يظهر تسجيل مصور مجموعة من الشبان وهم يقدمون على قتل فتاة قاصر رميا بالرصاص، في ريف محافظة الحسكة السورية.
ويحتوي التسجيل المصور مشاهد صادمة و”بشعة” لعملية قتل الفتاة، التي اعتبرت مذنية حينما رفضت الزواج من ابن عمها ( أحد المشاركين في جريمة القتل ) وقالت إنّها تحب شابا آخر وترغب في الزواج منه وهو ما دفع العائلة لاعتقال الفتاة وتعذيبها ثم سوقها كالنعجة للذبح.
يقول “مركز الأبحاث وحماية حقوق المرأة” في شمال وشرق سوريا أنّه تأكد من صحة الجريمة بناء على حديث مصادر تواصلوا معها في محافظة الحسكة وأنّ “المتهمين بالجريمة هم الأب والأخ. لايزالوا متوارين عن الأنظار حتى الآن”.
ويبلغ عدد الشبان الذين نفذوا عملية القتل أكثر من عشرة، وأظهر التسجيل المصور عملية اقتياد الفتاة إلى منزل مهجور، ومن ثم رمي الرصاص عليها ببندقية آلية.
وللوهلة الأولى وفي أثناء رمي الرصاصات الأولى بدت الفتاة التي تدعى “عيدة الحمودي السعيدو” وكأنّها تنازع من أجل البقاء على الحياة، ليطلب أحد الشبان رمي الرصاص على رأسها مباشرة وقتلها على الفور.
وبحسب التسجيل المصور الذي تداوله رواد مواقع التواصل الاجتماعي يوحي جسد الفتاة النحيل وقصر قامتها بأنّها قاصر.
الحادثة المذكورة سابقا هي ليست الأولى التي تشهدها مناطق شمال وشرق سوريا والبلاد بالعموم. ووفق ما يقول “مركز الأبحاث وحماية حقوق المرأة” فإنّ الجرائم التي تطال الفتيات بداعي “الشرف” في تصاعد.
ويتابع المركز: “حتى لو كانت الجرائم تحت دوافع أخرى يتم القتل باسم الشرف”.
ومن ناحية العقوبة يشير المركز النسوي إلى أنّ الجريمة التي تعرضت لها “عيده” على يد إخوتها تعتبر “جريمة قتل مكتملة الأركان. لا يوجد في المنطقة حسب القانون المعمول به جريمة شرف”.
أما بالنسبة لخلفيات هكذا نوع من جرائم يرى “مركز حماية حقوق المرأة” في شرق سوريا أنّ ذلك يعود إلى “الذهنية الرجعية العادات والتقاليد ومستوى الوعي”.
وتغيب الإحصائيات الرسمية حول العدد الفعلي لجرائم الشرف في سوريا، نتيجة تحفظ الجهات القضائية على الإفصاح عنها، ورفض معظم الأهالي الحديث عن تفاصيل ما جرى “نظرا لحساسية الموضوع”.
وتنص المادة (17) من “قانون المرأة” في منطقة الإدارة الذاتية على تجريم القتل بذريعة الشرف واعتباره جريمة مكتملة الأركان، تتراوح العقوبة عليها بالسجن من 3 إلى 20 عاماً.
كما تعاقب المادة المذكورة الشريك بالجريمة بالحبس لمدة تصل إلى 9 سنوات.
ردود أفعال منددة:
أدانت نساء مدينة الرقة جريمة قتل “عيدة الحمودي السعيدو في الحسكة وطالبن بمحاسبة الجناة بأشد العقوبات.
وتجمّع العشرات من النساء وعضوات المجالس في مكتب تجمع نساء زنوبيا الواقع بمدينة الرقة، رافعات يافطات كتب عليها “لا لقتل الفتيات القاصرات، لا للعنف ضد المرأة”، للإدلاء ببيان جاء فيه: “قيام مجموعة من الرجال بقتل طفلة قاصر جريمة وحشية لا ترتبط بالإنسانية. أي شرف هذا الذي تتحدث عنهُ عشيرة بأكملها وتضع كل طاقاتها أمام طفلة صغيرة لا تعرف من الحياة حلوها ومرّها، فهم أمام جريمتهم الشنيعة لا يريدون أن يكونوا صريحين بأنّهم هم المسبب لهذه المشكلة، حيث أجبروها على الزواج حسب العادات والتقاليد البالية ضاربين بعرض الحائط الشرائع الدينية والقوانين الدولية”.
وأضاف البيان: “إذا ما أردنا أن نتكلم بشريعة الإسلام فهو الذي أعطى الحق للمرأة بأن تختار شريك حياتها دون إجبار، وإذا عدنا للاتفاقيات الدّولية لحقوق الإنسان فإنّها تعطي الحق للمرأة في اختيار الزوج وحق الزواج عندما تبلغ السن القانوني”.
