تثير سيطرة حركة طالبان على أفغانستان تساؤلات حول تأثير ذلك على سياسات الدول العربية الحليفة للغرب وعلى التنظيمات الإرهابية المتطرفة في العالم بشكل عام والدول العربية بشكل خاص.
“اللي متغطي بالأمريكان عريان”! عبارة نقلها وزير الخارجية المصري الأسبق والأمين العام الحالي لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، عن الرئيس المصري الراحل حسني مبارك، الذي قال له إنّ أمريكا حاولت التخلص منه في السابق.
مسلحوا #هيئة_تحرير_الشام / جبهة النصرة سابقاً المصنفة على قوائم الإرهاب يقومون بتوزيع الحلويات في شوارع مدينة #إدلب فرحا بانتصار طالبان المزعوم في أفغانستان. pic.twitter.com/YjDX9HJiRp
— مركز توثيق الانتهاكات (@vdcnsyria) August 16, 2021
كثيرون اليوم قد يستذكرون هذه العبارة وهم يرون ما يحصل في أفغانستان التي “انتصرت” فيها حركة طالبان، كما اعترف الرئيس الأفغاني الفار أشرف غني، الذي وصل إلى الحكم بانتخابات رحب بها العالم وقتها. “انتصار” طالبان جاء بعد عشرين سنة من الإطاحة بها على يد تحالف بقيادة الولايات المتحدة. أما القوات الأفغانية التي أنفقت عليها مليارات الدولارات لتدريبها وتسليحها على مدار سنوات، فكأنّها اختفت!
تخلي الولايات المتحدة عن أفغانستان، وحالة الفوضى الكاملة التي تسود البلاد، تختصرها مشاهد الفوضى والهلع في مطار كابول، حيث تجمع آلاف الأفغان سعياً للهرب من بلدهم، لكن دون جدوى، ووسط تقارير عن سقوط ضحايا.
التطورات المتسارعة في أفغانستان تثير قلقاً دولياً، خصوصاً من الدول الغربية، التي تهرع لإجلاء رعاياها من البلاد، كما تثير تساؤلات حول تأثير “انتصار” طالبان، التي يخشى الأفغان عودتها لممارساتها الوحشية السابقة، على سياسات الدول العربية “المتغطية بالأمريكان” وعلى التنظيمات الإرهابية المتطرفة التي تنشط في الدول العربية بشكل خاص.
تأثير على الدول العربية:
يرى المفكر الإسلامي صلاح الدين الجورشي أنّ التطورات الأخيرة في أفغانستان “ستنعكس آلياً على المنطقة العربية”، ويضيف: “ما حصل في أفغانستان سيعيد الثقة إلى التنظيمات الإرهابية والأصولية العنيفة مثل تنظيم القاعدة وفروعها وتنظيم داعش، وسيؤكد لها أنّ ما يسمونه بالجهاد قد يكون وسيلة لإثبات الذات وتحقيق الأهداف السياسية، وهذا -بطبيعة الحال- سيؤثر على الوضع الأمني في المنطقة العربية”.
ويوافقه في الرأي الخبير في قضايا الإرهاب غيدو شتاينبيرغ بأنّه “من الواضح تماماً أنّ الجهاديين والسلفيين والإسلاميين في جميع أنحاء العالم يراقبون الأحداث (في أفغانستان) ويرون انتصار طالبان على أنّه تشجيع (لهم)”. ويحذر شتاينبيرغ، الباحث في معهد الدراسات الأمنية والسياسية في برلين: “علينا أن نتوقع أنّه ليس فقط داعش، بل القاعدة والجماعات الأصغر أيضاً ستصبح أقوى”.
ويتفق في ذلك أيضاً، الباحث في قضايا الأمن الدولي والإرهاب، جاسم محمد، الذي يحذر أنّه ومع صعود طالبان في أفغانستان، “سيزداد نشاط تنظيم الدولة الإسلامية في الشرق الأوسط، خصوصاً في سوريا والعراق، وشمال أفريقيا”، ويوضح: “رغم وجود بعض الخلافات بين طالبان وداعش في بعض المناطق، أعتقد أنّه ستكون هناك تفاهمات بين الطرفين لتنفيذ عمليات إرهابية خارج أفغانستان، وليس داخلها”.
وعمل تنظيم “داعش” على توسيع نطاق وجوده في أفغانستان بعد انكساره في سوريا والعراق، ونفذ عمليات ضد الحكومة الأفغانية، منها هجوم صاروخي قبل شهر، قرب القصر الرئاسي في كابول.
