تذرعت تركيا عبر تاريخها بالخطر الذي يتهدد أمنها القومي لافتعال معارك وشن هجمات داخل وخارج حدودها ولهذه الذرائع جذور تاريخية مرتبطة بالغزوات التي شنها العثمانيين وما ارتكبوه من مجازر بحق الشعوب والبلدان وهو درب سلكته كذلك الأنظمة والحكومات التركية المتعاقبة سواء أكان بطرق عسكرية أم مساعي طمس ثقافات ولغات وتاريخ شعوب المنطقة.
المصطلح الآخر الذي بدأ نظام أردوغان يروج له منذ سنوات هو المناطق الآمنة وذريعة اللاجئين.
بالعودة السريعة لمتابعة شؤون ومايجري في تلك المناطق التي احتلتها تركيا لن نجد سوى الفوضى والفلتان الأمني والتفجيرات والاقتتال وتهجير السكان الأصليين واعتقال من اختار منهم البقاء والاستيلاء على المنازل والعقارات والأراضي وسرقة الثروات ماكان منها تحت الأرض ومافوقها ونبش للقبور وتدمير للمقابر والمراكز الدينية هذا هو الحال الذي توثقه منظمات حقوق الإنسان المحظورة العمل في مناطق تركيا الآمنة شمال العراق وسوريا.
عملية درع الفرات
ظلت تركيا تسيطر طيلة سنوات ومنذ اندلاع الحرب السورية عبر مسلحين موالين لها على مناطق واسعة من سوريا وبالتحديد في حلب وإدلب (الجيش الحر/ جبهة النصرة/داعش/الجيش الوطني/ هيئة تحرير الشام….) كانت توفر لهم ممرات آمنة للعبور والسلاح والذخيرة والمشافي للعلاج والدعم اللوجستي المتعدد. لكن مع اعلان تشكيل التحالف الدولي ضد داعش، رغم أنّ تركيا شاركت فيه لكنها كانت بعيدة تماما عن الانخراط المباشر لا بل واعتبرها الكثيرون ممثلا لداعش اخترق صفوف التحالف.
بعد الانتصار الكبير لوحدات حماية الشعب والتحالف الدولي على داعش في كوباني وثم في تل أبيض ومنبج وجدت تركيا نفسها في حرج كبير، فسارعت إلى عقد اتفاق مع تنظيم داعش تضمن قبول التنظيم الانسحاب من مدينة جرابلس السورية الحدودية وتسليمها للجيش التركي مقابل دمج مقاتلي وقيادات التنظيم ضمن الفصائل المسلحة التي تدعمها تركيا ومجالسها المحلية وهي العملية التي سمتها تركيا ( درع الفرات )، قبلتها روسيا كذلك عبر عرض تركي تضمن تسليم حلب الشرقية للجيش السوري.
الخطوة أتت بعد سنوات من سيطرة تنظيم داعش على مدن سورية حدودية مع تركيا لم تشهد خلالها أيّة مشاكل بين الطرفين وبعدما تلمست تركية جدية واضحة من التحالف الدولي ووحدات حماية الشعب بالمضي في ملاحقة داعش في سوريا تعجلت في الصفقة واستبدلت مسلحين -غالبهم عناصر داعش سابقا- وسلمتهم إدارة المنطقة.
وتابعت تركيا عقد المزيد من الصفقات مع روسيا ومع الولايات المتحدة، وشنت ثاني عملية شمال سوريا أطلقت عليها أسم ( غصن الزيتون ) بالاتفاق مع روسيا و الحكومة السورية تضمنت إجبار مسلحي المعارضة السورية على تسليم السلاح والانسحاب من ريف دمشق والغوطة الشرقية باتجاه عفرين، مقابل ضوء أخضر روسي – سوري لتركيا بالهجوم على عفرين، نتج عن العملية مقتل وإصابة 1000 مدني؛ وتدمير للبنية التحتية وتهجير قرابة 600 الف من منازلهم وقراهم منهم 400 ألف من سكان عفرين، تم توطين قرابة 100 ألف من ريف دمشق وحمص وحماة ودرعا عوضا عنهم ضمن أكبر مخطط تغيير ديمغرافي تركي -روسي في سوريا.
