تواصل الفصائل والجماعات المسلحة المدعومة من تركيا استخدام التعذيب ضد المشتبه بهم والمعتقلين الموجودين في سجونها أو الذين يتم اعتقالهم على ذمة التحقيق وفي المداهمات العشوائية، بمن فيهم الأطفال، الذين يودعون في أغلب الأحيان في الحبس الانفرادي، وهو أسلوب تلجأ إليه أساسا لانتزاع الاعترافات أو للضغط على ذويهم وطلب فدية مالية تصل إلى 50 ألف دولار بحسب ما أكده أحد الأشخاص الذين ساعدهم الحظ وتمكن من الفرار بعد شهر من الاعتقال.
حسن أحمد الأحمد البالغ من العمر 26 عاما، من قرية تل حاجب شرقي مدينة كوباني، بريف حلب شمال سوريا تم اعتقاله من قبل فصيل “الجبهة الشامية” في مدينة إعزاز أثناء عودته من تركيا عبر معبر باب السلامة في الـ 5 من كانون الأول 2018.
يؤكد حسن أنه اعتقل في المعبر لكونه من مواليد مدينة كوباني، وأنه دخل اعزاز قادما من تركيا بطريقة نظامية، ويملك كل الأوراق الثبوتية الصادرة عن الجهات الرسمية في تركيا، ويضيف “تم اعتقالي، تعرضت للتعذيب، وجرى تصويري عدة مرات، وارسلت مقاطع الفيديو لعائلتي….مطالبين بمبلغ 50 ألف دولار كفدية لتحرير أو سيتم ذبحي بالسكين أمام الكاميرا”.
حسن تمكن من الفرار مستغلا دخول عناصر الفصيل الذي احتجزه في اشتباك مع فصيل آخر، وتمكن بعد أيام من الوصول إلى مدينة منبج، ومنها إلى منزله في مدينة كوباني..
جريمة بلا محاسبة
يوثق “مركز توثيق الانتهاكات في شمال سوريا” في بيان أصدره حول واقع السجون في مناطق الشمال السوري الخاضعة لتركيا مقتل 68 شخصا تحت التعذيب في سجون ومعتقلات الفصائل والجماعات المسلحة التي تدعمها تركيا؛ شمال سوريا كما وكشف أن هذه الفصائل اعتقلت ما لا يقل عن ( 6001 ) شخصا، منذ آذار 2018 وتعرض ( 709 ) شخصا منهم للتعذيب.
ويأتي التقرير وسط قيام المركز بتوثيق المزيد من حالات التعذيب في السجون، رغم صعوبة الوصول إلى المعلومات، والحصول على تفاصيل متعلقة بهذا الشأن نتيجة قيام السلطات التركية بإغلاق المناطق التي احتلتها في شمال سوريا أمام وسائل الإعلام، وأمام المنظمات الحقوقية المحلية والدولية وهو ما يمنح الفصائل المزيد من القوة والثقة في المضي بتعذيب المعتقلين في السجون دون مراعاة القواعد الأساسية التي تضمن حقوق المعتقل. من الاحتجاز التعسفى كإحدى الانتهاكات الخطيرة، و“الحرمان من الحرية” بدون سند قانوني. حيث ينص الإعلان العالمى لحقوق الإنسان في مادته التاسعة على مايلي: “لا يجوز اعتقال أى شخص أو حجزه أو نفيه تعسفيا”. كما ينص فى مادته العاشرة على: “لكل إنسان، على قدم المساواة التامة مع الآخرين، الحق فى أن تنظر قضيته محكمة مستقلة ومحايدة، نظرا منصفا وعلنيا، للفصل في حقوقه والتزاماته وفى أية تهمة جزائية توجه إليه”.
في عفرين لايزال مصير نحو 2350 معتقلا من أصل 5576 معتقلا مجهولا، حيث يُفترض أنهم إما موتى أو لايزالون قيد الاحتجاز. فضلا عن ذلك، لقي حوالي 53 شخصا “حتفهم تحت التعذيب”، في حين يموت الكثيرون جراء أوضاع تعتبر مزرية ومنهم من يموت بعد الإفراج عنه، فيما يمكن وصف ما يحدث “بالإبادة”.
