عمل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في كلمته، الثلاثاء، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، على توظيف صورة الطفل السوريّ آلان الكردي الذي مات غرقاً ووجد مرمياً على ساحل تركي، لإثارة الرأي العام ودفع الدول الأوروبية للرضوخ لابتزازه لها بورقة اللاجئين التي يعيد تجديدها واستعمالها.
وقال أردوغان في معرض حديثه عن آلان الكردي، وتذكيره بمأساة المهاجرين واللاجئين، إنّ “العالم نسي بسرعة الطفل السوري آلان كردي.. لا تنسوا قد يدور الزمان وتصبحون أنتم أيضا في موقف مماثل”.
وآلان الكردي الطفل ذو الثلاثة أعوام، الذي غرق في سبتمبر 2015، قبالة السواحل التركية، وشكّلت صورته صدمة كبرى للعالم، كان مرمياً على شاطئ تركي، ومن المفترض أن تتمّ مساءلة السلطات التركية عن الحادث التي تتحمّل المسؤولية، لا إنكار المسؤولية وتحميل الآخرين أعباءها، بحسب ما يشير محلّلون.
وحاول الرئيس التركي الإيحاء أنّ غرق الطفل هو بسبب إهمال المجتمع الدوليّ وتملّصه من المسؤولية، في حين أنّه كان في الفترة التي كانت السلطات التركية تغضّ النظر عن المهرّبين واللاجئين، وتسمح بعبور قوارب الموت المحمّلة باللاجئين إلى الجزر اليونانية، وعملت على زيادة تدفّق اللاجئين إلى الأراضي الأوروبية للضغط على الحكومات الأوروبية لتوقيع اتفاقية الهجرة معها، وتحصيل ما يمكنها من مساعدات مالية، وتسهيلات تجارية وغير ذلك من المكتسبات التي حاولت جنيها.
وتجاهل أردوغان أنّ غرق الطفل آلان، وغيره المئات من السوريين، أطفالاً ونساء ورجالاً، كان في حدود بلاده، وأنّ تركيا تتحمّل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن غرقه، وليس المجتمع الدولي، لأنها يجب أنّ تكون ملزمة بحماية حدودها، وعدم استعمال اللاجئين كأوراق ابتزاز واستغلال وضغط، وليس الاستخفاف بحياتهم وتركهم يغامرون برحلات خطيرة في البحر، وذلك من أجل تحصيل مكتسبات وامتيازات معينة.
ولم يذكر أردوغان أن آلان الكردي كان برفقة والديه وأخيه حين كانوا يحاولون الوصول إلى اليونان بواسطة قارب صغير انطلق من سواحل تركيا، وكان القارب يحمل عشرات اللاجئين السوريين الذين تقطعت بهم السبل في تركيا، بعد أن فرّوا من جحيم الحرب في بلادهم؛ الحرب التي ساهم أردوغان بقسط كبير في تأجيجها وإبقائها مستعرة لسنوات، بعد فتحه الحدود والمطارات أمام الجهاديين القادمين من كل مكان للقتال في سوريا إلى جانب التنظيمات الإرهابية المتشددة التي كانت على تنسيق وتعاون مع تركيا، كالقاعدة وداعش وجبهة النصر..
كما لم يذكر أردوغان أنّ آلان الكردي ينحدر من مدينة كوباني الكردية في سوريا، والتي لعب أردوغان نفسه دوراً في تدميرها، من خلال دعم تنظيم الدولة الإسلامية؛ داعش، لشنّ هجوم عليها ومحاصرتها سنة 2014، ما دفع كثيراً من أبناء المدينة من الأكراد المستهدفين من قبل مقاتلي داعش لترك مدينتهم والتوجّه إلى تركيا التي لم يحظوا فيها بأيّ أمان أو رعاية، بحسب ما يشير مراقبون للشؤون التركية.
ولم يتطرّق أردوغان إلى التضييق الذي كانت تتعرّض له عائلة الطفل آلان الكردي في تركيا، والأسباب التي دفعتهم للمجازفة بأرواحهم وركوب قوارب الموت، كغيرهم من الآلاف من اللاجئين السوريين، الذين لم يشعروا بالأمان ولم يحصلوا على الرعاية والحماية في تركيا.
وحرص أردوغان على أن يمهّد من خلال صورة آلان الكردي لخطّته بإنشاء المنطقة الآمنة المزمعة على الحدود التركية السورية، في إشارة منه إلى أنّها ستؤمّن الحماية والأمان لعدد كبير من السوريين، وأنّها ستحدّ من الهجرة إلى أوروبا.
وركّز على المنطقة الآمنة التي يطالب بإنشائها بالتعاون مع الولايات المتحدة، وحذر من تدفق جديد للاجئين، وأكّد أن تركيا لا يمكنها تحمّل موجة هجرة جديدة، وقال إنه بالتعاون مع أميركا وقوات التحالف وروسيا وإيران، يمكننا نقل اللاجئين من المخيمات إلى المنطقة الآمنة. وقال كذلك: إذا تمكنا من مد عمق المنطقة الآمنة إلى خط دير الزور الرقة، بوسعنا رفع عدد السوريين الذي سيعودون من بلادنا وأوروبا وبقية أرجاء العالم إلى 3 ملايين.
ولم يغفل أردوغان عن لبّ الموضوع الذي يشكّل هاجساً مقلقاً له، وهو تحصيل أكبر قدر ممكن من الدعم المادي من أجل إنعاش اقتصاده المتهالك، وطالب في هذا السياق بـ”تنظيم مؤتمر للمانحين بقيادة الأمم المتحدة لدعم عمليات عودة اللاجئين إلى المناطق الآمنة. وقال: وصلنا 3 مليارات يورو من الاتحاد الأوروبي كدعم مالي من أجل اللاجئين السوريين”.
