في مطلع 2018 أطلقت تركيا تهديدات باجتياح مدينة عفرين السورية، متحججة بأنّ وحدات حماية الشعب الكردي (YPG) التابعة لقوات سوريا الديمقراطية المدعومة أميركيا، تعد جزءا من تنظيم حزب العمال الكردستاني PKK، وهو الحزب الكردي الذي يناضل منذ أربعة عقود من أجل الحكم الذاتي في تركيا.
نفذ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تهديده، وبدأ الاجتياح التركي في 20 كانون الثاني/يناير 2018 لشمال سوريا، حيث شن الجيش التركي هجوما عسكريا في منطقة عفرين شمال غرب سوريا، بمساعدة من مجموعات عسكرية كانت تقاتل سابقا نظام حكم الرئيس السوري بشار الاسد تحت راية الجيش السوري الحر. وفي منتصف آذار 2018 أعلن السيطرة على المدينة الكردية.
وخلال تقدم القوات التركية، أشار الرئيس التركي في خطاب متلفز إلى أنّ العملية العسكرية التي أطلق عليها “غصن الزيتون”، لن تتوقف عند حدود عفرين، بل ستكون مدينة منبج – وتلرفعت وشرقي الفرات…
استمرت المدفعية والطائرات التركية في قصف عشوائي لأهداف عسكرية ومدنية، ما أدى إلى مقتل 300 مدنيا على الأقل، بينهم نساء وأطفال وإصابة أكثر من ألف بجروح غالبها بتر في الأطراف وسببت عاهات دائمة.
وجاء تقرير للأمم المتحدة إنّ العملية العسكرية في شمال سوريا تسببت في نزوح ما يقدر بخمسة آلاف شخص في منطقة عفرين، خلال ثلاثة أيام فقط من وقت انطلاق العملية.
أما في تركيا، فقد أوقفت السلطات أكثر من 90 شخصا بتهمة نشر “دعاية إرهابية” على الإنترنت وغيرها من التهم، بسبب انتقادهم للهجوم الذي شنته تركيا على أكراد سوريا.
وفي 2 مارس، 2020 اتهم محققون من الأمم المتحدة مقاتلي المعارضة المتحالفين مع تركيا بارتكاب جرائم قتل ونهب في المناطق الكردية في أفعال قالوا إنّها بمثابة جرائم حرب ارتكبتها أنقرة.
وورد تقرير للجنة تابعة للأمم المتحدة أنّ الانتهاكات التي ارتكبها مقاتلوا المعارضة المدعومون من تركيا أثناء هجوم على مناطق يسيطر عليها الأكراد تعتبر فظيعة وجاء في التقرير إنّه إذا كان المعارضون يتصرفون بإشراف من قوات الجيش التركي فإنّ هؤلاء القادة ربما يكونون مسؤولين عن جرائم حرب.
وتشير اللجنة التي شكلها مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة في عام 2011 إلى تقارير عن عائلات كردية نازحة، ومدنيين آخرين، اتهموا القوات السورية المدعومة من أنقرة بارتكاب عمليات إعدام ونهب ومصادرة أملاك.
وقال باولو بينيرو رئيس اللجنة إنّ اللجنة أضافت أسماء على صلة بالجرائم الأخيرة إلى قائمتها السرية لمن يشتبه بأنّهم الجناة. وأضاف في إفادة صحفية إنّ اللجنة تلقت 200 طلب من سلطات قضائية في أنحاء العالم لمنحها معلومات بشأن جرائم ارتُكبت خلال الحرب الدائرة في سوريا منذ تسعة أعوام.
كما تناول تقرير حقوقي نشر في 10 آذار \مارس 2020 تأثير التدخل التركي في سوريا وجاء فيه إنّه أدى لاشتعال الأوضاع وحدوث انتهاكات متزايدة في حقوق الإنسان، لأغراض جيوسياسية واقتصادية.
مؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان أصدرت اليوم تقريرها السنوي بعنوان (الدول العربية محل النزاع: حقوق الإنسان في فوهة البندقية)، لفت إلى أنّه “تلعب تركيا دوراً في عدم استقرار عدد من الدول العربية، خصوصاً في سوريا وليبيا، واستمرار دعمها للنظام القطري في أزمته مع دول الخليج”
وحول خطر التدخل التركي، ذكر التقرير إنّ تركيا تتدخل كطرف خارجي في الصراع “لاحتواء القوى الكردية شمال سوريا”، ولكنها “ارتكبت انتهاكات عدة أثرت بشكل مروع على المدنيين، حيث أدى تصاعد العمليات العسكرية التركية في شمال سوريا إلى مضاعفة أعداد النازحين واللاجئين”.
وجاء في التقرير أيضاً إنّ العمليات العسكرية التركية وآخرها “نبع السلام” شكلت “تربة خصبة لجميع صور جرائم وانتهاكات حقوق الإنسان في المناطق المتفرقة في سوريا، من أعمال قتل، واختطاف، واختفاء قسري، واعتقال طويل الأمد، وتعذيب، وعنف جنسي، وتدمير ونهب في الممتلكات الخاصة”..
واتهم التقرير تركيا بتهجير أعداد كبيرة من الأكراد عملت على توطين غيرهم من العرب لإخفاء الوجود الكردي. “تمتد تلك السياسة لتشمل المناطق الشمالية الشرقية التي سيطر عليها الجيش التركي عقب عملية نبع السلام وهذا ما أقر به الرئيس التركي رجب طيب أردوغان صراحة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث صرح عن نيته توطين نحو مليوني لاجئ سوري في الشريط الحدودي الشمالي الشرقي من سوريا. وهو ما تمكنت المفاوضات من التصدي له من خلال حصر النفوذ التركي في المنطقة حتى الآن”.
تغييرات ديموغرافية
بدأت أنقرة في اللعب بهوية المنطقة، وتغيير ديموغرافيتها، وطمس معالمها الحضارية والثقافية.
وقد أدت العملية في أيامها الأولى فقط إلى نزوح نحو 167 ألف شخص في الشمال السوري نتيجة القصف التركي، بحسب الأمم المتحدة.
وأصدرت الأمم المتحدة تقريرا في أيلول/سبتمبر 2018، تقول فيه إن القوات التركية الجوية قد فشلت في اتخاذ الاحتياطات المناسبة خلال تنفيذ هجماتها، ما أدى إلى مقتل عشرات المدنيين.
وقد أسفرت عملية ما يسمى “غصن الزيتون” في نزوح نحو 300 ألف كردي من عفرين، واستيلاء مسلحي الجماعات الموالية للقوات التركية على مزارع الزيتون التي يمتلكها المزارعون الأكراد، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وفي حزيران/يونيو 2019، أصدرت منظمة “هيومان رايتس ووتش” تقريرا عن استيلاء جماعات مسلحة تابعة للجيش السوري الحر على ممتلكات المدنيين الأكراد في منطقة عفرين شمالي سوريا.
وأورد التقرير أنباء عن استيلاء الجماعات المسلحة المدعومة من تركيا على منازل السكان الأصليين من الأكراد، وتدمير الممتلكات المدنية ونهبها، الأمر الذي اعتبره ناشطون أكراد محاولة تركية لتغيير ديموغرافية المنطقة ذات الأغلبية الكردية.
وحملت هيومن رايتس ووتش تركيا ومجموعات الجيش الحر في عفرين مسؤولية نهب ممتلكات الأكراد، وطالبت المنظمة السلطات التركية بضرورة تعويض النازحين من عفرين.
كما وأصدرت لجنة مستقلة تتبع الأمم المتحدة تقرير اتهمت فيه تركيا وفصائل المعارضة السورية بارتكاب جرائم حرب في عفرين