في أعقاب الإجراءات الجديدة التي اتخذتها الحكومة التركية للقضاء على المهاجرين غير الشرعيين، يقول السوريون في مقاطعة إزمير بغرب البلاد إنهم باتوا أمام خيارين، إما البقاء والعيش في خوف، أو محاولة عبور البحر المحفوف بالمخاطر والوصول إلى أوروبا.
وإزمير ثالث أكبر مدينة في تركيا ويقطنها 144230 سورياً مسجلاً، وقد كانت على مدى سنوات منصة انطلاق رئيسة للأشخاص الذين يأملون في الوصول إلى الجزر اليونانية القريبة ومنها إلى غرب أوروبا.
يقول كثيرون من السوريين إنهم خائفون للغاية من مغادرة منازلهم بعد أن كثفت وزارة الداخلية إجراءات اعتقال المهاجرين غير الشرعيين وترحيلهم. وقد تم ترحيل عدد من السوريين إلى محافظة إدلب السورية حيث تدعم تركيا الجهاديين الذين يقاتلون الحكومة السورية.
وحدد مكتب حاكم إسطنبول يوم 20 أغسطس موعداً نهائياً للسوريين المسجلين في مقاطعات أخرى للعودة إلى هناك أو مواجهة إجراءات عقابية. وقال يوم الاثنين إنه سيشن حملة على الشركات التي توظف السوريين بشكل غير قانوني.
وعلى الرغم من أن مكتب حاكم إزمير لم يعلن عن مثل هذه الإجراءات، إلا أن السوريين في المدينة الواقعة على بحر إيجة قالوا إن أصحاب العمل يمارسون ضغوطاً أكبر عليهم للعمل لساعات أطول، ويهددون بإبلاغ الشرطة عنهم، وقالوا إن أصحاب المنازل رفعوا قيمة الإيجارات.
صالح علي، رئيس جمعية التضامن مع اللاجئين السوريين، سوري انتقل إلى أزمير قبل نشوب الحرب. وقال إن بعض السوريين لديهم سبب لعدم التسجيل.
وقال علي “أولاً وقبل كل شيء، اعتقد معظم السوريين في بداية الأمر أنهم سيعودون بعد وقت قصير. ثانياً، ثمة أسباب ثقافية أيضاً. على سبيل المثال، الضوم، السكان الغجر في سوريا، ظلوا دائماً بعيداً عن الوضع الرسمي. كان هؤلاء الأشخاص يعيشون أيضاً في سوريا دون تسجيل”.
وتابع قائلاً إن السبب الثالث يتمثل في أن العديد من السوريين ما زالوا يأملون في الوصول إلى أوروبا وبالتالي لا يسجلون أنفسهم.
وقال رجل سوري من حلب إن عائلته تجنبت التسجيل في البداية لأنهم ظنوا أنهم سيعودون إلى ديارهم قريباً.
وأضاف الرجل الذي طلب عدم ذكر اسمه “لم افتح أنا وعائلتي حقائبنا في الأشهر الأولى هنا … كنا نظن أننا سنعود في أي لحظة. أتمنى أن نتمكن، ولكن ليس في ظل هذه الظروف، ليس في وسط القصف”.
وأردف قائلاً إن التسجيل لا يغير كثيراً بالنسبة للسوريين، إلا إذا كان لديهم أطفال في سن الدراسة، لأن للاجئين يمكنهم العثور على عمل فقط في القطاع غير الرسمي على أي حال.
وقال “لم نواجه الكثير من المشاكل إلا في الوقت الراهن. الآن نحن خائفون من الخروج. أقاربنا يشترون لنا البقالة. نحن نعيش مثل السجناء منذ شهر”.