لقد حظيت عمليات الاختطاف والقتل التي ارتكبها النظام السوري باهتمام كبير في الغرب، لكن فصائل المعارضة السورية المدعومة من تركيا احتجزت أشخاصا كثر أيضا، وقتلت الكثير منهم تحت التعذيب. ويبدو أن نظام السجون بات جزءا لا يتجزأ من جهود السلطات التركية في تحقيق التغيير الديمغرافي، التي تتضمن تهجير من تبقى من السكان .
نزح أو هجر من عفرين قرابة \ 200- 250 ألف\ باتخاذ إجراءات عديدة تنفذها الفصائل التابعة لها من استيلاء على الملكيات العقارية والزراعية والتجارية إلى اعتقالات وخطف وقتل وتهديد وابتزاز واغتصاب. ومثل ذلك الرقم أيضا نزح من مدينتي تل أبيض ورأس العين، لعل صمت المجتمع الدولي عن جرائم الحرب التي ارتكبتها وتواصل ارتكابها الجماعات المسلحة المدعومة من تركيا كان حافزا لتقوم تركيا باطلاق هجومها البري لاجتياح منطقة شرق الفرات التي كانت مستقرة وآمنة و متعايشة.
ورغم أن تركيا تمارس سياسة الصمت وترفض الرد على التقارير الحقوقية التي تتهم قواتها بارتكاب جرائم حرب في منطقة عفرين، فإن بعضا من بيانات الفصائل التي تدعمها تؤكد بالفعل حدوث انتهاكات، وهي تعترف ضمنيا باعتقال وموت العشرات وهم رهن الاعتقال، لا سيما مع اعلانهم اعتقال أعضاء ورؤساء بعض الأجهزة الأمنية وقادة وأعضاء الفصائل بتهم التعذيب والاغتصاب والفساد وغيرها أو تأتي كرد على بعض التقارير والصور والفيديوهات المسربة، تتضمن إقرار بأن الحادثة “حالة فردية” وأنه سيتم معاقبة المتورطين، وهو العقاب الذي لا يتم….وكأنهم يقولون “لقد ارتكبنا هذا، ولن يُعاقبنا أحد”، ضمن منهجية “التعذيب لمجرد التعذيب، التعذيب من أجل الثأر والقتل والحقد وإهانة الأفراد، وكسب الأموال ….”.
يعتبر نظام الاعتقال في سجون الجماعات المسلحة المدعومة من تركيا شمال سوريا نسخة من النظام، ذاك الذي بناه الرئيس السوري السابق حافظ الأسد، وابنه بشار الأسد. ففي سنة 1982، سحق الأسد الأب انتفاضة مسلحة للإخوان المسلمين في حماة، وسوّى جزءا كبيرا من المدينة بالأرض، كما اعتقل عشرات الآلاف من الناس؛ منهم الإسلاميون والمعارضون اليساريون والسوريون بشكل عشوائي وذلك ردا على تمرد تنظيم الاخوان المسلمين طمعا في السلطة.
وعلى مدى عقدين من الزمن، اختفى حوالي 17 ألف محتجزا في غياهب سجون النظام الذي يمتاز بطرق تعذيب تمت استعارتها من المستعمرين الفرنسيين والديكتاتوريين الإقليميين والنازيين.. وعندما خلف بشار الأسد والده في سنة 2000، أبقى نظام الاعتقال على حاله وحينما انشق عنه عناصر من المخابرات، وقادة من جيشه وموظفين تحولوا لصفوف المعارضة، أسسوا هناك نظاما يماثل النظام الذي انشقوا عنه، وبنفس الممارسات، حيث تم تأسيس أجهزة أمنية موازية كجهاز الشرطة العسكرية، وجهاز الأمن السياسي والجنائي والمخابرات وسجون ومعتقلات سرية ومتعددة وغير ذلك، لا بل كانت هذه الأجهزة هي الأسوأ كونها تفعل ما تشاء بدون رقابة ولا تخشى من العقاب وتمضي في ارتكاب المزيد من الانتهاكات، فلكل فصيل مسلح أجهزة أمنية خاصة به، يسيطر عبرها على قرى وبلدات يفرض فيها من يشاء.