ويشير محللون إلى أنّ أردوغان يواصل ممارسة أسلوبه المكشوف بشعبويته المعهودة، ويعمل على استغلال العواطف من أجل تمرير رسائله السياسيّة، وكان وهو يتاجر بصورة الطفل آلان الكردي، يعمل على تجريده من هويّته الكردية، ولاسيّما أنّه يشهر عداءه للأكراد في سوريا وتركيا، ويرفض أيّ اعتراف بحقّهم في العيش بحرّيّة وكرامة.
ويلفتون كذلك إلى أنّه ينطبق عليه المثل القائل “يقتل القتيل ويمشي بجنازته”، وأنّه كان قد تسبّب بتهجير عشرات الآلاف من الأكراد من عفرين بعد غزوها، وتسليط جماعات سوريّة متشدّدة تابعة لها على أبناء المنطقة، ومعاقبتهم لا لشيء إلّا لأنّهم أكراد، وقبل ذلك كان قد دعم الإرهابيين لمهاجمة كوباني وتهجير سكّانها منها، بذريعة محاربة القوات الكردية التي تسيطر على المنطقة، والتي تعتبرها تركيا تابعة لحزب العمال الكردستاني الذي تصنّفه على لائحة الإرهاب.
توظيف الحرب السورية:
لا يوجد في الخطاب الرسمي لحكومة حزب العدالة والتنمية ما يسبق تكرار قضية وجود الملايين الثلاثة من اللاجئين السوريين الذي شردتهم الحرب عن ديارهم واجبرتهم على الأستيطان في تركيا وهي الحرب التي لعبت وتلعب تركيا دورا في تاجيجها كاحد اهم داعمي الجماعات المسلحة المصنفة بعضها على قوائم المنظمات الإرهابية من قبل الأمم المتحدة.
الحكومة التركية تستخدم هذه الورقة الرابحة وسيلة ضغط في جميع الاتجاهات.
لهذا كله لم يكن مستغربا أن تنتقل القصة إلى أروقة الأمم المتحدة وذلك على هامش اعمال الجمعية العامة المنعقدة حاليا.
وفي هذا الصدد قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إنه يمكن إعادة 3 ملايين لاجئ سوري إلى بلادهم حال توسع المنطقة الآمنة.
كلمة أردوغان جاءت في خطاب ألقاه بالدورة الـ 74 للجمعية العامة للأمم المتحدة بمدينة نيويورك الأمريكية.
وقال إنه “في حال مد عمق المنطقة الآمنة إلى خط دير الزور- الرقة، بوسعنا رفع عدد السوريين الذي سيعودون من بلادنا وأوروبا وبقية أرجاء العالم إلى 3 ملايين”.
وأوضح الرئيس التركي أن بلاده لا يمكنها تحمّل موجة هجرة جديدة إليها من سوريا، وبيّن أن إرساء الاستقرار في سوريا سينعكس بشكل إيجابي على جارتها العراق أيضا.
وأشار إلى أن بلاده تبذل جهودا من أجل إقامة منطقة آمنة للسوريين في بلادهم.
وأوضح أردوغان إمكانية تنظيم مؤتمر للمانحين بقيادة الأمم المتحدة لدعم عمليات عودة اللاجئين إلى المناطق الآمنة.
وحول الأوضاع في منطقة إدلب شمالي سوريا، قال الرئيس التركي إن التفاهم الذي أبرمته بلاده مع روسيا في مدينة سوتشي، ما زال ساريا.
وأكد “ضرورة درء أي مجازر في إدلب ومنع حدوث موجة هجرة جديدة محتملة منها”.
وفيما يتعلق بتشكيل اللجنة الدستورية المعنية بصياغة دستور جديد لسوريا، قال أردوغان إنه “يتعين تفعيل اللجنة الدستورية التي نراها هامة للغاية من أجل ضمان سلامة تراب سوريا ووحدتها السياسية بصورة فاعلة ومثمرة”.
وأشار الرئيس التركي إلى أن بلاده أنقذت 32 ألف مهاجر غير نظامي من الغرق خلال أول 8 أشهر من العام الحالي، وأرسلت 58 ألف مهاجر من غير السوريين إلى بلدانهم في هذه الفترة.
وشدد أن العالم نسي بسرعة الطفل السوري آيلان كردي (الذي غرق قبالة السواحل التركية)، مضيفا “لا تنسوا قد يدور الزمان وتصبحون أنتم أيضا في موقف مماثل”.
وأكد إلى الحاجة إلى إدارة الاتفاق العالمي بشأن اللاجئين والمهاجرين بشكل فاعل، داعيا العالم برمته إلى المبادرة من أجل وقف الأزمة الإنسانية في سوريا ودعم جهود تركيا.
وقال إنه “لا يمكننا إيجاد حل دائم للمسألة السورية دون تكريس مفهوم يقف على مسافة واحدة من كافة المنظمات الإرهابية”.
وأضاف “بالتعاون مع أمريكا وقوات التحالف وروسيا وإيران، يمكننا نقل اللاجئين من المخيمات إلى المنطقة الآمنة”.
وأشار الرئيس التركي إلى جهود بلاده في مكافحة الإرهاب، مؤكدا أن تركيا هي من أطلقت عملية انهيار تنظيم داعش الإرهابي في سوريا على حد تعبيره وهو ما يناقض الحقائق بوجود دعم استخباراتي ولوجستي تركي لذلك التنظيم إبان صعوده كما لا يخفى أن تدفق الاف من الذين التحقوا بتنظيم داعش الارهابي تم عبر الاراضي التركية وبعلم السلطات التركية.