بوجوه مكشوفة وفي وضح النهار، أقدم خمسة مسلحين في مدينة جرابلس السورية، الخميس، على قتل اثنين من عناصر “الجيش الوطني السوري\ المدعوم تركيا” داخل أحد محال الإلكترونيات، في جريمة نُفذت تحت “أعين الجميع”، ولاسيما الأجهزة الأمنية والعسكرية التي تنتشر هناك.
وعلى الرغم من كثرة عمليات الاغتيال والقتل في شمال سوريا، وبالأخص ريف حلب الخاضع لـ”الإدارة التركية”، إلا أنّ جريمة جرابلس تختلف بتفاصيلها، التي يراها نشطاء ومراقبون أقرب إلى القتل “بدم بارد”.
المسلحون الخمسة نزلوا من سياراتهم ومن ثم أطلقوا الرصاص بكثافة على الشابين، وأخيرا غادروا المنطقة.
وبحسب ما قالت مصادر إعلامية من مدينة جرابلس، التي تعتبر أبرز مناطق ريف حلب الشمالي، فإنّ القاتل والمقتول في جرابلس هم عناصر من تشكيلات “الجيش الوطني السوري”. التشكيل الأول هو “حركة أحرار الشام الإسلامية” والثاني “فرقة السلطان مراد”.
وتضيف المصادر أنّ الحادثة ترتبط بصراعات فصائلية سابقة كان مسرحها مناطق ريف حلب الشمالي، وتتابع: “الصراعات السابقة كانت تتغذى على أفكار القادة. الآن يدفع ثمنها عناصرهم، والذين تشتتوا وانقسموا بين فصائل مختلفة، على الرغم من التوحيد في العمل العسكري الذي كانوا عليه سابقا”.
ومنذ سنوات من السيطرة على مناطق (ريف حلب الشمالي والشرقي) لم تهدأ عمليات الاغتيال فيها، وإلى جانبها باتت التفجيرات بالعبوات الناسفة والسيارات والدراجات المفخخة مشهدا يوميا.
ولا يقتصر ما سبق على المنطقة المذكورة فقط، بل كان قد انسحب إلى منطقة عفرين التي هجرت تركيا سكانها، وصولا إلى المنطقة التي كانت قد سيطرت عليها تركيا على الحدود شمال شرقي سوريا، في تل أبيض ورأس العين.
“بين حشود عسكرية وأمنية”:
النقطة التي ماتزال محط جدل بين سكان المناطق المذكورة سابقا، هو أنّ عمليات الاغتيال والتفجيرات تتم وسط حشود عسكرية وأمنية كبيرة، من الطرفين “الجيش الوطني السوري” والجيش التركي، والتي تُعتبر المناطق السورية الحدودية مع أراضيه منطقة عمليات أمنية بحتة.
لذلك فتحت أبواب تساؤلات عن الأسباب التي تقف وراء هذا الفلتان الأمني؟ إلى جانب إشارات الاستفهام تتعلق بالدوافع التي تقف وراء عدم اتخاذ أي إجراءات “حازمة” لوقف هكذا عمليات، تدحض بصورتها العامة مسمى “المناطق الآمنة والمستقرة”.
العقيد زياد حج عبيد والمقرب من فصائل “الجيش الوطني السوري” أرجع ضعف الحالة الأمنية في مناطق ريف حلب الشمالي إلى “تعدد الفصائل العسكرية وتعدد أقطاب السيطرة على الأرض”.
ويبرر عبيد إنّ “المؤسسات العسكرية العاملة على الأرض تأسست حديثا، وتحتاج إلى زمن كبير، وإلى تدريبات وفعالية وخبراء في ضبط الأمور الأمنية”.
ما حدث في جرابلس منذ يومين يراه عبيد أنّه جريمة “أخذ بالثأر”، ويوضح: “هناك مشاكل بين عائلتين. الجريمة التي حصلت هي طريقة عشائرية، وفي هذه الظروف يجب أن تكون الحكمة للعمل والعقل”.
من جانبه يشير الناشط الإعلامي، محمود طلحة إلى أنّ “جريمة جرابلس” تعود جذورها إلى “اقتتالات فصائلية سابقة، وكان طرفا الجريمة ضمن مسرحها”.
ويقول الناشط الإعلامي : “على الرغم من تصنيف الجريمة ضمن حالات الثأر، إلا أنّ أحد الشبان لم يكن له أي ارتباط وقتل لأنه فقط كان موجود في منطقة الجريمة. صاحب محل الالكترونيات نجا بأعجوبة أيضا”.