وفي الفترة من عام 2011 إلى عام 2016، تبنت تركيا سياسة الباب المفتوح أمام اللاجئين السوريين، مما منحهم وضع الحماية المؤقتة. ويعيش ما لا يقل عن 3.6 مليون لاجئ سوري الآن في تركيا. وفي عام 2014، قدمت تركيا لائحة الحماية المؤقتة، التي تستند إلى ثلاثة مبادئ: سوف تبقي تركيا حدودها مفتوحة لأولئك الذين يبحثون عن الأمان، ولن يتم إرسال أي فرد من سوريا إلى دياره دون إرادته، وسيتم الوفاء بالاحتياجات الإنسانية الأساسية للأشخاص الفارين من الحرب. وبدأ تسجيل السوريين بعد تطبيق اللائحة.
وقالت عايدة بيكجي، الرئيسة السابقة لجمعية اللاجئين، إن السلطات في إزمير لم تقم بتسجيل السوريين منذ ستة أشهر. وقالت إن القانون التركي والاتفاقيات الدولية تحظر إعادة اللاجئين إلى مناطق الحرب، لكن قرار الحكومة عام 2016 جعل من السهل على السلطات ترحيلهم بشكل تعسفي.
وقالت بيكجي “لقد أضافوا بعض الأسباب المفتوحة للترحيل مثل الصحة العامة والنظام العام والارتباط بمنظمة إرهابية”. وأضافت أن الخضوع لتحقيق الشرطة أو لجزء من أي محاكمة جارية الآن يعد كافياً للترحيل. وقالت “حتى اللاجئ المتحول جنسياً الذي يتناول مشروباً في حانة يمكن ترحيله لتهديده الصحة العامة”.
وقالت الحكومة التركية إن عمليتيها العسكريتين الرئيسيتين عبر الحدود في سوريا منذ عام 2016 كانتا لضمان عودة السوريين بأمان. وفي العام الماضي، انتزعت القوات التركية وحلفاؤها الإسلاميون السوريون السيطرة على منطقة عفرين بشمال غرب البلاد من القوات السورية الكردية.
وذكرت مجموعة من اللاجئين الأكراد غير المسجلين من عفرين، الذين يعيشون في إزمير، أنها على علم بأربع عائلات كردية تم ترحيلها من إسطنبول.
وقالت إحدى النساء بعد أن طلبت عدم ذكر اسمها “اسمي اسم كردي شائع الاستخدام هنا. لكنني أكذب كلما سأل أحدهم عن اسمي، حيث لا يلقى الأكراد والسوريون معاملة البشر في هذا البلد”.
وأضافت “نحن ندفع إيجاراً قيمته 800 ليرة (144 دولاراً) شهرياً مقابل غرفة واحدة. زوجي يعمل أكثر من 12 ساعة في اليوم. يجعلوننا نقوم بجميع الأعمال الرديئة، لكنهم يصدقون أيضاً أكذوبة أن السوريين يعيشون عيشة مريحة … أتمنى لو أننا هربنا إلى أوروبا في البداية. لست متأكدة مما إذا كان بإمكاننا فعل ذلك الآن، لكننا تعبنا من العيش مثل السجناء في المنزل. لا نريد أن تتم إعادتنا مرة أخرى إلى وسط منطقة حرب”.
وغادر مئات الآلاف من السوريين تركيا متوجهين إلى دول الاتحاد الأوروبي في عام 2015 في إطار موجة من المهاجرين الفارين من الصراع والفقر. وقد أبرم الاتحاد الأوروبي وتركيا صفقة في عام 2016 تهدف إلى وقف تدفق المهاجرين. وتعهد الاتحاد الأوروبي بتقديم ثلاثة مليارات يورو لتركيا لمساعدة اللاجئين وتعهدت تركيا بزيادة الأمن على طول حدودها.
وقال علي، المدافع عن اللاجئين، إن السوريين يتعرضون الآن للتهديد من قبل أصحاب العقارات وأرباب العمل وحتى جيرانهم، ويمكن أن تندلع مشاكل خطيرة بسهولة بينهم.
واختتم بقوله “السوريون الذين يخشون أن تتم إعادتهم يمكنهم العودة مرة أخرى إلى أوروبا. هناك مثل عربي يقول إن هناك خيارين أحلاهما مر. هذا ما يمر به السوريون الآن”.
المصدر