استمرار ارتكاب جرائم الحرب من قبل الفصائل السورية التابعة لتركيا دليل إضافي على إهانة الدستور والمجتمع الدولي، رغم تغييب ممثلي الكرد، وقوات سوريا الديمقراطية عن جلسات مناقشته في جنيف.
أصدر “مركز توثيق الانتهاكات في شمال سوريا” تقريراً وثق فيه أبرز انتهاكات الأطراف المشاركة في اللجنة الدستورية في غضون الأسبوع الأول لجلساتها مُشيرة إلى أن استمرار ارتكاب جرائم الحرب من قبل الجماعات السورية المسلحة “المعارضة” التابعة لتركيا ومن قبل تركيا نفسها دليل إضافي على إهانة الدستور والمجتمع الدولي في تحدي واضح لكل الاتفاقيات سواء التي عقدتها تركيا مع الولايات المتحدة أو التي عقدتها مع روسيا.
ويرى التقرير أنَّ مؤتمر سوتشي الروسي الذي انعقد في 30/ كانون الثاني/ 2018 شكَّل مرجعية تشكيل اللجنة الدستورية، التي تعتبر المخرج الأساسي منه، على الرغم من أن المعارضة السورية السياسية قد رفضت المشاركة فيه، و قد تم تبني فكرة اللجنة الدستورية لاحقاً من قبل المبعوث الدولي السابق ستافان ديمستورا، وسار السيد جير بيدرسن المبعوث الأممي الحالي إلى سوريا على المسار ذاته.
وأن اتفاق وقف إطلاق النار في شمال شرق سوريا وتعليق العملية العسكرية التركية الذي وقعته تركيا والولايات المتحدة في 17 أكتوبر 2019 لم تلتزم به تركيا بأي حال، وإنما واصلت شن المزيد من الهجمات العسكرية جوا، وعلى الأرض كما وأن المسلحين التابعين لها واصلوا الانتهاكات المتعددة وشن المزيد من العمليات لا سيما التي استهدفت بلدة تل تمر، وقرى على الطريق الدولي M4، إضافة لقيام تلك الفصائل باعتقال المزيد من المواطنيين، وقتل العشرات منهم ميدانيا، والاستيلاء على المنازل والعقارات، ومنع السكان من العودة لمنازلهم في رأس العين و تل أبيض وريفها.
كما وأن تركيا ومسلحيها لم يلتزموا كذلك باتفاقية “تمديد الهدنة”، التي وقعتها مع روسيا الثلاثاء (22 تشرين الأول/ أكتوبر 2019)، رغم البدء بتسيير دوريات مشتركة “روسية، تركية” بعمق 10 كم وانسحاب وحدات حماية الشعب لعمق 30 كم.
التقرير استعرض السياق الذي تشكلت عبره اللجنة الدستورية الموسعة، التي انطلقت اجتماعاتها في 30/ تشرين الأول/ 2019، والمؤلفة من 150 عضواً (50 منهم من طرف الحكومة السورية و50 يمثلون المعارضة، منهم 50 ممثلون عن منظمات المجتمع المدني ويتم اختيارهم من قبل مكتب المبعوث الأممي وفق آليات ومحددات هو يضعها وغير معلنة، كما أنها غير مفهومة حيث تحتوي شخصيات لا علاقة لها بالقانون الدستوري أو حقوق الإنسان أو العدالة الانتقالية وما إلى ذلك) وأضاف التقرير أن السيد جير بيدرسن أعلن في 1/ تشرين الثاني/ 2019 عن تشكيل اللجنة الدستورية المصغرة، على أن تبدأ عملها في 4/ تشرين الثاني، لمدة أسبوع.
ولم يكن نصيب الأكراد الذين يتراوح تعدادهم في سوريا بين أربعة وخمسة ملايين نسمة، ويقودون قوات سوريا الديمقراطية التي حررت مساحة واسعة من سوريا بدعم من “التحالف الدولي” في معارك طويلة، وصعبة ومكلفة ضد تنظيم الدولة الإسلامية،والتي كلفتهم 11 ألف شهيد، و22 ألف مصاب، نسبة لعدد السكان تتفاوت نسبة الكرد في سوريا بين 15 و20 بالمئة من مجموع السكان، من نسبة تمثيل لجنة صياغة الدستور سوى الصفر تقريبا، فهم من المعارضة ممثلين ب 1 من أصل 150، ومن البديهي القول إن قائمة النظام ستخلو من أي ممثل عن الأكراد في سوريا وذلك لطبيعة النظام الشمولية والاستبدادية وعدم اعترافه بالأساس بوجود قضية كردية في سوريا.