الجماعات المسلحة الموالية والمدعومة من تركيا التي سيطرت على عفرين ارتكبت جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، حملات اعتقال وخطف وقتل تحت التعذيب؛ منظمات حقوق الإنسان وثقت اعتقال قرابة 7 ألفا في عفرين، مازال مصير 3 آلاف منهم مجهولا وقتل منهم تحت التعذيب قرابة 140 شخصا كما وتم الاستيلاء على الملكيات الخاصة والعامة وسرقة أرزاق وأملاك الناس ومنازلهم ومحلاتهم التجارية وأراضيهم.
وجاء ثالث هجوم تركي تحت اسم ( نبع السلام )، هذا الهجوم جاء نتيجة صفقة عقدها الرئيس التركي رجب أردوغان مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ،الهجوم التركي تسبب في نزوح قرابة 300 ألف من مدينتي تل أبيض و رأس العين وارتكبت خلاله القوات التركية وميليشيات الجيش الوطني الموالية لها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وثقتها منظمات حقوق الإنسان الدولية والمحلية واستخدمت تركيا خلاله أسلحة محظورة دوليا وقصفت أهدافا مدنية وتجمعات سكنية ونفذت اعدامات ميدانية حيث مازال مئات الآلاف من السوريين خارج منازلهم.
كما جاءت اتفاقيات الاستانة ومناطق خفض التصعيد التركية الروسية بأضرار بالغة حيث تبين أنّ تركيا لم تف بتعهدات أطقلتها حول حماية المدنيين في مناطق وقف التصعيد ونقاط المراقبة التركية حيث أدت هجمات الجيش السوري لنزوح قرابة 250 الف من ريف إدلب وحماة وإصابة ومقتل المئات وفقدت بموجبها المعارضة السيطرة على طريق M4 ومعرة النعمان وخان شيخون وسراقب.
الضرر التركي لم يقتصر فقط على سوريا وإنّما تعداه إلى العراق حيث أطلقت تركيا عملية سمتها المخلب في 27 مايو 2019، بدءاً من هاكورك على الحدود الإيرانية في الجزء الشرقي من العراق خلفت مقتل وإصابة العشرات من المواطنيين ونزوح السكان من قرابة 40 قرية.
وأمام الصمت العراقي، والدولي وضعف حكومة اقليم كردستان وسعت تركيا هجماتها تحت ذريعة الأمن القومي والمنطقة الآمنة إلى الجنوب حيث هناك كلٌ من زاب وميتينا وأفاسين باسيان، وأطلقت عملية أخرى باسم مخلب النمر امتدت حتى حفتانين بعمق 35-40 كيلومتر”. كما وطال القصف التركي مخيمات اللاجئين في السليمانية ودهوك وهولير وشنكال ومخمور.
هجمات تركيا طيلة 30 عاما لم تتوقف في العراق ( اقليم كردستان ) حيث تسببت في نزوح وهجرة الناس منازلهم وأراضيهم على طرفي الحدود العراقية والتركية والقليل الذين اختارو البقاء من الذين يعيشون في قراهم في تلك المنطقة هم تحت ضغط القوات التركية وهدير وقصف المدافع والطائرات التي لا تميز بين المدني والعسكري. وتواصل استهداف المناطق بين هاكورك، وشيمدينلي، وحفتانين، وشرنق والزاب، وشوقورجا..عبر الطائرات المسيرة التركية التي زادت تركيا من استخدامها رغم فظاعة ما يرتكب من قصف للمدن والمدنيين.
أهداف تركية مقبلة:
من الواضح أنّ تركيا لن تتوقف في ظل الصمت الدولي وضعف الأنظمة المهترئة الحاكمة في سوريا والعراق وصولا إلى ليبيا فهي سبق وأن طرحت على الولايات المتحدة خطة لتنفيذ هجوم بري على شنكال، في عمق الأراضي العراقية على الحدود السورية ضمن ما اسمته (درع دجلة) وصول لمخمور لتحقيق الفصل بين سوريا والعراق وهو ما سيمنح تركيا سيطرة كاملة على حقول النفط السورية وسيطرة كذلك على منافذ الحدود التجارية التي تفصل سوريا والعراق.
تركيا لن تتوقف حتى تضمن احتلال كامل المنطقة بدءاً من إدلب على الحدود السورية وصولا إلى هاكورك على الحدود الايرانية ضمن مخطط استعماري كبير وطموحاتها باتت تهدد وحدو ليبيا واضحت سياساتها خطرا يهدد السلم والأمن العالمي.
ل مصطفى عبدي