أصبحت مجموعة متنوعة من الجماعات الجهادية المتحصنة في شمال سوريا تحت حماية القوات التركية، القوة الدائمة بالوكالة للعثمانيين الجدد.
يبدو ذلك، وكأنّه زواج مصنوع في الجنة. تشترك تركيا والجهاديون في رابطة أيديولوجية وطائفية ولديهم أهداف مشتركة. هناك أموال ودعم لوجستي، بالإضافة إلى قرب جغرافي. إنّهم يتشاركون طعم المغامرة في الأراضي البعيدة، لا سيما في خدمة ما يعتبرونه قضية مقدسة.
خلص التقرير السابع والعشرون لفريق الدعم التحليلي ورصد العقوبات المقدم إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن داعش (تنظيم الدولة الإسلامية) والقاعدة والأفراد والكيانات المرتبطين بهما إلى أنّ العراق وسوريا تظلان المنطقة الأساسية لداعش، بما في ذلك منطقة إدلب، حيث يكون للقاعدة أيضا فروع، وهو ما يشكل مصدر قلق خاص.
تشير “منطقة إدلب” إلى الطرف الشمالي الغربي لسوريا المجاور لتركيا، آخر معقل للمعارضة في الدولة التي مزقتها الحرب. أصبحت إدلب محافظة تركية بحكم الأمر الواقع. الليرة التركية هي وسيلة التبادل، وتقدم الهيئات الحكومية التركية خدمات مثل التعليم والإسكان والحفاظ على السلامة العامة. منذ أوائل عام 2020، يسيطر الجيش التركي على المنطقة بحجة حماية نقاط المراقبة التركية من هجوم عسكري سوري وإنشاء منطقة آمنة للنازحين.
وقد جاء في تقرير مجلس الأمن الدولي: تظل منطقة خفض التصعيد في إدلب مهمة لداعش كملاذ آمن محدود. هيئة تحرير الشام تعتقل بانتظام مقاتلي داعش. ومع ذلك، لايزال بعض قادة داعش يقيمون في المنطقة وهي وجهة مستهدفة للعديد من مقاتلي داعش السابقين وعائلاتهم باعتبارها البوابة الأكثر أماناً نحو تركيا.
لاتزال هيئة تحرير الشام الجماعة المسلحة المهيمنة في شمال غرب الجمهورية العربية السورية، حيث يبلغ عدد مقاتليها ما يقرب من 10 آلاف مقاتل، معظمهم سوريون. تسعى هيئة تحرير الشام بشكل أكبر إلى تعزيز سيطرتها على منطقة خفض التصعيد في إدلب وتضغط على القادة المحليين لقبول سلطة التنظيم، بما يضمن امتثال السكان لنسختها من الشريعة الإسلامية.
وبالإضافة إلى فرض الضرائب على الشركات المحلية، تحتكر هيئة تحرير الشام استيراد وتوزيع البنزين ووقود الديزل… تُقدّر أرباح المجموعة من تجارة الوقود والطاقة بحوالي مليون دولار شهرياً. كما ورد أنّ هيئة تحرير الشام تتحكم في توزيع المساعدات الإنسانية من خلال كيان يُعرف باسم مكتب شؤون التنظيم، والذي يحد من التوزيع المباشر للبضائع على السكان المحليين من قبل المنظمات الإنسانية. كما أنّها تصادر أجزاء من هذه البضائع لتعزيز شبكات المحسوبية لهيئة تحرير الشام.
الفرع الرئيسي الآخر للقاعدة في منطقة إدلب هو تنظيم حراس الدين، مع ما بين 2000 و 2500 مقاتل. وقد ضعف التنظيم بسبب خسارة عدد كبير من قياداته في عام 2020 وطغيان هيئة تحرير الشام عليه، في ظل تنافس على استقطاب المجندين وولاء السكان المحليين.
لاتزال منطقة إدلب تأوي مجموعات إرهابية أخرى تتكون بشكل أساسي من مجموعات من المقاتلين الإرهابيين الأجانب الذين لايزالون خاضعين لسلطة هيئة تحرير الشام. وتشمل هذه المجموعات كتيبة خطاب الشيشاني (مقاتلون شيشانيون) وكتيبة التوحيد والجهاد، وحركة تركستان الشرقية الإسلامية، والمعروفة أيضًا باسم الحزب الإسلامي التركستاني، ويقال إنّ الأخير يتألف من 3000 إلى 4500 عضو.
كان ذلك في إدلب في نهاية عام 2020. والجماعة المسلحة الجامعة للجماعات الجهادية هي الجيش السوري الحر، الحليف الرسمي لتركيا والقوة القتالية في سوريا، والتي أعادت في عام 2019 تسميته بالجيش الوطني السوري، الذي تمّ تدريبه وتجهيز فصائله من قبل الجيش التركي منذ عام 2016.
اتُهم الموالون للجيش التركي من أصول عربية سنية بإحداث فوضى في شمال سوريا، وتشريد مئات الآلاف، وارتكاب جرائم حرب مزعومة بشكل يومي. تتحمّل الميليشيات التي تقودها أنقرة بالوكالة معظم اللوم عن العديد من الفظائع المبلغ عنها والتي طالت الأكراد المحليين، بما في ذلك الإعدام والخطف والاغتصاب والنهب وغيرها من الجرائم.
على ما يبدو، حذا الجيش الوطني السوري، العلامة التجارية الجديدة للجهاديين، حذو تلك الفصائل. وفقًا لتقرير صدر في 15 أكتوبر 2019، فإنّ وكلاء تركيا المتطرفين “تعهدوا بقتل الخنازير والكفار”، وعرضوا أسراهم من الأكراد أمام الكاميرات، وفي أحد الفيديوهات المصورة، أطلقوا عدة رصاصات على رجل ملقى على جانب طريق سريع ويداه مقيدتان خلف ظهره .
