ذكّر بأن البنتاغون ملتزم بدعم حلفائه في قوات سوريا الديمقراطية وإلحاق الهزيمة بـ “داعش”.
وختم بأن تطبيق الآليات الأمنية مع تركيا سيمرّ بمراحل عدّة وان النقاشات معها لاتزال متواصلة.
تركيا تتمسك بمنطقة آمنة:
نفت وزارة الدفاع التركية وجود أي تغيير في وجهات النظر بشأن “المنطقة الآمنة” المزمع إنشاؤها بالتنسيق مع الولايات المتحدة شمالي سوريا.
وقالت الوزارة في بيان نشرته على حسابها عبر “تويتر”، إن “الأنباء المزعومة حول المنطقة الآمنة التي تسندها بعض وسائل الإعلام إلى مسؤولين أتراك وأمريكيين، لا تعكس الحقيقة”.
وأضاف البيان أن “وزارة الدفاع ستعلن للرأي العام عن الأنشطة المنفذة بالتنسيق مع الولايات المتحدة، عندما يحين الوقت والمكان”.
وتابعت أنه “في هذا السياق، لا يوجد أي تغيير في وجهات النظر التي أعلنت عنها تركيا سابقا والتي لا تزال تحافظ على سريانها”.
مطالب الناس:
قال القائد السابق للقيادة الوسطى التابعة للجيش الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط، جوزيف فوتل أنه لا يمكن لواشنطن بأي حال تجاهل مطالب “شعب شمال شرق سوريا”، وأنه من المهم مساعدتهم للتعافي من سنوات الصراع، والحماية من الهجمات، ومنحهم فرصة العيش في سلام. مضيفا “إن تشريد السكان الأكراد لن يحرمهم من هذه الحقوق فحسب، بل سيخلق أيضاً المزيد من الصراع”.
وأضاف “المطلوب ليس إنشاء منطقة آمنة، بل آلية أمنية مستدامة تعالج الشواغل المحددة لجميع الأطراف المعنية وتنشئ هيكلا يرصد العمليات الأمنية ويراقبها، وييسر في الوقت نفسه الاتصال بين جميع الأطراف المعنية. الجانبين. ولن يكون مثاليا، ولن يكون أحد راضيا تماما عن هذا الترتيب، ولكن هذا هو السبيل الوحيد القابل للتطبيق للمضي قدما.
قوات سوريا الديمقراطية تحدد شروطها:
اوضح القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي موقفه من اللقاء الامريكية التركية وقال إن المنطقة الآمنة التي يجري النقاش حولها يجب أن تشمل كامل الحدود بين نهري دجلة والفرات وذلك لحفظها امن هجمات وتهديدات.
وقال عبدي بأن تركيا تجري مباحثات غير مباشرة معهم وأن المباحثات في هذا الصدد لم تعطِ نتيجة بعد، وأضاف “نحن نستمر في المباحثات للوصول إلى صيغة”.
ويبدو أن تركيا طرحت ان تمتد المنطقة الامنة بين مديني تل أبيض بريف الرقة الشمالي ورأس العين \ سري كاني بريف الحسكة الغربي وهو ما رفضته قسد واعتبرتها خطة تركيا لفصل مناطق الادارة الذاتية عن بعضهم جغرافيا، وهو الطرح الذي سبق وأن عرضته تركيا على واشنطن قبيل حملة التحالف الدولي لاستعادة مدينة الرقة من سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية، حيث عرضت تركيا مشاركة جيشها في المعركة، في تشرين الاول 2016، عبر فتح كاريدور يمر من تل أبيض ثم عادت وكررت عرض الخطة على واشنطن في حملة استعادة ريف دير الزور الشمالي، كما وأن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عرض على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في كانون الاول 2018 خطة تتضمن توغل قواته ضمن كاريدور يمر من مدينة تل أبيض بهدف قتال تنظيم الدولة الإسلامية الذي كان وقتها محاصرا ببلدة الباغوز، آخر معاقله في سوريا.
القيادي في مجلس منبج العسكري شرفان درويش، طالب أن تدار المنطقة من قبل “قوات محلية” تحافظ على أمن المنطقة بعيدا عن العنف ويمكن أن تتولى قوات أمن داخلي لهذه المهمة.
وأضاف: “بشكل عام هناك نموذج جيد للاستقرار من خلال هكذا اتفاقيات وأخذ نموذج منبج حيث دعم الاستقرار وتخفيف التوتر من خلال تسيير دوريات مشتركة”.
وشدد درويش على ضرورة أن “يواصل التحالف الدولي الحفاظ على استقرار ما هو موجود في مدن شمالي شرق سوريا الخالية من العناصر المتطرفة”.
وأكد أن “قوات سوريا الديمقراطية” ستتعاون لانجاح المنطقة الآمنة “إن كانت تلك الاتفاقيات تساهم في الحل وتأخذ الاستقرار كهدف لها”.
وحذر من أن “التوتر والتهديد يخدم تنظيم (داعش) الذي يسترد معنوياته ويعطي الأمل لخلاياه من حالة عدم الاستقرار والتوتر”.
تحرير: مصطفى عبدي