لم يعد خافيا أن تركيا باتت تسعى بالفعل لتكريس واقع الانفصال والاحتلال لمناطق الشمال السوري، حيث أنّ عدد الرموز والأعلام التركية وحالات التغيير الديموغرافي وطمس الهوية الثقافية التي تشاهد في المدن السورية المحتلة من قبل تركيا، والتي لم يسلم منها حتى الموتى وطالت القبور والاثار قد لا يوجد لها مثيل على الأراضي التركية نفسها.
وبينما تدّعي الحكومة التركية عدم رغبتها في البقاء في الأراضي السورية، إلا أنها بدأت سريعاً إدخال مؤسساتها الخدمية وموظفيها لمُدن الشمال السوري التي سيطرت عليها قوات موالية لها في إطار عملياتها “درع الفرات” و”غصن الزيتون”، و”نبع السلام” كاشفة بذلك عن وجه استعماري قديم مُتجدّد يشمل كذلك الاستيلاء على منازل السوريين وتغيير أسماء بعض الشوارع بأخرى تركية وفرض التعامل بالليرة التركية، فضلاً عن فرض مدارسها ومناهجها وجامعاتها.
واليوم الاربعاء أعلنت جامعة غازي عنتاب، افتتاحها عدة كليات في مناطق عمليتي “درع الفرات” و”غصن الزيتون” في الشمال السوري، في مدن الباب وأعزاز وعفرين وجرابلس؛ وفق التوزيع “مدرسة مهنية عليا في مدينة جرابلس، وكلية للتربية في عفرين، وكلية العلوم الإسلامية في أعزاز، وكلية العلوم الإدارية والاقتصادية في الباب”. وكلية التربية في عفرين تنقسم إلى 3 فروع هي قسم معلم الصف، وقسم الإرشاد النفسي، وقسم اللغة التركية.
وفي الأول من اكتوبر من العام الجاري أصدر الرئيس التركي رجب أردوغان قرارا يقضي بافتتاح ثلاث كليات جامعية جديدة في مناطق سيطرة الجيش التركي شمال حلب شمالي سوريا.
وتداولت وسائل إعلام تركية قرارا قالت إنه مرسوم رئاسي نشرته الجريدة الرسمية التركية الجمعة، يقضي بافتتاح كلية العلوم الاقتصادية والإدارية في مدينة الباب و كلية العلوم الإسلامية في مدينة اعزاز إضافة إلى كلية التربية والتعليم في مدينة عفرين، مشيرة أن الكليات ستتبع لجامعة غازي عنتاب وتحت إشرافها.
تحدثت الجريدة الرسمية التركية عن أنّ جامعة غازي عنتاب ستفتح كلية للعلوم الإسلامية في أعزاز بسوريا وأخرى للتربية في عفرين وثالثة للاقتصاد وعلوم الإدارة في الباب.
وبنت أنقرة قبل ذلك مستشفيات ورممت مدارس ودربت مقاتلين في شمال غرب سوريا، وتقول تقارير إعلامية تركية إنها تعتزم إقامة منطقة صناعية هناك لتوفير وظائف لسبعة آلاف شخص.
خطر تركيا لا يقصر على غرب الفرات فهي تقول إنها تريد توطين ما يصل إلى مليوني نازح سوري في المنطقة الآمنة، وفي الأسبوع الماضي نشرت قناة (TRT ) التركية تفاصيل عن خطط أنقرة لإقامة مشروع بتكلفة 151 مليار ليرة (27 مليار دولار) لإسكان ما يصل إلى مليون شخص وهو المشروع الذي تحدث عنه أردوغان في كلمته في أمم المتحدة .
وتُعتبر بوابة التعليم الخطّة الأخطر في عملية التتريك للمناطق السورية التي تُسيطر عليها أنقرة من خلال فصائل سورية مسلحة موالية لها، وذلك نظراً لفرض اللغة والتاريخ التركيين على الطلبة السوريين بكل ما يحمله ذلك من عملية تزوير للعديد من الحقائق والوقائع التاريخية والثقافية والعلمية على حدّ سواء من وجهة نظر تركية عثمانية بحتة.
ووزّعت تركيا كتبها المدرسية على 360 ألف تلميذ داخل المناطق التي سيطرت عليها في إطار عمليتي “درع الفرات” و”غصن الزيتون” شمالي سوريا، في كلّ من مُدن “عفرين” و”جرابلس″ و”الباب” و”أعزاز″ و”جوبان بي” و”أخترين” و”مارع″.
كانت وكالة أنباء الأناضول التركية الرسمية زعمت أنّ عملياتها العسكرية ساهمت بشكل كبير في عودة آلاف السوريين إلى ديارهم بعد تطهير المنطقة من “الإرهاب”، حيث شرعت تركيا في استغلال مجالات خدمية عديدة، في مقدمتها القطاع التعليمي.
وكانت جامعة حران التركية، قد أعلنت العام الماضي عن افتتاح فرع لها في منطقة الباب السورية لخدمة الطلاب في البلدات الواقعة تحت السيطرة التركية.
وشهد عام 2018، افتتاح معهد عالٍ للتعليم المهني في مدينة جرابس شمالي سوريا، ويضم حاليا 500 طالب يواصلون دراستهم الجامعية.
يقول تقرير توثيقي نشرته مؤخراً شبكة “ميدل ايست اونلاين” اللندنية: أن تزور مدن جرابلس، إعزاز، الباب، وعفرين في شمال سوريا في ظل السيطرة التركية يعني أنه من الممكن أن تكون بحاجة لمترجم تركي– عربي عند تحويل النقود أو زيارة المشفى أو الدخول إلى المدارس وما تسمى المجالس المحلية التي أمست مخافر مدنية وأوكاراً استخباراتية للدولة التركية على الأراضي السورية.
كما من الممكن أن تعتقد وللوهلة الأولى بأنك في تركيا وليس في مدن سورية قاومت العثمانيين في زمنٍ ما وهويتها الثقافية والاجتماعية والسياسية متميزة عن ما هو سائد في إزمير وميرسين حيث معقل الشوفينية التركية.
والتأكيد على أنك سوري في تلك المناطق قد يُعتبر إقحاماً وقحاً وغير منطقياً للهوية السورية، وذلك بعد ثلاثة أعوام فقط من تدنيس الجنود الأتراك للأراضي السورية.
وعلى سبيل المثال، تُقدّم مؤسسة البريد والبرق التركية (PTT) خدماتها في المناطق السورية، للموظفين الأتراك والمواطنين السوريين معاً في المنطقة، حيث تلبي المؤسسة احتياجات الصيرفة والخدمات اللوجستية والشحن، وتقدم بالليرة التركية رواتب المدرسين والموظفين العاملين في وقف “المعارف” التركي بالمنطقة، والجنود الأتراك، فضلا عن رواتب الشرطة المحلية.