اعتقل وتمّ تعذيبه بتهمة عرقلة تطبيق “النظام الاشتراكي العالمي”…

تجسد هذه القصة لمواطن رفض التخلي عن أرضه التي ورثها عن والده وقرر خوض تحدي مع السلطات السورية ومناهضة حملات التعريب البعثية في شمال سوريا.

حالة المقاومة التي اختار ” جمو عل همك ” خوضها كانت مكلفة وقد كان يدرك أنّ تبعات ذلك قد تكون السجن والتعذيب أو حتى قتله \ إعدامه، فكان نضاله جزء من مقاومة حملات الإبادة والتغيير الديمغرافي والتهجير ونهب وسلب الممتلكات وسرقتها، فاختار التمسك بالأرض التي هي الحياة.

حالة باتت جزءا يعيشه كل مواطن كردي في سوريا وتركيا وايران والعراق، تفرض عليه الكثير من القوانين الجائرة لمجرد أنّه ولد لأب وأم كردية فتوجب عليه أن يخوض العشرات من المعارك من أجل البقاء معركة من أجل اسمه أن يكون كرديا فترفض السلطات تسجيل “الأسماء الكردية” ويختار موظف سجلات النفوس اسما للطفل الوليد ويوثقه على “الورق”.. لكن هذا لن يمنع عائلته من أن يبدلوه لاحقا على لسان الناس باسم كردي، كذلك الأمر بالنسبة لأسم الحي الذي يعيش، وأسم القرية أو المدينة التي ولد فيها …. لذلك فكل المدن الكردية، وغالب الكرد لديهم أسمان … الاسم الذي تطلقه الدولة عليها \ عليهم ، والاسم الأصلي.

معركة أخرى يجب أن يخوضها كل كردي وهي معركة اللغة، ستفرض عليه لغة غريبة لا يفهما أو يعرفها وسيطالب بأن ينسى لغته الأم “الكردية” وأن لا يغني بالكردية ، ولا يحتفل أو يرقص في أعراسه  بالأغاني الكردية..فالتعليم والتحدث بها من المحظورات التي تتوجب الملاحقة الأمنية والسجن، كما وأن اقتناء الكتب الكردية تعتبر جريمة كبرى.

معركة أخرى سيخوضها أي كردي وهي معركة الهوية، سيمنح بطاقة “هوية شخصية” مكتوب عليها أشياء كثيرة بشكلها الخاطئ: اسم مدينته ، مكان ولادته، جنسيته ، قوميته، لغته … ورقة رسمية كثيرا ما يظل محروما منها … فيكون بلا جنسية \ المجردون من الجنسية.

جمو الذي تحدى “الحزام العربي” … اعتقل وعذب من قبل الأمن السوري :
قد يتوقع قارئ هذه السطور أنّ جمو كان شخصا عنيدا فحسب، لكن القصة ليست كذلك .. الرجل لم يكن أمامه أي خيار آخر، سوى المقاومة لأنّها بالنسبة له هي الحياة …جمو كما غيره من الكرد ومنذ ولادته يخوض حربا مفتوحة ومعركته التي سنرويها هي واحدة منها فحسب، لم تكن الدولة توفر في قريته مدرسة ولم تُرسل مدرساً قط، أو تقبل أن تدفع نصف راتب لمدرّس من القرية ليكمل تعليم الأطفال لذا فإنّ جمو كان أميا كما بقية أقرانه، لم يحمل ورقة وقلما ليخطط كيف سيواجه “المستعمرين” الذي جاءوا مع قوات أمنية مدججين بالأسلحة وهم يطلبون منه تسليم الأرض التي يملكها ويعيش من خيراتها ومنزله الذي يسكنه لأناس غرباء باسم “الثورة”، لكنه في لحظة ما وبدون تردد رفض ذلك وطردهم … كل شيء كان مفاجئا وعفويا وجاء ضمن مساعي أن يظل على قيد الحياة ، أن يواجه المستوطنين، الذين جاءوا بسلطة الدولة لاحتلال أرضه وبيته باسم “الثورة والاشتراكية” فاتهم بمعاداة الاشتراكية وعرقلة تطبيق نتائج الثورة، هكذا كانوا يختارون أسماء جميلة لمشاريعهم.