مراجعات في السياسة الخارجية:
وفيما يتعلق بسياسات دول عربية حليفة للغرب بعد ما حصل في أفغانستان، يعتقد الجورشي أنّ بعض هذه الدول ومنها السعودية “ستبدأ بمراجعات مهمة في سياساتها الخارجية وأولوياتها”، ويتابع: “قد تفكر السعودية وبشكل سريع بمحاولة احتواء حركة طالبان من خلال دعوة قادتها لزيارة المملكة في سعي لفتح صفحة جديدة”، ويضيف: “السياسة السعودية ستكون براغماتية، وليس مستبعداً أن تبدأ السعودية في البحث عن صيغة لتسوية سياسية طويلة أو متوسطة الأمد مع الحوثيين بعد توتر علاقاتها مع أمريكا في هذا الملف”.
وكان الرئيس الأمريكي جو بايدن قد أكد أنّه “سيضع حداً” لمبيعات الأسلحة الأمريكية للتحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، داعياً السعودية لـ”إنهاء الحرب”، في خطوة فسرها بعض المحللين، بأنّها “تنازل أمريكي عن اليمن لإيران”، وهو ما يعتقد الجورشي أنّه حصل في العراق، في إشارة إلى “التلكؤ” الأمريكي في تسليح الجيش العراقي عند صعود تنظيم “داعش”، فضلاً عن إصرار الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما على سحب القوات الأمريكية في العراق في 2011، ما اعتبره خصومه “خطأ استراتيجياً كبيراً” مهد لصعود “داعش”.
ما بين العراق وأفغانستان:
ويعتقد الجورشي أنّ هناك اختلافاً بين “الساحة الأفغانية والساحات العربية”، وهو ما دفع أمريكا، كما يقول، للمضي قدماً في الانسحاب من أفغانستان، في حين أبقت بعض جنودها في العراق، ولو كمستشارين عسكريين. ويوضح: “أخطاء أمريكا في العراق واستغلالها من قبل إيران جعلت الأمر يبدو في النهاية وكأنّ واشنطن تنازلت عن العراق لإيران، وبدعوة ملحة من السعودية والخليج أصبح الأمريكان يدعون إنّهم إذا انسحبوا من العراق تماماً، فإنّ ذلك ربما سيكون مدخلاً لتغييرات جيوسياسية خطيرة في المنطقة”.
أما في أفغانستان، يرى الجورشي أنّ “أخطاء أمريكا جعلت طالبان تكتسب صبغة وكأنّها حركة تحرر وطنية وتمثل جزءاً من الشعب الأفغاني”، ويضيف: “وهذا فرض على الأمريكان والدول الغربية أن يتعاملوا معها ويأخذوها بعين الاعتبار كقوة لها قواعد شعبية”.
ويشير جاسم محمد إلى الاختلاف بين طالبان والتنظيمات الإسلامية المتطرفة الأخرى، ويوضح: “كل هؤلاء تجمعهم مظلة التطرف. ورغم إنني أعتبر أنّ طالبان هي المظلة الأكبر لتنظيمي القاعدة وداعش، إلّا أنّها تختلف عنهما في أنّ عناصرها من أهالي البلد وأنّها تتبدل، إذ يقدم أعضاؤها أنفسهم الآن كسياسيين، فطالبان 2001 ليست كطالبان 2021”.
مكافحة الإرهاب كورقة سياسية!
ويعتقد محمد أنّ أكثر بلدين سيتأثران بصعود طالبان في أفغانستان هما سوريا وليبيا. ويضيف: “سوريا فيها فرع لتنظيم القاعدة (حالياً جبهة تحرير الشام التي تسيطر على إدلب) أما ليبيا فالفوضى فيها وتضاريسها الصعبة تتيح لشبكات الإرهاب العالمية دعم بعضها البعض فضلاً عن وجود أطراف إقليمية ودولية متورطة في الصراع تستخدم الشبكات الإرهابية لصالحها”.
وفي سوريا، يرى شتاينبيرغ أنّ الجهاديين “سيستمدون على الأقل بعض الإلهام من الأحداث (في أفغانستان)”، ويضيف: “سيوضحون لأنصارهم أنّهم إذا صمدوا لفترة كافية، ستكون لديهم فرصة للانتصار على الأمريكيين والأوروبيين”.
ويعتقد الجورشي أنّ صعود طالبان في أفغانستان “قد يستخدم كورقة من قبل بعض الدول العربية، مثل مصر، للتأكيد بأنّ هناك مخاطر حقيقية داخلية وإقليمية، وبالتالي قد يعزز النهج الأمني لدى العديد من الدول في المنطقة”.
ويرى الجورشي أنّ مستقبل أفغانستان يبقى مرتبطاً بنوعية السياسات التي ستعتمدها حركة طالبان في الأشهر المقبلة، ويضيف: “بعد دخول كابول، أرادت طالبان إيصال رسالة واضحة بأنّها تحترم القواعد، وكأنّها بدأت بإجراء عملية لتغيير وجهها في الخارج”! ويبقى التساؤل فيما إذا كان المجتمع الدولي سيكمل وضع المكياج على الوجه الجديد أم سيتركه “قبيحاً” كما يراه كثير من ضحاياه الأفغان.
المصدر Dw