بعد سيطرة القوات التركية على منطقة عفرين بدأت الفصائل السورية التابعة لها تنفذ خطة غصب والاستيلاء على العقارات والأراضي وتقوم بتوطين عوائلهم فيها أو تحويلها لمقرات أمنية وعسكرية ومعتقلات.
الاستيلاء على منازل المدنيين من قبل الفصائل تمت شرعنتها من قبل“المجلس الإسلامي السوري” الذي أصدر فتوى اعتبر فيها أنّ الأملاك التي تعود لـ “وحدات حماية الشعب” في منطقة عفرين تندرج ضمن الأموال العامة؛ فكانت حجة شرعنت الاستيلاء على المنازل والأراضي في الوقت الذي بدأت فيه خطة ممنهجة لإسكان القادمين من ريف دمشق والغوطة الشرقية في عفرين.
الأمم المتحدة تحدثت عن نزوح نحو 180 ألفاً من سكان منطقة عفرين، وهو أقل بكثير من العدد الكلي الذي تجاوز 250 ألفاً حيث تم توطين بدللً منهم أشخاص قدموا من المناطق بريف حمص الشمالي والغوطة الشرقية ومن ريف دمشق. حالات عديدة وشهادات أكدت أنّه كان يتم الاستيلاء على المنازل المأهولة بعد طردهم المالكين بحجة أنّهم ينتمون إلى الأحزاب الكردية وحالات عن مصادرة منزل وتهجير سكانه من الايزيديين لتحويله إلى جامع.
قُسمت العقارات، إلى ثلاثة أقسام، قسم من تلك العقارات تعود ملكيته لأهالي المدينة، والثاني تعود ملكيته لعناصر من “وحدات حماية الشعب” أو مواطنين لهم أبناء كانوا متطوعين لدى “الوحدات” خرجوا من المنطقة بعد سيطرة تركيا عليها، بينما القسم الثالث أملاك عامة، وتعود ملكيتها للدولة السورية.
مشروع لتوطين مهجري الغوطة
مهجروا الغوطة حددت لهم تركيا عفرين وجهة للاستيطان فيها، حيث أنّهم استولوا على قرية بكاملها وقاموا بمصادرة الأراضٍي وخاصة في منطقة الباسوطة من خلال خطة لتجهيز مئات الوحدات السكنية لتوطين سكان الغوطة.
المشرف على المشروع، محمد اللحام، أكد الرواية التي أثيرت اعلاميا وقال إنّ المشروع قيد الإنجاز و الأرض هي عبارة عن جبل يطل على عفرين وهي أحراش يسيطر عليها فصيل “الجبهة الشامية”، مشيراً إلى أنّ التجهيز للمشروع بدأ بفتح طرقات ترابية فيها وتقسيمها إلى مقاسم وحفر بئر ارتوازي للمياه إلى جانب تجهيز خزان كبير فيها.
وتقسم الأراضي في المشروع إلى 400 متر مربع لكل أرض، يسمح إعمار نصفها، وتقسم الأراضي تنظيميًا إلى قسمين، القسم الأول للبناء الطابقي كطابقين لكل بناء، والقسم الثاني سيكون بنظام الفيلات بناء طابقين وحدائق كي لا تصبح المنطقة كمناطق العشوائيات، وفق اللحام.
وعن تسليم الأراضي للراغبين بالسكن فيها، قال اللحام، “لم ندخل بعد بموضوع التسجيل والإعلان، مشيراً إلى أنّ الأولوية لمهجري دمشق وريفها. شكّلنا لجنة مؤلفة من شباب من الغوطة الشرقية والقائم على المشروع هو الشيخ محمد الخطيب”.
وأضاف أنّه تم وضع محافظة دمشق وريفها (التابعة للمعارضة والتي أشرفت على انتقال المهجرين إلى المنطقة ولديها إحصائيات عن توزعهم) بصورة المشروع، ولكن لم تتبن أي جهة إعمار المنطقة ولم يصل المشرفون إلى هيئة داعمة، تنفذ المجمعات السكنية وتقسطها للناس، وفق ما ذكر اللحام.
وفي تصريح، قال مدير المكتب الشرعي في فصيل “الجبهة الشامية”، الشيخ محمد الخطيب، إنّ المشروع الآن في طور التطوير والبحث، مشيراً إلى أن الموضوع في طرحه على الإعلام يسبب حساسية بالوقت الذي تتحدث فيه وسائل إعلام عن التغيير الديموغرافي.
واعتبر أنّ مثل هذه المشاريع هي حل من الحلول لهذه التخوفات التي لا يمكن أن تنتهي إلا بإيجاد حلول بديلة من الأملاك العامة لإسكان المهجرين قسرياً من مناطقهم.
حركة البناء مجمدة والأسعار انخفضت
تجمدت حركة بيع وشراء العقارات في عفرين عما كانت عليه خلال سيطرة “الإدارة الذاتية” عليها، وانخفضت أسعار العقارات إلى حد بلغ 50% عما كانت عليه في السابق، بسبب مرحلة من عدم الاستقرار عاشتها المنطقة.
