هجوم تركيا سينشر الفوضى والتطرف في شمال شرقي سوريا

بدأت القوات الأميركية الانسحاب من شمال شرقي سوريا يوم الاثنين، متخلية فيما يبدو عن حليف رئيس لتفسح الطريق أمام هجوم يشنه الجيش التركي، يقول محللون إنه قد يقوّض الأمن في المنطقة بشدة ويُشجّع تنظيم الدولة الإسلامية على العودة من جديد.

وبعد مكالمة هاتفية بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره التركي رجب طيّب أردوغان، أعلن البيت الأبيض مساء يوم الأحد أن تركيا ستمضي قريباً في عمليتها التي ظلّت تخطط لها منذ فترة طويلة، وأن القوات الأميركية ستُخلي المنطقة.

وكانت القوات الأميركية تُسلّح وتدرب وحدات حماية الشعب في شمال شرقي سوريا. وبدعم من المدفعية والقوات الجوية الأميركية، شكّلت هذه المجموعة الكردية الجزء الأكبر من قوات سوريا الديمقراطية التي دحرت تنظيم الدولة الإسلامية في البلاد.

لكن تركيا تنظر إلى وحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية على أنهما امتداد لحزب العمال الكردستاني الذي يخوض تمرداً مسلحاً في تركيا منذ ثلاثة عقود، والمصنف كمنظمة إرهابية في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

وتقول دارين خليفة، المحلل الأول المتخصصة في الشأن السوري لدى مجموعة الأزمات الدولية، إنه إذا شنت تركيا عملية محدودة حتى، فسيكون من شأن تلك العملية الإضرار بالأمن الإقليمي، حيث ستتقلص رغبة وحدات حماية الشعب في الاستمرار في التصدي لعمليات تنظيم الدولة الإسلامية.

أضافت أنه “حتى إذا أعطت الولايات المتحدة الضوء الأخضر لهجوم عسكري في منطقة الشمال الشرقي (السوري) بالكامل، فإن هذا سيُحدث فوضى أمنية عارمة… لا أعتقد أن الولايات المتحدة لديها أي شيء تكسبه من هذا. إنهم يرفعون أيديهم، إنهم يهددون أمن وسلامة شركائهم، ويسهمون في إمكانية عودة تنظيم الدولة الإسلامية للظهور من جديد”.

وفي الأسابيع الأخيرة، دمّرت وحدات حماية الشعب الكثير من التحصينات على طول الحدود التركية، بما يتفق مع خطة أميركية تركية لتأسيس منطقة آمنة، وهو ما جعل الحدود مكشوفة بصورة أكبر أمام أي هجوم محتمل.

وقالت قوات سوريا الديمقراطية إنها أزالت التحصينات، وسحبت الأسلحة الثقيلة والقوات القتالية من المنطقة بناء على ثقتها في الولايات المتحدة. وقال مركز العمليات العسكرية لقوات سوريا الديمقراطية في تغريدة إن “تهديدات أردوغان تهدف إلى تغيير الآلية الأمنية وتحويلها إلى آلية للموت، وتهجير شعبنا وتحويل المنطقة المستقرة والآمنة إلى منطقة صراع وحرب دائمة”.

وقال البيت الأبيض أيضاً إنه لن يساعد قوات سوريا الديمقراطية بعد الآن على تحمل المسؤولية عن عناصر تنظيم الدولة الإسلامية المعتقلين وأسرهم، بما في ذلك الآف القادمين من أوروبا. وورد في البيان أن “تركيا ستكون الآن مسؤولة عن جميع مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية في المنطقة التي تم الاستيلاء عليها خلال العامين الأخيرين”.

ويتوزع نحو عشرة آلاف سجين من تنظيم الدولة الإسلامية، ومن بينهم ألفا سجين أجنبي، على مراكز الاحتجاز في شمال شرقي سوريا، بينما يُقال إن نصف سكان مخيم الهول تقريباً – والبالغ عددهم نحو 70 ألفاً – من الموالين لتنظيم الدولة الإسلامية.

وقال أردوغان في تصريحات للصحفيين في أنقرة قبل أن يتوجه إلى صربيا صباح الاثنين إن تركيا تعمل على حل لتسليم المقاتلين الأجانب من الهول إلى بلدانهم.

وذكرت وكالة الأناضول للأنباء، التي تديرها الدولة، أن الرئيس أكد أيضاً أن القوات الأميركية بدأت في الانسحاب من تل أبيض ورأس العين، وقال إن هناك مبالغات كثيرة بشأن عدد معتقلي تنظيم الدولة الإسلامية.

