بعد 37 عاما “أسود شيران” تعود “عرينها” مهشمة

37 عاما مضت على نقل ” أسود شيران ” من موطنها في بلدة شيران (المعربة الاسم إلى الفرزدق)، ليتم اليوم 1 تشرين الثاني \ نوفمبر 2020 إعادته ولكن مهشما، وبالكاد يتم التعرف عليه.

وبحسب شرفان درويش فإنّه يعمل ومنذ مدة بالتنسيق مع عبد السلام حم سورك، وهو عضو في (مجلس الرقة المدني) على إعادة القطع المتبقية من الأسدان لمكانهما في بلدة شيران، التي تأخذ اسمها منهما، وتمكن بمبادرة شخصية مع زميله “صبري درويش” من إعادة “الأسدان” اليوم 1 نوفمبر 2012 وقال “نخطط لترميمهما، ومحاولة إصلاح ما يمكن إصلاحه، ومن ثم نصبهما في موقعهما الأصلي…بالتنسيق مع المؤسسات والهيئات المختصة في مقاطعة كوباني…”

أسد شيران “التاريخي”…:

في نيسان أبريل 2014 وبعد سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، على مدينة الرقة، شن عناصر التنظيم حملة واسعة ضد المواقع الأثرية، والآثار في عموم مناطق سيطرته، ببدعة أنّها (أوثان) وهي ( شرك بالله ) عناصر من التنظيم قاموا بتدمير التمثالين الأثريين اللذان كانا يزينان واجهة مدخل حديقة الرشيد في الرقة أمام أنظار العامة من الناس، دون أن يدرك هؤلاء أنّ هذه النماذج من الأسود إنّما وجدت بالأساس لتحرس القصور والمدن ومعابد الآلهة قبل آلاف السنين في بلدة شيران، بريف حلب التابعة لمدينة كوباني.

هذان الأسدان اللذان عرفا باسم “أسود شيران” هم (مجسّمات على شكل أسود مصنوعة من الحجر يعود إلى العصر الآشوري حوالي 700 عام قبل الميلاد،) كانا قد نقلا مع بعض “كسر” لأسود أخرى من بلدة شيران (أرسلان طاش) شرق مدينة كوباني بحوالي /9/ كم، إلى مدينة الرقة منذ عام 1983 بإيعاز من محافظها ورغم اعتراض الأهالي آنذاك حيث تم تنصيبها أمام حديقة الرشيد وسط مدينة الرقة، قبل أن يرمما بشكل سيء في حين نقل الكسر العائدة للأسود الأخرى إلى متحف الرقة ليحفظ هناك. وذلك ضمن سياسة اتبعتها الحكومات السورية المتعاقبة، بالقضاء على أي آثار وشهود تاريخية عن طبيعة وهوية وأصالة هذه المناطق، لا سيما وأنّه لجئ كذلك الى تغيير أسماء المدن، البلدات، القرى بأسماء عربية، غريبة عن المنطقة ونمط حياة سكانها وثقافتهم.

مدينة شيران التاريخية أو التي أطلق عليها اسم “أرسلان طاش” ويسميها سكانها -اليوم- باسم ( شيران ) نسبة لأسودها الحجرية، عرفت خلال الألف الأول قبل الميلاد باسم “حداتو”  وتعاقبت عيلها حضارات مختلفة وبرزت كمدينة هامة خلال الفترة الآشورية الحديثة إلى جانب تل برسيب (تل أحمر, الواقعة على الضفة اليسر لنهر الفرات على بعد /25/ كم من شيران) وتمتعت بعلاقات مميزة مع مدن شمال سوريا وجنوب الأناضول كحران وديار بكر كما يسرد الباحث في مجال الآثار رستم عبدو في مقالته بموقع نورث بريس.

ويضيف رستم “خضع موقع شيران للتنقيبات النظامية إبان حكم الانتداب الفرنسي وبالتحديد في عامي 1927 و 1928 من قبل بعثة فرنسية موفدة من متحف اللوفر بإدارة تورو دانجان ومعه موريس دونان وعالم اللغات جورج دوسان, البعثة الفرنسية كشفت خلال أعمال التنقيب في الموقع عن قصور ومعابد وأسوار وبوابات ومنحوتات وعاجيات من ضمنها مجموعة من الأسود الضخمة التي كانت تحرس بوابات هذه المدينة التاريخية ومعابدها، وكانت البعثة قد نشرت نتائج أعمالها في عام 1931”.

وكانت السلطات العثمانية قد أوفدت خلال عامي 1883-1889 بعثة تركية للكشف على الموقع المذكور والتنقيب فيها، نقلت معها مجموعة من المكتشفات التي ظهرت معها كالمنحوتات واللوحات البازلتية والزخرفية وبعض العاجيات العائدة لموقع شيران إلى متحف اسطنبول في تركيا آنذاك.

أسود شيران التي نحتت من حجر البازلت الأسود بارتفاع /2,60/ م وطول /3,60/ م, والتي كانت تحمل إحداها كتابات منقوشة بثلاث لغات هي اللوفية الحثية والآرامية والآشورية, نفدت من السرقة العثمانية آنذاك وبقيت مكانها ربما بسبب ضخامتها وصعوبة نقلها, إلا أنّ هذه الأسود لم تسلم من جرافات تنظيم “داعش” الذي لم يتوانى أنصاره عن تحطيمها بكل وحشية متجاهلاً بذلك القيمة التاريخية والرمزية والحضارية التي كان بالإمكان أن يجده المرء في هذه الأنصاب التي تشكل جزءاً من تاريخ البشرية.

قيام الحكومة السورية بنقل الأسود الى الرقة، وتحطيمها من قبل تنظيم داعش، لم يكن فقط بدافع العقيدة الدينية والنيل من الأوثان كما يبدو للظاهر، بل يأتي هذا العمل للنيل من الرمزية التاريخية والحضارية لهذه المعالم التي كانت ترمز للمدينة، وهي سياسة مشتركة بين الحكومة السورية، وبين فصائل وتنظيمات المعارضة السورية المسلحة، وما فعلته في المناطق الخاضعة لسيطرتها، وتنظيم داعش خاصة وأنّ هذه المعالم بالأساس ترمز لتاريخ الشعوب القديمة التي عاشت في شمال سوريا منذ آلاف السنين.

-------------------------------

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا عن طريق إرسال كتاباتكم عبر البريد : vdcnsy@gmail.com

ملاحظاتك: اقترح تصحيحاً - وثق بنفسك - قاعدة بيانات

تابعنا : تويتر - تلغرام - فيسبوك