ألمانيا ـ نورث برس
تعمل مراكز ومنظمات حقوقية في أوروبا على ارشاد اللاجئين السوريين لكيفية تقديم الشكاوي ضد من كان له يد في الجرائم الإنسانية التي ترتكب في سوريا، خاصة من الذين يقيمون في أوروبا أيضاً وقدموا أنفسهم كلاجئين في محاولة منهم للهروب من العدالة.
يأتي هذا بعد استجابة العديد من المحاكم الأوروبية لقضايا رفعها سوريون ضد شخصيات شاركت في تعذيب وقتل الناس في بلدهم أثناء الحرب.
وينظم “مركز توثيق الانتهاكات في شمال سوريا”، بالتعاون مع منظمات شريكة في ألمانيا كـ”المركز الكردي للدراسات” و”الهيئة القانونية الكردية”، سلسلة لقاءات تدريبية مع اللاجئين السوريين.
ويتم من خلال هذه اللقاءات إرشاد اللاجئين، إلى كيفية السعي لتحقيق العدالة للجرائم المرتكبة في سوريا أمام المحاكم العديدة في أوروبا.
كما تتضمن خطوات توضح كيفية تقديم الشكوى، وإجراءات التحقيق وعملية المحاكمة، وحقوق الضحايا والشهود.
ويقول الإداري في مركز “توثيق الانتهاكات في شمال سوريا”، مصطفي عبدي، لـ”نورث برس”: نحاول عبر هكذا لقاءات مساعدة السوريين في توفير فرصة لاكتساب المعلومات الأساسية اللازمة لتقديم شكوى في ألمانيا لقاء دعوى جزائية ضد الشخص الذي ارتكب الجريمة أو رفع دعوى مدنية للحصول على تعويض وتحقيق العدالة.
ومن شأن تنظيم سلسلة لقاءات من هذا النوع مع اللاجئين، أن تؤدي إلى مساعدة الضحايا السوريين الذين يعيشون في أوروبا، في كيفية السعي لتحقيق العدالة للجرائم المرتكبة في سوريا أمام المحاكم الوطنية في البلدان الأوربية، بحسب عبدي.
وأشار إلى أنه رغم وجود غالبية المتهمين داخل سوريا حالياً كونهم من الأطراف المتصارعة، إلا أنه بالمقابل يوجد البعض منهم في البلدان الأوروبية ومنهم من قد قدَّم اللجوء كأي مواطن سوري هارب من الحرب، “وتم التعرف على بعضهم من قبل ضحاياهم في حوادث سابقة سواء ضباط في الجيش الحكومي أو تنظيم (داعش) أو من الفصائل المدعومة من تركيا أو غيرهم”.
وبدأت أول ورشات عمل لتدريب اللاجئين السوريين في السادس عشر من شباط/فبراير الجاري، في مدينة بوخوم شرقي ألمانيا، على اعتبار أنها مدينة معروفة بكثرة وجود الجالية السورية فيها بالإضافة إلى مدن قريبة منها مثل إيسن ودورتموند وغيرها من المدن المعروفة التي تعتبر أماكن سكن للاجئين السوريين.
كما أوضح عبدي أن هدف توثيق انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني التي يعاني منها المدنيين المتضررين من النزاع في سوريا، “مهم وسيأتي بنتيجة ولو بعد حين”.
من جهته قال المحامي وعضو الهيئة القانونية الكردية حسين نعسو، الذي يعمل كمرشد قانوني للاجئين في هذه اللقاءات لـ”نورث برس”: بالتأكيد يمكن للجهود الفردية والشخصية أن تلعب دوراً كبيراً وفعالاً في الكشف عن الأشخاص الضالعين بارتكاب الانتهاكات والجرائم الفظيعة بحق المدنيين السوريين وتجميع الأدلة والإثباتات التي تدينهم، سواء كان ذلك من خلال أماكن العمل والسكن أو دورات تعلم اللغة أو من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من الوسائل، “ومن ثم الإبلاغ السلطات المختصة عنهم في الدول الأوروبية”، على حد قوله.
