عُثر على الطفلة أروى في إحدى قرى عفرين شمالي غربي سوريا، ميتة من البرد. أروى التي بالكاد بلغت (3 سنوات) فقدت خلال موجة النزوح الأخيرة من جنوبي إدلب بعد قدوم أهلها إلى عفرين، في ٦ كانون أول 2018 لتُشاهد بعد ثلاثين يوماً متجمدة من شدة البرد تحت أشجار الزيتون في منطقة معبطلي بعفرين الخاضعة لسيطرة المسلحين المدعومين من تركيا.
ويشكل الأطفال أحد أكبر ضحايا الحرب السورية، فقد جرى توثيق مقتل 430 طفلاً خلال العام 2019، بسبب القصف والتصعيد العسكري في محافظة إدلب التي دخلت منذ بداية العام 2017 ضمن اتفاق أستانة الرامية إلى ضمان خفض التصعيد والأعمال القتالية في إدلب بضمانة تركية – روسية.
في مناطق كثيرة في إدلب لاسيما في الريف الجنوبي، تغدو احتمالات التعرض لخطر الإصابة أو الموت كبيرة جداً. في شهر أيار الماضي وعقب اندلاع العمليات القتالية جنوبي إدلب وشمالي وغربي حماة، فقد 79 طفلاً حياتهم.
حتى ينقذوا أطفالهم من الموت يلجأ المدنيون إلى النزوح من مدنهم وبلداتهم الأصلية إلى مناطق أكثر أمناً شمالي ووسط إدلب. رحلة النزوح بحد ذاتها تشكل عذاباً مريراً للأطفال بسبب تعرضهم للإصابة بأمراض مختلفة نتجت عن جلوسهم في العراء أو تحت الأشجار أو الكهوف والخيم المؤقتة في انتظار العثور على مأوى.
وفي منطقة مكتظة بالسكان وموبوءة بالحرب كإدلب، يعاني الأطفال بشكل متواصل. في ظل غياب المأوى والأمان لدى ثلث السكان تقريباً -حيث يعيش قرابة مليون شخص من أصل ثلاثة مليون في المخيمات-. هناك تفاصيل أخرى للمعاناة، تتعلق بالوضع الصحي والمعيشي.
يعاني أغلب أطفال إدلب من عدم حصولهم على تدفئة كافية. الجميع عرضة للبرد والمرض حتى أولئك الذين يعيشون في بيوت جيدة.
في هذا العام أدى ارتفاع أسعار المحروقات ومواد التدفئة الأخرى كالحطب والبيرين والفحم الحجري إلى اعتماد أغلب السكان على مواد غير صحية مثل الكرتون والأحذية المستعملة والملابس المهترئة، لتمضية فصل الشتاء.
وهذا ما جعل الأطفال عرضة للإصابة بأمراض عدة، كالربو والزكام وغيرها.
يضطر الكثير من الآباء نتيجة ارتفاع أسعار الملابس الجديدة إلى شراء ملابس البالة لأطفالهم. وبسبب غلاء مماثل في أسعار الأدوية يحاول الكثيرون تقنين شرائها من الصيدليات متغاضين عن الأمراض التي يصاب بها أطفالهم.
اضف أن عمالة الأطفال باتت أمرا اعتياديا في مختلف المناطق السورية، بالأخص الواقعة منها تحت سيطرة الفصائل والجماعات المسلحة المدعومة من تركيا، عدا عن تجنيد الأطفال، ولا يجد الأهالي بدا من قبول ذلك كون راتب الطفل المجند قد يكفل معيشتهم لنهاية الشهر.
تركيا وفصائل المعارضة تسببت في مقتل واصابة 341 طفلا واعتقلت 108:
قال “مركز توثيق الانتهاكات في شمال سوريا” إنه وثق استشهاد 154 طفلا، وإصابة 187 منذ بدء التوغل التركي والهجوم على مدينة عفرين في 20 يناير 2018، والحملة العسكرية شرق الفرات في 9 أكتوبر 2019 حتى 23 نوفمبر/تشرين الثاني من العام الجاري.
جاء ذلك في تقرير أصدره “المركز”، بمناسبة “اليوم العالمي للطفل” الذي يصادف 20 نوفمبر من كل عام.
وتضمن التقرير توثيق مقتل 83 طفلا دون سن الـ 16 من قبل الجندرمة التركية على الحدود السورية، كانوا برفقة عائلاتهم ويرغبون في اللجوء إلى تركيا فارين من المعارك الدائرة في بلادهم منذ 8 سنوات، إضافة لمقتل 56 امرأة، من أصل 446 لاجئا قتلوا منذ آذار 2011 من الفارين باتجاه الحدود التركية. ومقتل 19 طفلا أثناء الهجوم التركي على مدينة عفرين وإصابة 35 بجروح بينها حالات بتر أطراف، إضافة لمقتل 25 طفلا في القصف التركي على مناطق تل أبيض ورأس العين شمال شرق سوريا وإصابة 42 بجروح، وقتل طفل واحد في القصف التركي على بلدة تل رفعت بريف حلب وأصيب 15 بجروح، إضافة لمقتل 26 طفلا في التفجيرات التي تستهدف المناطق الخاضعة لسيطرة تركيا في شمال سوريا، بينهم أطفال قتلوا نتيجة الاقتتال بين الفصائل نفسها، وإصابة 61 بجروح.
