قبل 106 أعوام كان برصوم بشير يختبئ تحت جثمان والدته وهو طفل صغير لينجو بنفسه من المجزرة التي ارتكبها العثمانية بحق الأرمن. ابنه بوتوس استذكر الحادثة في يوم الابادة بالكثير من الحزن والأسف بأن العدالة لم تتحقق حتى اليوم لأكثر من مليون أرمني تم قتلهم وتهجير من تمكن من النجاة باعجوبة.
وتعرف الإبادة الجماعية للأرمن أو مذابح الأرمن أو المحرقة الأرمنية بأنها عملية القتل الجماعي الممنهج وطرد الأرمن التي حصلت في أراضي الدولة العثمانية على يد حكومة جمعية الاتحاد والترقي خلال الحرب العالمية الأولى. مع أن مجازر متفرقة قد ارتكبت بحق الأرمن منذ منتصف العام 1914م، فإن المتفق عليه أن تاريخ بداية الإبادة هو 24 أبريل 1915م، وهو اليوم الذي جمعت فيه السلطات العثمانية مئات من المثقفين وأعيان الأرمن واعتقلتهم ورحلتهم من القسطنطينية (إسطنبول اليوم) إلى ولاية أنقرة حيث لقي أغلبهم حتفه.
نُفذت عملية الإبادة على مرحلتين وقد أمر بها الباشاوات الثلاثة بصفتها جزءاً من سياسة التتريك المفروضة بالقوة. في المرحلة الأولى قُتل الذكور البالغون جماعياً، في المرحلة الثانية، أجبرت النساء والأطفال والشيوخ، حسب قانون التهجير، على المشي في مسيرات موت حتى بادية الشام في عامي 1915 و1916م حيث تعرضوا لعمليات نهب واغتصاب وقتل دورياً، وتشير التقديرات إلى أن عدد من أجبر على هذه المسيرات يتراوح بين 800 ألف حتى 1.2 مليون أرمني وبأن 200 ألفاً منهم على الأقل كانوا لا يزالون على قيد الحياة في نهاية العام 1916م. وفق بعض التعريفات، فإن الإبادة تمتد أيضاً لتشمل عمليات القتل الجماعي لعشرات الألوف من المدنيين الأرمن خلال الحرب التركية الأرمنية في عام 1920م.
تتراوح تقديرات الوفيات حول العدد الإجمالي للضحايا الأرمن الذي قضوا نتيجة لسياسات الحكومات العثمانية والتركية بين عامي 1915 و1923 بين 600 ألف إلى أكثر من مليون ونصف نسمة، وتتحدر مجتمعات الشتات الأرمني أغلبها حول العالم من ناجين من هذه الإبادة. يُشير بعض المؤرخين إلى أن الإبادة الجماعية للآشوريين ولليونانين التي حصلت في تلك الفترة نفسها كانت جزءاً من سياسة موحدة اتبعتها تلك الحكومات مع هذه المجموعات الإثنية، يرى العديد من الباحثين أن هذه الأحداث جزءٌ سياسية موحدة انتهجتها حكومة تركيا الفتاة ضد مجموعات إثنية متنوعة.
كانت هذه العملية سبباً رئيساً دفع المحامي رافاييل ليمكين في عام 1943م لتعريف الإبادة الجماعية على أنها جريمةً تشمل الإبادة الممنهجة لشعب ما. تتفق غالبية الباحثين والمؤرخين على أن ما حصل للأرمن كان إبادة جماعية، في حين ترفض الجمهورية التركية حتى اليوم الاعتراف بهذه الجريمة. وقد وصفت الحكومات والمجالس النيابية، في عام 2019م، لاثنين وثلاثين بلداً بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وألمانيا هذه العملية على أنها إبادة جماعية بالإضافة لتجريم بعض من هذه الحكومات عمليات إنكار حدوثها
وتمكن قسم كبير من الأرمن والسريان الذين نجوا من المجزرة من التوجه نحو سوريا ، والعيش مع سكانها في المناطق الحدودية شمال سوريا وغالبهم من الكرد .
برصوم بشير وهو سرياني واحد من الذين نجوا بالصدفة من تلك المجزرة. برصوم كان عمره ستة أعوام عندما ارتكبت المجزرة. قتل والداه و6 من أخوته واخواته في المجزرة العثمانية.
ابن برصوم بشير، بوتوس بشير ( 64 عاماً ) يكبر على قصص المجازر التي سمعها من والده. يصر بوتوس على التحدث مع أولاده الثمانية بلغته الأم.