وفي استعراض لأبرز الانتهاكات التي تمكَّن راصدون في مركز توثيق الانتهاكات من توثيقها من قبل الأطراف المشاركة في اللجنة الدستورية (قوات النظام السوري وحليفه الروسي وفصائل في المعارضة المسلحة وحليفتها تركيا) في غضون أسبوع منذ بدء جلساتها في 30/ تشرين الأول/ 2019 حتى 6/ تشرين الثاني/ 2019، واقتصر التقرير فقط على مناطق شمال سوريا، عدا محافظة أدلب حيث تسيطر كل هيئة تحرير الشام، جبهة النصرة، القوات التركية.
وجاء في التقرير أن المجتمع السوري توقع أن تنخفض وتيرة الانتهاكات الممارسة بحقه وقسوتها بعد أن ينطلق المسار الدستوري، وغالباً ما يكون البدء بالمسار الدستوري بعد توقف النزاع والبدء بالمفاوضات وصولاً إلى تسوية معينة ثم يقوم الأطراف بصياغة ما تمَّ الاتفاق عليه ضمن وثيقة إعلان دستوري، لكن الهجوم التركي على شمال سوريا الذي لايزال مستمراً، تسسب في تضرر بالغ لبنية المجتمع السوري، وساهم في زيادة الاحتقان بين المكونات السورية، نتيجة انتهاج تركيا خطة اعتمدت على التجييش الطائفي الديني ضد الاكراد، كما لا زالت تركيا وفصائلها المسلحة تمارس مختلف أنواع الانتهاكات، التي يشكل بعضها جرائم ضد الإنسانية ويشكل بعضها الآخر جرائم حرب، فلاتزال عمليات التعذيب داخل مراكز الاحتجاز مستمرة، ولاتزال عمليات قصف المراكز الحيوية وأبرزها مراكز طبية ومدارس ومحطات المياه والكهرباء مستمرة، وماتزال الفصائل تواصل اعدام المدنيين ميدانيا، وتواصل شن المزيد من الهجمات، كما وتواصل تركيا استخدام سلاح الجو والمدفعية في قصف المدن والبلدات، وهو ما يدفع بالمزيد من المدنيين إلى النزوح، كما ولم يتم الكشف عن مصير المعتقلين الذي تجاوزت اعدادهم حتى 10 نوفمبر الحالي 3 آلاف، غالبهم من مدينة عفرين، فيما بلغ عددهم 150 شخصا خلال شهر في منطقتي تل أبيض وراس العين وريفهما، كما ولاتزال الفصائل تواصل حملات الاستيلاء على منازل المدنيين، وترفض عودة السكان تحت تهديد القتل والخطف، وتواصل الخطف والتعذيب لدفع ذويهم لدفع الفدية، وتواصل قطع الأشجار والاستيلاء على محصول الزيتون، وفرض الأتاوات، وسرقة القمح من المخازن.
رصد التقرير في غضون الأسبوع الأول لبدء جلسات اللجنة الدستورية عمليات قصف عنيفة وعشوائية التي نفذتها القوات التركية على ريف الرقة الشمالي، والغربي وريف الحسكة الغربي، مع ارتفاع وتيرة القصف على قرى في مدن عين عيسى، تل تمر، تل أبيض، رأس العين ومحيطهما في ريف الحسكة والرقة، كما شهدت مدينة تل تمر في غربي محافظة الحسكة ارتفاعاً ملحوظاً في وتيرة الهجمات الأرضية في الأيام الثلاثة الأخيرة في محاولة من الفصائل للسيطرة عليها، حيث يقطنها غالبية من “الأشور، المسيحيين”. وقد بلغ عدد الهجمات الأرضية التي وثقها التقرير في غضون هذا الأسبوع قرابة 45 هجوماً.
وبلغت إحصاء الخروقات التركية منذ اعلان وقف اطلاق النار، حيث تعقد اللجنة الدستورية لقاءاتها، بدون ذكر أن منطقة سوريا تتعرض للقصف، ولا البحث عن مصير 350 ألفا من السكان الذين نزحوا منذ 9 اكتوبر، ولا عن مصير 400 مصاب، وسقوط 140 مدنيا.
الخروقات الموثقة لانتهاك وقف إطلاق النار تسببت في زيادة من حجم الكارثة الإنسانية، حيث شن الجيش التركي والمسلحين التابعون له 190ى هجوما منذ سير عملية وقف إطلاق النار، وتم قصف 82 موقعا بطائراته المسيّرة، وقصفت المدفعية الثقيلة 110 موقعاً آخر خارج منطقة العمليات العسكرية المتفق عليها.
كما وسيطرت تركيا منذ يوم وقف إطلاق النار على مساحة جغرافية تقدر بـ 1150 ألف ومئة كم مربع تضم 59 قرية بالإضافة إلى العديد من المزارع والقصبات في كل من شمال بلدة عين عيسى وشرق مدينة كوباني وشرق بلدة رأس العين وشمال غرب تل تمر.