من يتحمل المسؤولية؟
وينضوي ضمن “الجيش الوطني السوري” ثلاثة فيالق، وكل فيلق يتبع له عدة فصائل تنتشر في مناطق متفرقة من ريف حلب، وإلى جانبهم كانت تركيا قد أشرفت ورعت في العامين الماضيين تشكيل جهازين للشرطة: الأول هو “الشرطة الوطنية” والآخر يسمى بـ “الشرطة العسكرية”.
كل هذه الترسانة لم تتمكن حتى الآن من ضبط حالة الفلتان الأمني في مناطقها، دون وضوح الأسباب التي تحول دون ذلك، بينما يتهم ناشطون وصحفيون هذه التشكيلات بالتواطئ لتسهيل التفجيرات وعمليات القتل مثلا، لقاء مبالغ مالية.
وفي تفاصيل “جريمة جرابلس” أشار العقيد زياد حج عبيد إلى أنّ “القاتلين الخمسة ادعوا إنّهم تواصلوا مع المؤسسة الأمنية في المنطقة، من أجل تحصيل حقوقهم قبل أن ينفذوا حادثة الثأر، لكنهم لم يتلقوا أي جواب أو”.
ووفق استطلاعات الرأي من آراء مدنيين يقيمون في ريف حلب فإنّهم لا يعرفون “طعم الاستقرار” في حياتهم اليومية، من مدينة جرابلس والباب شرقا إلى عفرين في أقصى الشمال الغربي.
وباتت الاغتيالات والتفجيرات هاجسا يوميا لدى مئات الآلاف منهم، حتى بات البعض يتفقد وبشكل لا إرادي سيارته أو حتى مداخل حارته كل صباح، تحسبا من عبوة ناسفة أو لاصقة قد تكون مزروعة هنا أو هناك.
ثلاثة أسباب
في سياق ما سبق كان ماجد عبد النور، وهو صحفي مقيم في ريف حلب، قد حدد ثلاثة أسباب تقف وراء استمرار حالة الفلتان والاختراق الأمني في مناطق الإدارة التركية، شمالي سوريا.
السبب الأول وفق الصحفي يرتبط بالمؤسسات الأمنية التي تقود المنطقة، والتي تعتبر “ليست كفىء” في عملها، كونها لم تتلق تدريبات أمنية على المدى الطويل وبشكل مدروس، موضحا: “الأفراد الذين يقودون المؤسسات الأمنية اتبعوا دورات لمدة 15 يوما داخل تركيا، ومن ثم استلموا زمام المنطقة أمنيا وعسكريا بشكل مباشر”.
ويشير الصحفي إلى أنّ السبب الثاني يتعلق بتعدد “الفصائلية”، بمعنى وجود عشرات بل مئات المجموعات العسكرية، التي يعمل كل منها على حدة، ودون أي تنسيق.
ويتابع عبد النور: “يوجد أكثر من 100 فصيل، ما يقود إلى اختراق أمني ضخم، ولاسيما أنّ كل فصيل يرمي بالمسؤولية على نظيره دون أن يتحملها”.
وإلى سبب ثالث حدده الصحفي، يقول إنّ الفلتان والاختراق الأمني يقف وراءه أيضا “الدور السلبي للمحاكم في ريف حلب الشمالي”، وهي محاكم قضائية كانت الفصائل قد شكلتها أيضا بعد سيطرتها على المنطقة، وبرعاية وتنسيق تركي.
ويوضح عبد النور: “يوجد فساد في بعض المحاكم، وهذا أمر مهم.. الذي يقتل وينفذ عمليات الإجرام لا يجد أمامه أي رادع، لذلك يعود ليكمل جريمته من جديد”.
“قيود في القضاء”:
إنّ القضاء في مناطق سيطرة فصائل المعارضة بريف حلب الشمالي يأخذ شكلا مختلفا، بسبب الظروف الاستثنائية التي فرضت على المشهد العسكري والسياسي للمنطقة كاملة، ورغم ذلك هناك أجهزة قضائية ومحاكم، وتتبع لـ”الحكومة السورية المؤقتة”.
-------------------------------
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا عن طريق إرسال كتاباتكم عبر البريد : vdcnsy@gmail.com
ملاحظاتك: اقترح تصحيحاً - وثق بنفسك - قاعدة بيانات