ويقول بوتوس عن المجزرة ” أرادوا الإفناء لكنهم لم يحققوا مسعاهم. أبصرنا النور في قامشلو ولكن لنا وطننا. والدي كان يتكلم دائماً عن الوطن. كانت رؤية الوطن حسرته وهي حسرتي الكبرى أيضاً. عائلتي تعرضت للكثير من الضغوط. والدي كان يخبرني على الدوام أنهم تعرضوا للمجزرة، أرجو الله ألاّ تعانوا مثلنا. ما رآه والدي رأيته أنا خلال الهجمات التركية واحتلال سري كانيه. هذا عديم الأخلاق، أردوغان يهوي القتل لا يميز كرديا عن عربي أو أرمني أو سرياني. في شمال وشرق سوريا ارتكبت ذات المجازر ولكن بشكل مغاير. تلك المؤسسات التي تدعي حماية حقوق الإنسان هي أيضاً شريكة في المجازر”.
وتؤكد سيلفي باشورة، وهي أرمنية تعتيش في قامشلو ،كذلك بأن “هدف الدولة العثمانية من المجازر التي ارتكبتها بحق الأرمن هو إضعافهم من خلال تشرذم وتقسيم صفوفهم لتنشئ ثغرات دينية وثقافية وروحية بينهم، مؤكدةً أن الإبادة الجماعية التي حصلت كان هدفها التطهير العرقي.
وتضيف ” احتلال تركيا لمدينة عفرين عام 2018 ومدينتي رأس العين وتل أبيض عام 2019، ما هو إلا تكرار للسيناريو القديم الذي اقترفته الدولة العثمانية بحق الأرمن والسريان والكلدان والآشور من مجازر”.
ومضت سيلفي في حديثها قائلة: “تركيا تسعى إلى تفرقة مكونات المنطقة من خلال أجندتها، والتغلغل في أراضي شمال وشرق سوريا لاحتلالها ونهب خيراتها، فالسياسة التي انتهجتها الدولة العثمانية الزائلة سابقًا يعاد إحياؤها ضمن مناطقنا من جديد”.
وأضافت: “المجتمع الدولي لا يتخذ موقف جاد حيال انتهاكات الدولة التركية التي تقترفها منذ عهد العثمانيين وحتى الوقت الحالي، وخير دليل على ذلك ما ارتكبته من انتهاكات بحق أبناء رأس العين وتل أبيض عبر مرتزقتها أو ما يسمى الجيش الحر الذين ينتهجون فكر داعش، أمام مرأى المجتمع الدولي”.
وقالت سيلفي: “إن تركيا تنكر ما ارتكبته الدولة العثمانية بحق الأرمن والسريان والآشور والكلدان من مجازر، وكأنها لم تقدم على ذبح وقتل ملايين الأشخاص الأبرياء”، مطالبة تركيا بالاعتراف بمذابح الأرمن، وضرورة تحمّل مسؤولياتها وعدم التهرب.
وأكدت سيلفي أن السبيل الوحيد لسد الطريق أمام المحتل ومنعه من إحياء السيناريوهات والمجازر القديمة هو الوحدة، داعية أبناء المنطقة إلى ضرورة تأريخ الأحداث التاريخية والثقافية لتكون بمثابة مرجعية للأجيال القادمة، وترسيخ الأفكار التي تعزز التلاحم بين مكونات المنطقة.
صبحي إلياس نوّه إلى أن المجازر التي ارتكبت بحق الأرمن على يد العثمانيين لم تنته بل طالت مكونات أخرى كالكرد والسريان والإيزيديين، وأبناء شمال وشرق سوريا.
وتابع: “لا تزال تركيا مستمرة في شن هجمات على مناطق شمال وشرق سوريا عقب احتلالها مدينتي سري كانيه وكري سبي، سعيًا لضرب الإدارة الذاتية، مشكلة بذلك خطرًا على كافة مكونات المنطقة سواء كانوا من المكون الأرمني أو الكردي أو العربي”.
وتساءل إلياس بتعجب” كيف لدولة أن تحتل دولة أخرى دون أن يُتخذ أي موقف جدي من قبل الدول العالمية التي تنادي بالإنسانية وحماية حقوق الإنسان، ونحن في القرن الواحد والعشرين؟!”.
وانتقد إلياس صمت الدول والمنظمات الإنسانية والحقوقية حيال المجازر التي ارتكبت بحق الأرمن على يد العثمانيين، والانتهاكات التي يتعرض لها أبناء شمال وشرق سوريا من قبل الاحتلال التركي، وقال: “القوى العالمية أفسحت المجال لتركيا بالتمادي والتغلغل في مناطقنا”.
ودعا إلياس المكون الأرمني في كافة أرجاء العالم إلى ضرورة التلاحم والمطالبة بحقوقهم المسلوبة في المحافل الدولية ليتم الاعتراف بالمجازر التي ارتكبت بحقهم.
وشدد إلياس على ضرورة أن يتم تعزيز التلاحم بين مكونات شمال وشرق سوريا، وتحقيق الوحدة من خلال التنظيم والتكاتف مع الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا لنيل حقوقهم وضمان الأمن والاستقرار للمكون الأرمني وكافة مكونات المنطقة في المستقبل.
-------------------------------
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا عن طريق إرسال كتاباتكم عبر البريد : vdcnsy@gmail.com
ملاحظاتك: اقترح تصحيحاً - وثق بنفسك - قاعدة بيانات