وتسبب هجومها من خلال خروقاتها المتكررة لنزوح قرابة 300 ألف مدني، ومقتل 240 شخصا، وإصابة 400 بجروح، بينهم 45 حالة بتر أطراف، كما قتل 182 من مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية في تلك الهجمات، واصيب 243 بجروح رغم انسحابهم من منطقة العمليات إلى الخطوط وفق الإتفاقية الأمريكية، التركية، الروسية.
استعرض التقرير حصيلة أبرز الانتهاكات التي ارتكبتها القوات التركية وفصائلها منذ بدء انعقاد جلسات أعمال اللجنة الدستورية في 30/ تشرين الأول/ 2019 حتى 6/ تشرين الثاني/ 2019.
وطبقاً للتقرير فإن عدد القتلى من المدنيين بلغ 15 شخصا بينهم 3 نساء، وطفلين في المناطق الخاضعة لسيطرة تركيا غربي الفرات، ضمن حالة عامة من الفلتان الأمني، والفوضى وغياب الاستقرار وانتشار السلاح، ومقرات الفصائل داخل المدن في عفرين، الباب، اعزاز، جرابلس. كما وقامت الفصائل التابعة لتركيا باعتقال 22 شخصا، بينهم 4 نساء ونفذت الفصائل 8 حالات قصف بالمدفعية، الهاون على قرى وبلدات في ريف حلب، قرب تل رفعت.
شرق الفرات، تم توثيق مقتل 140 شخصا، بينهم 19 امرأة، و 11 طفلا، منهم 11 شخصا تم إعدامهم ميدانيا منذ بدء الهجوم التركي على منطقتي تل أبيض ورأس العين وقراهما، منهم صحفيين، وطواقم طبية. فيما بلغ عدد الأشخاص الذين تم اعتقالهم ( 80 ) شخص/ وتعرض ( 9 ) أشخاص للتعذيب، من بين المعتقلين 9 نساء، ووصلت حالات المطالبة بفدية مالية للافراج عن المختطفين 6 حالات، تم تحرير 5 منهم، وصلت المبالغ المدفوعة إلى 20 ألف دولار لأحدهم.
كما سجل التقرير ما لا يقل عن 17 حادثة اعتداء على مراكز حيوية مدنية على يد الفصائل التابعة لتركيا “الجيش الوطني”، بينها 4 على مدارس و 2 على منشآت طبية، و2 على مكان عبادة، و5 مؤسسات خدمية، و2 محطات كهرباء، و1 محطة مياه، و3 جسور، وقصف 2 نقاط طبية القوات التركية هي المسؤولة عنها بشكل مباشر، كونها تستخدم سلاح الجو والقصف.
أكد التقرير أن القوات التركية والفصائل التابعة لها، تنفذ بالضبط التعليمات التركية، وأن كل الانتهاكات تجري تحت أعين الجنود الأتراك وبمشاركتهم وهو خرق بشكل لا يقبل التَّشكيك لقراري مجلس الأمن 2139 و2254 القاضيَين بوقف الهجمات العشوائية، وخرقت عدداً واسعاً من قواعد القانون الدولي الإنساني العرفي، وأيضاً انتهكت عبر جريمة القتل العمد المادتين السابعة والثامنة من قانون روما الأساسي؛ ما يُشكل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، كما وانتهكت بنود اتفاقية الهدنة بينها وبين الولايات المتحدة 17 أكتوبر، وبينها وبين روسيا 30 أكتوبر.
مشيراً إلى أن عمليات القصف والتي ماتزال متواصلة، قد تسبَّبت بصورة عرضية في حدوث خسائر طالت أرواح المدنيين أو إلحاق إصابات بهم أو في إلحاق الضرَّر الكبير بالأعيان المدنيَّة. وهناك مؤشرات قوية جداً تحمل على الاعتقاد بأنَّ الضَّرر كان مفرطاً جداً ومتعمدا، كما أن الهجمات لم تميز بين المدنيين والعسكريين في أغلب الحالات، ويبدو أن بعض الهجمات تعمدت استهداف مراكز حيوية ومناطق مدنية لدفع المدنيين إلى النزوح.
ونوَّه التقرير إلى موافقة الدول بالإجماع في قمة عام 2005 على مسؤولية كل دولة عن حماية سكانها من الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، مؤكداً أن هذه المسؤولية تستلزم منع هذه الجرائم، ومنع التحريض على ارتكابها بكافة الوسائل الممكنة، وعندما تخفق الدولة بشكل واضح في حماية سكانها من الجرائم الفظيعة، أو تقوم هي بارتكاب هذه الجرائم كما في حالة النظام السوري، فإن من مسؤولية المجتمع الدولي التدخل باتخاذ إجراءات حماية بطريقة جماعية وحاسمة وفي الوقت المناسب.
