تواصل تركيا عبر أذرعها الإدارية والعسكرية والأمنية فرض نمط جديد في المناطق السورية الخاضعة لها، عبر مساعي محو الذاكرة الاجتماعية، والتراث والتاريخ الثقافي بمختلف الوسائل بدءا من المدارس إلى المساجد ودور العبادة وإلى أسماء المدن والأحياء والشوارع والمنهاج التعليمية … حيث لم يتوانَ الأتراك عن تغيير معالم المدن السورية وصبغها بالصبغة التركية وإحداث تغييرات ديموغرافية كبيرة فيها. فتم فرض التعامل فيها بالليرة التركية بدلاً من السورية، ورفع العلم التركي فوق ساحاتها وميادينها وأبنية مؤسساتها العامة، وتعليق صور أردوغان وتغيّر المناهج المدرسية والأسماء.
سياسة التتريك هذه بدأت بعد دخول القوات التركية إلى المناطق السورية عام 2016، فأطلقت أسماء الضباط الأتراك الذين قتلوا في معارك السيطرة على شمال وشمال شرقي حلب في عملية “درع الفرات”، على المدارس السورية مع فرض اللغة التركية مادة أساسية في مناهج التدريس، وتعيين المدرسين الأكثر ولاء لها وتوجيه المنح الدراسية الجامعية داخل تركيا للموالين لها على نفقتها إضافة لإيفاد المدرسين وإخضاعهم لدورات في تركيا.
وفي عام 2018 وزعت وزارة التربية التركية وثيقة نهاية العام على طلاب المدارس المنتشرة في مناطق سيطرتها شمال حلب، مدموغة بالعلم التركي دون أي إشارة إلى اسم سوريا، الأمر الذي أثار حفيظة الأهالي على اعتبار ذلك سياسة تتريك ممنهجة هدفها خلق وقائع جديدة على الأرض لنوايا مبيتة.
وأقام الجيش التركي نقاط تفتيش في المناطق التي يسيطر عليها موالين له.. وغيّر أسماء قرى سورية في ريف عفرين وجرابلس والباب إلى التركية.. وقام بتغيير اسم الساحة الرئيسية لتصبح “ساحة أتاتورك”، وساحة أخرى باسم ساحة أردوغان، وأخير ساحة باسم (أرطغرل ) ذلك بعد تهجير مئات الآلاف من الأهالي والاستيلاء على بيوتهم وممتلكاتهم.
” دوار أرطغرل ” آخر صيحات ميليشيات الجيش الوطني:
في مدينة عفرين، احتفل عناصر ميليشيات ( فيلق الشام ) بافتتاح ما سموه ” دوار أرطغرل ” في قرية ميدانكي بريف مدينة عفرين الخاضعة لسيطرة القوات التركية منذ آذار 2018، الفصيل متهم بحسب مصادر محلية، ومنظمات حقوق الإنسان، باعتقال أكثر من 210 شخصا من أصل 360 شخصا من السكان الأصليين بعد نزوح ثلثي أهاليها (بلغ عدد سكان قرية ميداني قرابة 1800 قبل الهجوم، الاحتلال التركي)، مازال مصير 85 منهم مجهولا، بينهم 5 نساء، و7 أطفال قاصرين.
معهد “يونس إمره” التركي يفتح مركزا له في اعزاز السورية
من مظاهر التتريك المرافقة لتغيير الأسماء، وفرض المناهج، لجوء تركيا إلى افتتاح مراكز ثقافية تركية في المدن السورية المحتلة، آخر افتتاح كان معهد (يونس إمره) في مدينة أعزاز في الخميس 17 سبتمبر/ أيلول 2020.
وحضر مراسم الافتتاح كل من نائب وزير الثقافة والسياحة التركي سردار جام، ورئيس معهد يونس إمره شرف أتاش، ورئيس مؤسسة أتراك الخارج والمجتمعات ذات القربى عبد الله أرين، ونائب رئيس الوكالة التركية للتعاون والتنسيق “تيكا” سركان قايالارن بغياب أهالي أعزاز.
وأوضح أتاش في كلمة خلال الافتتاح، إنّ الثقافة والحضارة التركية لا تقف عند حدود، وإنّ المعهد يهدف إلى إيصال هذه الثقافة ونشرها في المدينة.
بدوره، قال جام، إنّ هذا المركز سيكون رمزا لجهود تركيا في نشر الثقافة واللغة التركية والتعريف بهما ضمن مخطط تركي في عملية تطبيع الحياة الاجتماعية والاقتصادية في المناطق الخاضعة لسيطرتها، حيث سيعمل على توحيد مناهج دورات اللغة التركية في المنطقة.
ويضم المركز المنوي افتتاحه 4 فصول دراسية، وقاعة مؤتمرات تتسع لحوالي 300 شخص. وسيتم إعطاء 66 معلماً محلياً، دروساً باللغة التركية في مجموعات، وتعيينهم من قبل وزارة التعليم التركية.
قال رئيس معهد “يونس إمره”، البروفيسور شريف آتش للأناضول، إنّه “من الضروري تفعيل وزيادة المؤسسات التركية من أجل ضمان كسب ولاء السكان، بأنشطتهم اليومية، وفعالياتهم.
تأسس المعهد في العاصمة التركية أنقرة عام 2009 على اسم التركي “يونس إمره – Yunus Emre” كأداة تركية نشطة في عدد من الدول ومؤخرا بشكل فعال في المناطق الخاضعة لسيطرة تركيا في سوريا والعراق وليبيا واذربيجان وغزة في فلسطين.