كما كشف المركز قيام القوات التركية، والفصائل السورية الموالية باعتقال 108 طفلا دون الـ 18 عاما، من أصل 5678 شخصا في المعتقلات منذ آذار 2018، ومازال مصير نصفهم مجهولا، كما أنه ومنذ إعلان تركيا الهجوم على منطقة شرق الفرات في 9 أكتوبر، قامت الفصائل الموالية لتركيا باعتقال 22 طفلا.
وتم توثيق 15حالة على الأقل لتعذيب أطفال، في سجون الفصائل الموالية لتركيا في أعزاز وعفرين وتل أبيض، حيث وثق بأشرطة مصورة ربط لطفل في مدينة أعزاز من قدميه وتدلي رأسه للأسفل وتم ضربه بالسياط مرارا، فيما حوله أناس يعطون تعليمات للشخص الذي يعذب الطفل…كما وتم توثيق قيام عنصرين من جهاز الشرطة في بلدة شران بريف عفرين بتعذيب ثلاث أطفال من خلال حجزهم في “تواليت” واجبارهم على تنظيفه بأظافر أيديهم، وحالة لإعدام طفل ميدانيا في بلدة سلوك شرقي تل أبيض كان يعمل سائقا لسيارة إسعاف تابعة لمشفى البلدة، وحالة أخرى لاختطاف طفل معاق مع والده، وطلب الفدية، وثم قتلهم برفقة شخص ثالث…عدا عن حالات إصابات الأطفال وقتلهم نتيجة القصف ك الطفل محمد الذي قتل في قصف تركي الذي استهدف منزله في الحسكة، وأصيب أخته إصابة بليغة في الرجل أدت لبتر قدمها، كما وأن الطفل محمد حميد (13 عاما) الذي تعرض لإصابة بليغة بأسلحة محرمة يعتقد أنها الفوسفور تسببت في حرق كامل جسده، وحالات أخرى كثيرة…
هذا عدا عن حالات اختطاف الأطفال كما حدث في يوم الجمعة 15 نوفمبر؛ حيث تعرضت فتاة كردية بالغة من العمر 15 سنة من قرية غزاوية بريف منطقة عفرين أسمها “رويا هنانو مصطفى”، لعملية خطف من قبل مسلحين يعتقد إنهم من فصيل “فيلق الشام” حيث كانوا يستقلون سيارة هونداي مغلقة من نوع “فان”، وبرفقتهم نساء منقبات. شهادة من ذوي رويا أكدوا أن عائلتها تعرضت مرارا للابتزاز والتهديد من قبل عناصر من فيلق الشام، واتهموا قيادة هذا الفصيل باختطاف ابنتهم بغرض المطالبة بالفدية.
كما وثق المركز اجبار 9 فتيات “قسرا” من الزواج من مسلحي الفصائل في منطقة عفرين، تحت تهديد وابتزاز ذويهم، و 3 حالات زواج قسري في مدينة جرابلس وواحدة في كل من مدينة اعزاز والباب، منهن 4 دون سن الـ 18.
كما وثق تعرض 11 امرأة للاغتصاب منهن 2 دون سن 18، من قبل قادة وعناصر الفصائل ثلاث فقط أبلغن عن الحادثة، تم قتل واحدة منهن في جرابلس تحت ذريعة “جريمة شرف” فيما تم طي ملف القضية الثانية التي كانت موجهة ضد قائد فصيل سليمان شاه، المعروف باسم محمد ابو عمشة.
تشريد 100 ألف طفل من عفرين وشرقي الفرات.. بعضهم يبيت في مخيمات غير مجهزة
تسببت الهجمات التركية على منطقة عفرين، وغزوها، ولاحقا الهجمات على منطقة شرف الفرات، وغزو مدينتي تل أبيض ورأس العين في حدوث أزمة إنسانية ونزوح قرابة 550 ألفا من منازلهم، وقراهم وبلداتهم نتيجة القصف الذي كانت المدن تتعرض له، والهجمات البرية وحملات الانتقام والقتل العشوائي والخطف من قبل الجماعات المسلحة الموالية لتركيا. الهجمات التركية فاقمت الأوضاع الإنسانية في مناطق كانت تعتبر آمنة، ومستقرة، وتشهد نموا اقتصاديا، وتوفر فرص العمل، ونشاطا لمنظمات المجتمع المدني المحلية، والتي كانت تتلق دعما لبرامج الاستقرار، والتنمية وتطوير هياكل المجالس المحلية التي كانت بمثابة حكومة تدير الشؤون الخدمية، والأمنية بشكل فعال.
في مركز توثيق الانتهاكات قمنا بإعداد لائحة شاملة، تتضمن أرقام دقيقة للنازحين في المخيمات بشمال سوريا، ضمن تقرير شامل سينشر قريبا. التقرير يكشف وجود 52 مخيما في منطقة شرق الفرات، و الشهباء ومنبج بريف حلب، منها 7 مخيمات أنشأت بسبب الهجمات التركية، يقطنها قرابة 70 ألفا، ومخيما أنشئ في كردستان العراق يقطنه قرابة 18 الفا.