طالب التقرير المبعوث الأممي إلى سوريا بإدانة مرتكبي الجرائم والمجازر والمتسببين الأساسيين في عرقلة العملية السياسية.
وإعادة تسلسل عملية السلام وتصحيحها وتصحيح تغييب ممثلين عن قوات سوريا الديمقراطية عن لقاءات جنيف، الاستانة، لجنة صياغة الدستور لتصبح بشكلها الطبيعي بعد محاولات تركيا تشويهها مرارا من خلال فرض فيتو على حضورهم، بحضور ممثلين حقيقيين عن الكرد وهو ما يعني اقصاء لأحد المكونات السورية الأصيلة، وتغييب لجهة عسكرية، سياسية تسيطرة على قرابة ثلث مساحة سوريا.
وأشار التقرير إلى ضرورة الطلب من تركيا وفصائل المعارضة التابعة لها التوقف عن كافة الانتهاكات وتأمين إجراءات حسن النية عن طريق إيقاف القصف وكشف مصير المختفين قسرياً على أقل تقدير وسحب العسكريين من المدن والسماح بعودة السكان.
كما طالب التقرير مجلس الأمن الدولي باتخاذ إجراءات إضافية بعد صدور القرار رقم 2254 وبضرورة إحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية ومحاسبة جميع المتورطين، بمن فيهم النظام الروسي بعد أن ثبت تورطه في ارتكاب جرائم حرب.
وأكد على ضرورة إحلال الأمن والسلام وتطبيق مبدأ مسؤولية حماية المدنيين، لحفظ أرواح السوريين وتراثهم وفنونهم من الدمار والنهب والتخريب، وطالب كل وكالات الأمم المتحدة المختصَّة ببذل مزيد من الجهود على صعيد المساعدات الإنسانية الغذائية والطبية وتوجيه فرقها نحو منطقتي الحسكة والرقة وكوباني التي نزح إليها قرابة 300 ألف من المدنيين.
أكد التقرير على وجوب التَّحرك على المستوى الوطني والإقليمي لإقامة تحالفات لدعم الشَّعب السوري، ويتجلى ذلك في حمايته من عمليات القتل اليومي ورفع الحصار، وزيادة جرعات الدَّعم المقدمة على الصعيد الإغاثي. والسَّعي إلى ممارسة الولاية القضائية العالمية بشأن هذه الجرائم أمام المحاكم الوطنية، في محاكمات عادلة لجميع الأشخاص المتورطين.
دعا التقرير إلى تطبيق مبدأ مسؤولية الحماية (R2P)، واللجوء إلى الفصل السابع وتطبيق مبدأ مسؤولية الحماية، الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولايزال مجلس الأمن يُعرقل حماية المدنيين في سوريا.
وأوصى التقرير المفوضة السَّامية أن تُقدِّم تقريراً إلى مجلس حقوق الإنسان وغيره من هيئات الأمم المتحدة عن الانتهاكات الواردة فيه والضرر الفظيع الذي تسببته فيه تركيا عبر هجومها الغير مبرر على شمال سوريا، باعتبارها نُفِّذت من قبل طرف عضو في الأمم المتحدة .
طالب التقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة بفتح تحقيقات في الحالات الواردة فيه وغيره من التَّقارير السَّابقة، وتحديد المسؤولين عن الهجمات بشكل واضح في حال التوصل إلى نتائج ترجح ذلك، وتقديم الجناة إلى العدالة وبشكل خاص القوات التركية، وفصائلها المسلحة السورية التي تكاد تخلو تقارير لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا من حوادث تحملها مسؤولية هجمات جوية وبرية وعمليات غزو لا سيما وأن هنالك لا أقل من 14 توثيق حالة، بالفيديو عن جرائم تصنف على أنها “ضد الانسانية”.
كما طالب التقرير تركيا بالتَّوقف عن القصف والانتهاكات وخرق القانون والقواعد الدولية عبر قتل المواطنين السوريين وتدمير منازلهم وتهجيرهم واحتلال مدنهم وإخفاء وتعذيب الآلاف منهم و إيقاف عمليات القصف العشوائي واستهداف المناطق السكنية والمستشفيات والمدارس والأسواق واستخدام الذخائر المحرمة والبراميل المتفجرة، وإيقاف عمليات التعذيب التي تسبَّبت في موت مئات المواطنين السوريين داخل مراكز الاحتجاز والامتثال لقرارات مجلس الأمن الدولي والقانون العرفي الإنساني والدستور والقانون السوري.