مع نزوح أكثر من 200 ألف وفقاً لأرقام الأمم المتحدة، يزعم العديد من اللاجئين إنّ القوات التركية تخطط لطرد الأكراد من المستوطنات واستبدالهم بالعرب الموالين لأنقرة، والذين كانوا يقاتلون الميليشيات الكردية السورية، الهدف العسكري الرئيسي لتركيا. هذه سمعة سيئة غير عادية بالنسبة للحليف بالوكالة لدولة عضو في الناتو.
وفقاً لم تمّ توثيقه في وسائل إعلام بشكل حيادي: “قام [الجيش السوري الحر] في الماضي القريب بسرقة احتياطيات القمح المخصصة لسكان حلب وبيعها لتجار حبوب أتراك خاصين، وصادر مخزونات الأدوية وأعاد بيعها قسراً إلى أصحابها، ونهب المدارس ..”.
في ضواحي حلب، نفذ الجيش السوري الحر قوة شرطة لتطبيق الشريعة الإسلامية، وذلك لإجبار المواطنين على الالتزام بقانون الشريعة …
كما استهدف الجيش السوري الحر البنية التحتية للبلاد، حيث تعرّضت إحدى محطات توليد الكهرباء الرئيسية في دمشق وغيرها للتدمير.
لقد جمعت منظمة العفو الدولية أدلة على جرائم حرب ارتكبتها القوات التركية والجماعات المسلحة السورية المدعومة من تركيا خلال الهجوم على عفرين. وكشفت بناءً على إفادة شهود من 12 إلى 16 أكتوبر 2019، عن “كيف أظهرت القوات التركية تجاهلاً لحياة المدنيين، بما في ذلك من خلال عمليات القتل بإجراءات موجزة والهجمات غير القانونية التي قتلت وجرحت مدنيين… توفر المعلومات أدلة دامغة على الهجمات العشوائية في المناطق السكنية – بما في ذلك الهجمات على منزل ومخبز ومدرسة – نفذتها تركيا والجماعات المسلحة السورية المتحالفة معها “.
بينما دفعت طموحات تركيا العثمانية الجديدة البلاد إلى الحرب الأهلية الليبية، نشرت أنقرة جيشها شبه الرسمي بالوكالة في منطقة الحرب الجديدة تلك. وفقاً للمفتش العام في البنتاغون، أرسلت تركيا ما بين 3500 و 3800 مقاتل سوري إلى ليبيا خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2020. كان هذا أول تقرير لوزارة الدفاع يشرح بالتفصيل عمليات الانتشار التركية التي تهدف إلى تغيير مسار الحرب في ليبيا. قال التقرير الفصلي عن عمليات مكافحة الإرهاب في افريقيا الذي أعدته هيئة الرقابة الداخلية في البنتاغون، إنّ تركيا دفعت وقدمت الجنسية لآلاف المرتزقة الذين يقاتلون إلى جانب الميليشيات المتمركزة في طرابلس ضد قوات القائد خليفة حفتر في شرق ليبيا.
في وقت لاحق من عام 2020، نشرت تركيا حلفاءها الجهاديين في صراع مستعر بعيداً عن حدودها في أرض بالكاد سمع الكثيرون عنها قبل بضعة أشهر. في أكتوبر أعيدت جثث أكثر من 50 سوريًا قُتلوا في الحرب الأذرية الأرمينية إلى ديارهم، وهؤلاء كانوا أعضاء في الميليشيات التي قاتلت نيابة عن تركيا في منطقة ناغورنو كاراباخ المتنازع عليها. مرة أخرى، كان الرئيس أردوغان أول زعيم عالمي يخوض المعركة عندما اندلع صراع طويل الأمد في جنوب القوقاز في حرب مفتوحة. كما زودت تركيا أذربيجان بالسلاح، وخاصة الطائرات المسلحة بدون طيار، فضلاً عن التدريب.
وفقًا لتقرير صادر عن مؤسسة الأوبزرفر للأبحاث، فإنّ “العديد من الذين يشقون طريقهم إلى مسارح صراع أخرى مثل ليبيا أو أذربيجان لا يأتون بالضرورة من نفس خلفيات المسلحين والميليشيات والإسلاميين وما إلى ذلك. في حين أنّ من يقاتلون نيابة عن تركيا في ليبيا على الأرجح هم من الميليشيات المتشددة التي ترى أنّ صورة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كزعيم سني مستساغة، وتقوم بذلك دعماً للمناورات الجيوسياسية الإقليمية لأنقرة”.
لكن المقاتلين في أذربيجان، الذين استأجرهم متعاقدون من القطاع الخاص، كانوا إلى حد كبير من الأشخاص الذين عانوا من العوز الاقتصادي في الوطن، واعتبروا مسرح الحرب الأجنبية وظيفة مدفوعة الأجر.
على الرغم من الجهد الذي استغرقته والتكلفة التي تكبدتها تركيا، أصبح صناع القرار في أنقرة أكثر استعداداً لاستخدام الوكلاء، مما أدى إلى تغيير جذري يمثل خروجاً كبيراً عن سياسة تركيا التاريخية في الاعتماد على القوات التقليدية.
قال عثمان سرت، مدير الأبحاث في معهد أنقرة “يُنظر إلى الوكلاء الآن على أنّهم عنصر حاسم في المصالح الأمنية الإقليمية لتركيا، ولم يعد مجرد إجراء يمكن تفعيله بشكل غير مباشر من خلال رعاة آخرين في المنطقة.”
بوراك بكديل – مركز بيغن السادات للدراسات الاستراتيجية
المصدر