هذه القصة حقيقية نرويها بعد التواصل مع أفراد من عائلته ، والتواصل مع شخصيات تابعت ووثقت وعلى اطلاع بتفاصيلها…

جمو عل همك Cimoyê E’l Hemik، كان يملك أرضا بمساحة 400 هكتار في ريف بلدة تل أبيض، (قرية آغباش) وهو من وجهاء عشيرة عاصيان، بريف كوباني الشرقي. والقرية كانت تابعة لمنطقة تل أبيض إداريا، وحاليا هي ضمن إقليم الفرات.

عام 1963 قررت حكومة البعث توزيع الأراضي التي يملكها الكرد في المنطقة على “العرب” الذين تم ايفادهم، تحت اسم “ثورة 8 آذار”، ضمن مشروع (الحزام العربي) القاضي بتهجير الكرد من مدنهم وقراهم ومصادرة أراضيهم وتشتيتهم.

(جمو) لم يكن مثل الكثيرين الذين لم يملكوا الحيلة والوسيلة للمقاومة، رفض القرار وتحدى الدولة السورية وفروعها الأمنية وعلى مدار 4 سنوات تمكن جمو من منع المستوطنين العرب من حراثة متر واحدة من أرضه. كان يطلق الرصاص على الجرارات الزراعية، يهددهم بإطلاق صيحات ويباغتهم مساءا ويصدر أصوات، يطلق عليهم الكلاب، تحولت شخصية جمو بالنسبة للمستوطنين إلى فلم رعب، يظهر أمامهم في كل مكان.

لم تجد القوات الأمنية \ الشرطة حلاً فاستعانت بالجيش والذي أرسل قوة عسكرية (خصيصا لتنفيذ حكم مصادرة أرض جمو والاستيلاء عليها) هرب جمو واجتاز الحدود التركية حيث له أقارب في الطرف المقابل. من داخل تركيا كان يطلق الرصاص ببارودته على المستوطنين أثناء محاولتهم زراعة أرضه، كان يستخرج الألغام في المساء من المنطقة العازلة بين سكة القطار، والأسلاك ويدخل سوريا ويزرعها في أرضه لكي لا يزرعها (المستوطنون)، وكان يتركها بارزة لهم كي يشاهدوها تفاديا لحدوث انفجار قد يقتل أحدهم.

جمو لم يكن ينجح في الهروب دائما أعتُقل عدة مرات ربطوه مرة خلف سيارة عسكرية، تعرض للتعذيب في سجن بدير الزور، ظل غائباً عن الوعي مدة أسبوع وقتها، في النهاية وقف أمام قاضي الفرد العسكري (القضاء الأكثر رعبا في سورية) وقال للقاضي لن أتخلى عن أرضي ما دمت حيا ولك الخيار أن تعدمني، فتم الحكم عليه بتهمة “معاداة النظام الاشتراكي العالمي” قضى فترة في السجن حين خرج عاد لإطلاق النار على المستوطنين، وحرق ما زرعوه بأرضه في فترة اعتقاله فلم يجنوا منه حبة قمح…..لم يترك وسيلة إلّا واستخدمها.

جمو كان له أولاد عم بنفس اسمه، وكانوا يسلمون أنفسهم أحيانا بدلا عنه للقوات الأمنية لتنفيذ حكم سجنه، كان يتم اعتقال أولا عمه (بنفس الاسم) وتجري محاكمتهم كي يتفرغ ( جمو ) لمخططه في إحباط محاولات الاستيلاء واحتلال أرضيهم.

في النهاية هرب هؤلاء الوافدين، ولم يمكنوا من الهناء في أراضي جمو ولو لموسم واحد أو الاستيطان فيها مع عوائلهم، وتمكن جمو من استرداد أرضه كاملة بعد دعاوي ودفع رشاوي عن طريق محامي من عفرين، بحل وسط وهو تحويل أراضيه لأملاك الدولة وتأجيرها له مدى الحياة ( 25 ليرة سورية \ الدونم) كما وسجل قسم من أرضيه بإسم زوجاته، وأولاده كي لا تتم مصادرتها.

جمو تمكن من إيقاف تمدد الحزام العربي باتجاه كوباني بفضل صموده وإصراره على التشبث بأرضه، وفي حدود أراضيه توقف تطبيق ذاك المشروع الخبيث.

تحرير ولقاءات : مصطفى عبدي

-------------------------------

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا عن طريق إرسال كتاباتكم عبر البريد : vdcnsy@gmail.com

ملاحظاتك: اقترح تصحيحاً - وثق بنفسك - قاعدة بيانات

تابعنا : تويتر - تلغرام - فيسبوك