في بلدة عين عيسى، قرئ البيان من قبل إدارية في مؤتمر ستار، ولفتت بأنّ مثل هذه الجريمة تهدف لزرع الخوف بين النساء لعدم إفساح المجال أمامهن للمطالبة بحقوقهن وإبقاء السيطرة الذكورية هي السائدة في المجتمع.
كما طالبت المنظمات الحقوقية والنسوية بإنزال أشد العقوبات بحق الجناة الذين قتلوا القاصر بدم بارد.
في مدينة الحسكة احتج مؤتمر ستار بجريمة القتل وقدم طلباً رسمياً لديوان العدالة مطالباً فيه بإنزال العقوبات بحق كل من يرتكب هكذا الأفعال.
وشاركت العشرات من النساء وعضوات مؤتمر ستار والتنظيمات النسائية ومنسقية المرأة في الإدارة الذاتية بمقاطعة الحسكة في وقفة احتجاجية، أقيمت أمام ديوان العدالة.
وشكلت خلال الوقفة، لجنة تألفت من “الرئيسة المشتركة لمجلس مقاطعة الحسكة سمر عبد الله وإدارية مؤتمر ستار وعضو المنسقية سوزدار عفرين وأفين باشو”، لتقدم طلباً إلى ديوان العدالة لمحاسبة جميع المشاركين في الجريمة.
واستقبل الوفد من قبل الرئيسة المشتركة لديوان العدالة كثيرة نعمة، والمحامية بشيرة جمال الدين والقاضية في النيابة العامة في مقاطعة الحسكة رشا أحمد.
الرئيسة المشتركة لمجلس مقاطعة الحسكة سمر العبدالله أشارت إلى ازدياد حالات قتل النساء في الآونة الأخيرة، وقالت: “نتيجة ازدياد حالات القتل بحق النساء وخاصةً تحت مسمى “الشرف” من قبل أشخاص نصبوا أنفسهم كحكام لقتل النساء، وكان المطلب الرئيسي هو في حال وقوع جريمة قتل يجب أن تتقدم التنظيمات النسائية أمام النيابة العامة كمدعي شخصي بجريمة قتل أي امرأة وأي إسقاط للحق”.
مبينة أنّه “من ناحية العقوبة، على أي مرتكب لجريمة قتل بحق امرأة وخاصة جرائم بدواعي الشرف يجب أن تكون هناك عقوبات رادعة ومشددة لمن يرتكب هذه الأفعال”.
منظمة سارا من جهتها وصفت قتل الفتاة القاصر بـ”الجرم الشنيع” ودعت لمحاسبة الجناة
وأدلت منظمة سارا لمناهضة العنف ضد المرأة، ببيان إلى الرأي العام، نددت فيه بجريمة قتل القاصر ( عيدة الحمودي السعيدو) في حي غويران بمدينة الحسكة.
وحملت النسوة أثناء قراءة البيان يافطات كتب عليها “لا للعنف ضد المرأة”، “معاً.. في وجه العنف وانتهاكات حقوق الإنسان”، “قتلتموني عندما زوجتموني وأنا صغيرة”، “كفى عنفاً”.
وجاء في مستهل نص البيان: “ننادي بأعلى صوتنا منددين ومناهضين للعنف الذي ارتكب بحق النساء وبحق الطفولة ونقول يكفي جهلاً يكفي ظلماً يكفي جبروتاً”.
ومضى متابعاً بالقول: “أنتم يامن كنتم تنادون بأعلى صوت وتركضون كالذئاب على الطفلة وكأنّها فريسة اقتطعت من حياتكم مسيرة الشرف والطهارة كما تدّعون أين كان الشرف عندما زوجتموها بعمر الورود أين كان الشرف عندما قتلتم طفولتها وحقها في التعليم والحياة كإنسانة وأنتم بفعلتكم الشنيعة خلقتم فكرة الهروب لديها”.
وأضاف البيان “أنتم من ارتكبتم العار وليست هي، وكان عليكم قتل أنفسكم ذلك أشرف لكم، أليس بينكم من يفكر من يعقل ومن يهتدي، أنتم وصمة العار رسخت في أذهان المجتمع وننادي العدالة بأعلى الصوت لتأخذ مجراها بحق القتلة وكل من شاهد وسكت وكل من تباهى ونشر. ونتوقع أقصى العقوبات بحقهم كما ننادي جميع المؤسسات والهيئات الأمنية أن لا تقف صامتة تجاه هذه الجريمة النكراء”.
ودعا البيان جميع منظمات المجتمع المدني للوقوف معاً وقفة صارمة أمام العنف الذي يرتكب بحق المرأة ومعاقبة كل معتد ليعاقب على فعلته ويكون عبرة لكل من تسوّل له نفسه لارتكاب هكذا فعل ويفكر ألف مرة قبل أن يعتدي.
وأردف البيان: “هذا ليس فقط بيان يُتلى اليوم بل هي وقفة لكل المنظمات والحركات النسوية سنجعل منها بصمة نسائية لمناهضة جميع أشكال العنف ضد المرأة”.