وقالت دارين خليفة “إذا كانت الولايات المتحدة تسلم السيطرة على هذه المخيمات ومراكز الاعتقال إلى تركيا، فإن هذا يعني أنهم يسلمون أجزاء كبيرة من المنطقة، إن لم يكونوا يسلّمونها بالكامل”.

وفرت عشرات النساء اللاتي تربطهن صلات بتنظيم الدولة الإسلامية من المخيم الشهر الماضي، ويُعتقد أنهن هربن إلى تركيا. بعد ذلك بأيام، أبلغ مظلوم كوباني، قائد قوات سوريا الديمقراطية، الصحفيين بأن قوات الأمن التابعة له في الهول اُربكت وأن تنظيم الدولة الإسلامية قد يتمكن قريباً من الاستيلاء على المخيم.

وقال الناشط السوري عمر أبو ليلى، الذي يدير منصة (دير الزور 24) المستقلة للأخبار في تغريدة باللغة الإنكليزية “فلنستعد قريباً لميلاد ثان لداعش من جديد” مستخدماً الاسم المتعارف عليه في العالم العربي لتنظيم الدولة الإسلامية.

وفي يناير، تعهد ترامب بحماية أكراد سوريا وقال في تغريدة إنه سوف “يدمر” اقتصاد تركيا إذا هاجمت الأكراد. ودخل ترامب من قبل في خلافات مع مسؤولين أميركيين بشأن خطط للانسحاب من سوريا.

وقال بريت ماكغورك، المبعوث الأميركي السابق للتحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية، في سلسلة من التغريدات بعد وقت قليل على إعلان القرار إن “دونالد ترامب ليس رئيس أركان. إنه يتخذ قرارات متهورة دون دراية أو تشاور”.

أضاف أن “تركيا ليست لديها النية، ولا الرغبة، ولا القدرة، على إدارة 60 ألف معتقل في مخيم الهول، يحذر (مسؤولون في وزارتي الخارجية والدفاع الأميركيتين) من أنهم نواة لعودة تنظيم الدولة الإسلامية”.

وتساءل آرون لوند من معهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي ما إذا كان ترامب يأمل في أن يخدع نظيره التركي بمثل هذا التحرك.

وقال في تغريدة “إذا كان لا يبدو أن هذا معقولاً، فربما أحد الأسباب هو أنه هكذا فعلاً. جزء من هذا قد يكون أن ترامب ينتقد بشدة وغضب، أو ربما حتى يخادع، فكأنما يقول لأردوغان: حسنا، إذا كانت تريد سوريا فهنيئاً لك الهول وامرح به كيفما شئت”.

وتوقّع سونير شاغابتاي، مدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، أن تتجه قوات سوريا الديمقراطية إلى الأسد طلباً للحماية. وقالت خليفة إن الأرجح أن وحدات حماية الشعب ستنشر عدداً كبيراً من أفراد قواتها القتالية الأساسية في الشمال لتأمين المناطق المكشوفة أمام الجيش التركي.

أضافت أن “هذا سيؤدي إلى انهيار فوري في شبكات الأمان في هذه المنطقة، والتي ظلّت تشكل حائط صد يحول دون عودة تنظيم الدولة الإسلامية.”

وأقرت خليفة بأن تركيا لم تكن أبداً لتقبل بشراكة طويلة الأجل بين واشنطن ووحدات حماية الشعب، وحقيقة وجود مجموعة مرتبطة بحزب العمال الكردستاني على الحدود. لكنها قالت “أعتقد أيضاً أن التحول إلى النقيض تماماً وإعطاء الضوء الأخضر لعملية عسكرية يُعرّض مصالح الولايات المتحدة الأمنية للخطر”.

وقال أردوغان إنه كان يخطط لإعادة توطين ما يصل إلى مليوني نسمة من أصل 3.5 مليون لاجئ سوري في تركيا في هذه المنطقة، وقال محللون إن من شأن هذا تغيير التركيبة السكانية للمنطقة ذات الأغلبية الكردية وتحويلها إلى منطقة ذات أغلبية عربية.

وقال نديم حوري، المدير التنفيذي لمبادرة الإصلاح العربي، في تغريدة “الصحفيون والمحللون يتساءلون ماذا يحدث في الهول وما يتعرض له الكثير من الأجانب…. لكن من يسأل ماذا سيحدث للسكان (المحليين)… هل هناك خطة لهم؟”
المصدر

-------------------------------

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا عن طريق إرسال كتاباتكم عبر البريد : vdcnsy@gmail.com

ملاحظاتك: اقترح تصحيحاً - وثق بنفسك - قاعدة بيانات

تابعنا : تويتر - تلغرام - فيسبوك