وقال محمد مصطفى، وهو صاحب مكتب عقاري ومتعهد عقارات، إنّ أسعار العقارات في عفرين تختلف نسبياً بحسب المنطقة، إذ كانت أسعار المناطق الفقيرة والبعيدة عن مركز المدينة تتراوح بين 40 و75 ألف ليرة سورية للمتر الواحد السكني، وكلما أصبحت المنطقة أقرب إلى مركز المدينة ازداد السعر ليصل إلى أكثر من 100 ألف ليرة سورية للمتر الواحد، بحسب تجهيزه وموقعه، وفق مصطفى، الذي أشار إلى أنّ هذه الأسعار تنطبق على فترة سيطرة “الإدارة” على المنطقة.
لكن سعر المتر الواحد انخفض حتى وصل إلى مستويات قياسية وبلغ 20 ألف ليرة في المناطق المتطرفة.
وفي حديثه عن حركة البناء في المنطقة، قال محمد مصطفى إنّ أعمال البناء باتت شبه مجمدة بالوقت الحالي، بسبب عدم وجود بلدية لديها آليات واضحة لقوانين ترخيص البناء، مضيفاً أنّه في الوقت الحالي تشرف المحكمة المدنية التابعة لـ “الحكومة المؤقتة” على تسجيل عقود البيع والشراء، دون تثبيت رسمي، بعدما كان يوجد كاتب بالعدل تابع لحكومة النظام يعمل على تسهيل أمور وتصديق العقود العقارية بموجب وكالات، ويبقى لتنفيذ مهامه في المنطقة لمدة ثلاثة أيام بمكتب خاص.
وسهلت “الإدارة” عمليات البناء للحصول على مبالغ مالية عن طريق التراخيص، ما أدى إلى طفرة بناء، وتضاعفت الحركة ثلاثة أضعاف عما كانت عليه سابقاً، لكن سيطرة الفصائل وغياب الاستقرار خلال الأشهر الأخيرة أعاد السوق إلى الجمود.
وفيما يخص الأراضي الزراعية فإنها تباع بالهكتار، ويصل سعر الهكتار من خمسة إلى عشرة ملايين ليرة سورية بحسب موقعه، ويرتفع كلما اقترب من الشارع بسبب تسهيل ترخيصه للبناء والذي أدى بالتالي إلى ارتفاع أسعار الأراضي الزراعية القريبة من الطرق الرئيسية.
الخريطة الديموغرافية الجديدة في عفرين
منذ بدء اتفاقيات المصالحات بين قوات الحكومة السورية وفصائل المعارضة وعمليات التهجير المتبادلة وخروج الآلاف من مناطق القصير وأرياف حمص وريف حماة الشمالي والغوطة الشرقية وجنوبي دمشق وبرزة والتل وخان الشيح وضواحيها وداريا والمعضمية والقنيطرة ودرعا باتجاه الشمال السوري، واتجها قسم منهم، لا سيما مهجري الغوطة الشرقية وحمص وريفها، إلى منطقة عفرين بعد أن سيطرت عليها فصائل المعارضة المدعومة من تركيا، في آذار الماضي.
لم تحدد أي جهة إحصائية أو مدنية عدد النازحين الذين وصلوا إلى عفرين، وحاول فريق “منسقوا الاستجابة” في الشمال السوري، إحصاء التوزع السكاني في المنطقة، لكن التطورات الكبيرة التي تحدث في الشمال السوري صعبت من عملية الإحصاء إلى جانب ارتفاع معدلات نزوح سكان عفرين الذين تعرضوا لأبشع أنواع الانتهاكات من قبل الفصائل بعد السيطرة عليها.
وقالت المنظمة إنّ إحصائية يجريها للتوزع السكاني في المنطقة ستصدر قريباً.
ووفق الإحصائية الأخيرة التي نشرها “منسقوا الاستجابة”، في 9 من تموز الماضي، فإنّ عدد العائلات المقيمة في عفرين، منذ آذار الماضي، بلغ 28461 عائلة، من ضمنها 21352 ألف عائلة من السكان الأصليين موزعين كالتالي: ناحية عفرين 20 ألفاً، ناحية شران 115 عائلة، ناحية راجو317 عائلة، ناحية معبطلي 250 عائلة، ناحية بلبل 20 عائلة، الشيخ حديد 650 عائلة، بينما لا تزال نواحي بفيليون وجنديرس قيد الإحصاء بالنسبة لعدد الأهالي الأصليين.
وبلغ عدد العائلات النازحة من دمشق وريفها 6863 عائلة موزعة على ناحية عفرين 5800 عائلة، وناحية راجو 280، وناحية معبطلي 420، وناحية بلبل 83، وناحية بفيلون 30، وناحية جنديرس 250، وبقيت ناحيتا شران والشيخ حديد قيد الإحصاء بالنسبة لعدد الوافدين إليها من مهجري ريف دمشق.
ووصل عدد المهجرين القاطنين في عفرين من ريف حمص إلى 246 عائلة موزعة على نواحي شران 79 عائلة، راجو 77، معبلطي 30، الشيخ حديد 60، فيما لا تزال كل من نواحي عفرين وبلبل وبفيلون وجنديرس قيد الإحصاء.