وحول طرق وكيفية التقدم بالدعاوي والشكاوي أمام المحاكم الأوربية والدولية، من قبل المتضررين أو النشطاء فقد أوضح نعسو، بأن الأمر “ليس سهلاً” وغالباً ما يقع الضحايا الذين يريدون الإدعاء، في معرض قيامهم بتقديم الشكاوي ،في أخطاء تتعلق بمرحلة التوصيف أو التكييف القانوني للدعوى و عدم مراعاة قواعد وأصول إجراءات التقاضي.
وأضاف أن ما سبق ينعكس سلباً على القضية ـ موضوع الدعوى ـ ويجعل فرص نجاحها ضئيلة بالرغم من أحقيتها وعدالتها وذلك “بسبب عدم الإلمام الكافي من قبل المدعين بالقوانين وأصول وإجراءات التقاضي أمام المحاكم الأوروبية والدولية”.
وأشار نعسو، إلى أن هذه الأمور والتعقيدات تتطلب من الضحايا الاستعانة أولاً وقبل كل شيء بفريق من المحاميين المجازين والمختصين بذلك النوع من الدعاوي في الدول مكان إقامة الدعوى “لتعزيز فرص نجاح الدعوى واكتسابها”.
وأضاف، أن قاعدة التابع والمتبوع والمسؤولية التكافلية والتضامنية هي التي تحكم جدلية العلاقة والمسؤولية عن الجرائم “فيما بين قوات الاحتلال التركي والمرتزقة من القوى المسلحة للمعارضة السورية”.
وركز نعسو في حديثه بالدرجة الأولى على الانتهاكات في مناطق سيطرة المعارضة السورية التابعة لتركيا خاصة التي تحوي على نقاط مراقبة عسكرية تركية.
وقال بأن القوى المسلحة المنتشرة على الأرض في عفرين وغيرها من المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية، “هي بنهاية المطاف ليست إلا مجرد أدوات ومرتزقة وبيادق بيد قوات الاحتلال التركي التي تحركهم وتوجههم كيفما تشاء”.
وأوضح أنه من الناحية القانونية فإن القوات التركية هي المسؤولة عن كل الأعمال والأفعال التي تصدر عن فصائل المعارضة بموجب اتفاقيات لاهاي لعام 1899-1907 لكونها المسيطرة فعلياً على الأرض “كقوة احتلال وفقا للمادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة”.
وفي حين كانت الدعاوي تركز في البداية على شخصيات أمنية في الحكومة السورية إلا أن السنوات الثلاث الأخيرة باتت تشهد شكاوي ضد أمراء حرب في العديد من الأطراف المسلحة المتصارعة في سوريا.
وتنشط العديد من المنظمات الحقوقية السورية في أوروبا وبالتحديد في ألمانيا في السنوات الأخيرة لرفع دعاوي قانونية ضد شخصيات مارست انتهاكات كبيرة ضد حقوق الإنسان وصلت إلى حد القتل والإخفاء والتعذيب حتى الموت.
ومؤخراً في كانون الأول/ديسمبر الفائت، اتهم الادعاء الألماني في مدينة فرانكفورت، رجلاً سوريا، بالانضواء تحت صفوف تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) والقتال في سوريا بين عامي 2013-2015.
وتشير اتهامات المحاكمة لقيادة السوري مجموعة مكونة من عشرين شخصاً من منتسبي تنظيم “داعش”، إبان فترة سيطرة التنظيم على مساحات شاسعة في سوريا والعراق.
وحسب وسائل إعلام ألمانية فقد كان المتهم قد ترأس منطقتين في مدينة الرقة السورية التي أصبحت حاضنة التنظيم في سوريا، وكان قدم إلى ألمانيا سنة 2018 وقدم نفسه كأي لاجئ سوري.
كما كانت السلطات الألمانية قد اعتقلت في شباط/فبراير 2019 اثنين من ضباط المخابرات السورية السابقين، بعد دعاوي شخصية ضدهم بتهمة تورطهم في عمليات تعذيب ضد معارضين لنظام الرئيس بشار الأسد، إبان فترة عملهم في جهاز الاستخبارات السوري.
وكان آخر أنباء اعتقال المتهمين بارتكاب الانتهاكات في سوريا، اعتقال السلطات الفرنسية القيادي في تنظيم “جيش الإسلام”، إسلام علوش في كانون الثاني/ يناير الفائت، وتوجيه تهمة ارتكاب جرائم حرب وتعذيب له.