تغزو تركيا بلغتها ومؤسساتها المشهد في مدينة أعزاز الواقعة تحت سيطرة فصائل سورية معارضة مدعومة من أنقرة.
وتتصدّر جدار مبنى المجلس المحلي الذي يدير المدينة الواقعة في محافظة حلب، عبارة مكتوبة باللغتين العربية والتركية “التآخي ليس له حدود”، وإلى جانبها تم رسم العلم التركي وراية المعارضة السورية.
ويقول رئيس المجلس المحلي محمد حمدان كنو (64 عاما) “كل الدعم الذي نتلقاه تركي، من التعليم إلى الخدمات. كل شيء (يأتينا) من الإخوة الأتراك”.
ومنذ بدء النزاع في سوريا في العام 2011، دعمت تركيا المعارضة. وعلى مرّ السنوات، تطور الدور التركي في سوريا، خصوصاً بعد أن شنّت أنقرة حملة عسكرية تحت شعار “درع الفرات” في العام 2016 ضد تنظيم داعش والأكراد على حد سواء في شمال سوريا. وسيطرت بموجبها على مدن حدودية أبرزها جرابلس والباب والراعي. وفي بداية العام الحالي، تدخلت أنقرة عسكرياً مرة أخرى، لكن هذه المرة في منطقة عفرين ذات الغالبية الكردية في شمال غرب حلب. وبات النفوذ التركي يمتد من جرابلس في أقصى ريف حلب الشمالي الشرقي مرورا بمدينة أعزاز شمال حلب وصولا إلى عفرين.
وتنتشر في هذه المنطقة قوات عسكرية واستخباراتية تركية، كما تنشط فيها شرطة محلية مدعومة ومدرّبة من تركيا.
والى جانب التواجد العسكري، وجدت المؤسسات الحكومية والشركات الخاصة التركية خلال العامين الماضيين، موطئ قدم لها في هذه المنطقة الآمنة نسبيا.
وأنشأت أنقرة على سبيل المثال شبكة كهرباء في مدينة جرابلس حيث عُلقت صورة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان على جدار في مستشفاها الرئيسي المدعوم من أنقرة. وتعدّ أعزاز منذ العام 2012 واحدة من أهم المدن الواقعة تحت سيطرة الفصائل المعارضة في محافظة حلب. ويقول كنو “ستمدّ شركة تركية الكهرباء في مدينة أعزاز”.
وتصل التغذية بالتيار الكهربائي في بعض الأحياء وسوق المدينة الأساسي إلى 20 ساعة يومياً على الأقل بموجب عقد سبق أن أبرم مع شركة “إي.كاي إينرجي” بقيمة ثلاثة ملايين دولار. واتخذت الشركة من مبنى حكومي سابق فرعاً لها في أعزاز.
وشارك الأتراك أيضا في تعبيد الطرق وترميم المساجد والمدارس، وفق كينو الذي يقول “أصلحوا كل المدارس، وقدموا لنا المقاعد الدراسية والكتب والحقائب والكومبيوترات والطابعات”.
وقرر مجلس أعزاز المحلي في بداية الموسم الدراسي الحالي، إضافة دروس اللغة التركية إلى المنهاج الدراسي لتعليم 18 ألف تلميذ في أعزاز وريفها.
ويوضح “تضمن منهاجنا في السابق اللغتين الإنكليزية والفرنسية، لكن في العام الماضي ونتيجة التقارب بيننا وبين الإخوة الأتراك، وعقب اجتماع ضم المعلمين والإداريين، قررنا أن نستبدل اللغة الفرنسية باللغة التركية”. ويضيف “على اعتبار أن تركيا هي الدولة الراعية للمنطقة، فإن اللغة التركية تضمن مستقبل الطفل السوري”.
ورفعت على الطرق في منطقة أعزاز، لافتات تشير إلى أسماء المدن والقرى مكتوبة باللغتين العربية والتركية. ويعتمد السكان بشكل أساسي على شرائح الهواتف الجوالة التركية. كما تمّ افتتاح متجر خاص لبيع خطوط شركة “تورك تيليكوم” للاتصالات.
ويقول أحمد حدبة (24 عاماً)، أحد وكلاء هذه الشركة، “الإقبال ممتاز”، مع ضعف التغطية عبر الشبكات السورية أساسا.
ووضعت الشركة، وفق حدبة، أبراج اتصالات في مدن الباب وأعزاز وجرابلس، ضاعفت جودة التغطية.
وتنتشر في سوق أعزاز محال تبيع البضائع التركية. ويحصل بعض السكان على البضائع عبر “المديرية العامة للبريد التركية” الرسمية التي فتحت مكتباً لها في أعزاز يعمل فيه موظفون أتراك وسوريون.
ويُسمح في مكتب البريد باستخدام الليرة التركية فقط التي تراجعت إلى أدنى معدلاتها مقابل الدولار خلال الأشهر الأخيرة، ما أدى إلى ارتفاع أسعار المواد المستوردة من تركيا. وتكاد شوارع المنطقة لا تخلو من السيارات العسكرية والجنود الأتراك الذين يمكن رؤيتهم يتسوقون في شوارع أعزاز.
ويرى الأستاذ الجامعي والباحث في الشأن التركي في جامعة ديسايلز أحمد يايلا أن تركيا تسعى إلى ترسيخ وجودها في سوريا على المدى الطويل.
ويقول “تقود تركيا مؤسسات عديدة في تلك المدن. الأمر أشبه بشكل من الوصاية”، مضيفا “لن تكون هذه المناطق جزءا من تركيا رسميا، لكن تركيا ستبقى المتحكمة فيها بفعل الأمر الواقع”.