نشرت منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” تقريرا تضمن شهادات عن تعذيب تعرض له معتقلون في سجن تديره فصائل مسلحة تدعمها أنقرة شمال سوريا.
سُجّلت حالتا قتل تحت التعذيب في سجون فصائل المعارضة المسلحة المدعومة من أنقرة في منطقتي جرابلس وعفرين، وذلك خلال الفترة الواقعة بين 20 كانون الثاني/يناير و4 شباط/فبراير 2019، وكانت الحادثة الأولى قد وقعت بحق مقاتل في “فيلق الشام” وتم إصدار حكم في قضية مقتله من قبل “لجنة تحكيم شرعية”، في حين ما يزال التحقيق في قضية مقتل مدني آخر تحت التعذيب قيد التحقيق حيث تقدّم ذووه بدعوى قضائية وذلك وفق شهادات حصلت عليها سوريون من أجل الحقيقة والعدالة.
القتلى الاثنان هما “محمد العتر” مقاتل في صفوف “فيلق الشام” والمدني “مهند ذياب قاسم”….
أولاً: قضية مقتل المدني “مهند ذياب القاسم” تحت التعذيب في سجن يتبع لـ”الشرطة العسكرية”بجرابلس:
تعرض الشاب “مهند ذياب القاسم” للقتل تحت التعذيب خلال فترة احتجازه في مقر “الشرطة العسكرية” التابعة لوزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة، بتهمة أنه عسكري لدى القوات النظامية السورية، وذلك بتاريخ 4 شباط/فبرير 2019، بعد تعرضه لتعذيب شديد على يد ضباط يتبعون لـ”حركة أحرار الشام الإسلامية” بعد أن تم اعتقاله عند “حاجز عون الدادات” قادماً من محافظة حمص عبر طريق منبج.
1-تفاصيل الحادثة:
تحدث الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة و العدالة إلى أحد شهود العيان المقربين من القتيل “مهند قاسم” حيث رفض كشف هويته لأسباب أمنية، وروى تفاصيل الحادثة حيث قال:
” تحدث معي أهل مهند وطلبوا مني نقله من منطقة الحولة بمحافظة حمص إلى مدينة جرابلس، ومهند كان مجنداً في الجيش السوري/القوات النظامية السورية، منذ عام 2012 وتم تسريحه من الخدمة العسكرية الإلزامية عام 2018 وكان يخدم في ريف السويداء، وتم طلبه مجدداً للخدمة الاحتياطية ولذلك طلب مني أهله أن أنقله من حمص إلى جرابلس، وبالفعل حدث ذلك حيث أمنّت له سيارة نقلته من حمص إلى حلب ضمن مناطق الإدارة الذاتية الكردية ومنها إلى حاجز عون الدادات الواصل بين مناطق الإدارة الذاتية وفصائل درع الفرات. لقد عبر مهند على عشرات الحواجز التابعة للقوات النظامية السورية والإدارة الذاتية ولم يوقفه أحد، وعند حاجز عون الدادات الذي تديره حركة أحرار الشام والمسؤول عنه شخص يدعى أبو قصي حبوش، قال إنه مطلوب كونه عسكري مع النظام وهذا غير صحيح، وقام أبو قصي بالقاء القبض عليه وطلب منا دفع ألف دولار أمريكي لإخلاء سبيله فرفضنا، وقام باحتجازه ضمن مقر الشرطة العسكرية بجرابلس، وخلال عشر أيام حاولت زيارته وتم منعي من ذلك حتى تاريخ 2 شباط/فبراير 2019 حين أخبرني النقيب أسامة أنه يمكنني زيارته يوم الأحد وذهبت وقطعت وصل زيارة بقيمة 500 ليرة سورية، وأخذت معي طعام وملابس، رأيت مهند لمدة خمس دقائق وكان متعباً جداً وعليه آثار ضرب شديد وبدا عليه التورم وآثار الكدمات. لم يسمح لنا الضابط المسؤول عن الزيارة (النقيب أبو حمزة) بالحديث بأي شيء ولم يسمح له بأخذ الطعام والملابس، ولم يسمح لمهند بالتحدث مع والده عبر هاتفي، فقمت انا بالتحدث مع والد مهند وأخبرته أنه بخير، ومن ثم تحدثت إلى شخص يدعى أبو خالد وهو الكاتب الخاص بالقاضي العسكري ووعدني أنه خلال أربع أيام يمكننا التقدم بطلب إخلاء سبيل لمهند ويتم إطلاق سراحه.”
وتابع الشاهد قائلاً: “في مساء يوم الأحد الساعة 12 منتصف الليل تقريباً، اتصل بي النقيب أسامة وطلب مني الحضور إلى مقر الشرطة العسكرية وذهبت، وهناك قال لي إن مهند مريض جداً ويحتاج دواء، فذهبت واشتريت له حبوب بروفين ومضادات حيوية وعدت للمنزل، وبعد نصف ساعة اتصل بي والد مهند وأخبرني أن مهند قد مات وأن شخصاً من طرف العقيد أحمد عثمان أبلغه بوفاة مهند، وبعد عدة دقائق اتصل بي النقيب أسامة مجدداً وطلب مني الحضور للشرطة العسكرية لاستلام الجثة، وهناك رأيت تقرير الطبيب الشرعي وقد كتب فيه أن سبب الوفاة هو حدوث “فشل كلوي” وبسبب البرد، وهذا أمر غير صحيح؛ فرفضت استلام الجثة لحين حضور أطباء يختارهم أهل القتيل أو أنا فرفض النقيب ذلك واتصل بي والد مهند وأنا هناك وطلب مني استلام الجثة ودفنها، ففعلت ذلك ومعي أحد أقارب مهند.”
وقال الشاهد إن الأشخاص المسؤولين عن مقتل “مهند ذياب القاسم” هم “أبو قصي حبوش مدير حاجز عون الدادات والنقيب كفاح وأبو شام شامية، وهما يعملان ضمن الشرطة العسكرية ويتبعان لحركة أحرار الشام الإسلامية.”
2-موقف ذوي القتيل والتقدم بدعوى قضائية:
قال شاهد العيان المذكور سابقاً إن أهل مهند مقيمون في منطقة عفرين وقرروا التقدم بدعوى قضائية أصولاً ضد الأشخاص المسؤولين عن مقتل ابنهم في الشرطة العسكرية وضد الأطباء الشرعيين الذين وقعوا على تقرير الطب الشرعي لجثة مهند، ولم تتكمن سوريون من أجل الحقيقة والعدالة من الحصول على تقرير الطب الشرعي وستعرضه حال الحصول عليه مع مستجدات القضية.
ونشر مركز VDC-NSY مقطعاً مصوراً لجثة “مهند ذياب القاسم” تظهر عليه بشكل واضح آثار الضرب والتعذيب والتورم. (وتم أخذ بعض الصور من مقطع الفيديو المنشور):
ثانياً: قضية مقتل المقاتل “محمد العتر” في سجن فصيله “فيلق الشام” بعفرين:
تعرض المقاتل “محمد العتر” العامل في فصيل “فيلق الشام” للقتل تحت التعذيب في سجن يتبع للفصيل في قرية ميدان أكبس بمنطقة عفرين يوم 21 كانون الثاني/يناير 2019، وذلك على يد عدد من السجانين والمحققين على خلفية اتهامه بسرقة، وأصدرت “لجنة تحكيم الشرعية” شكلتها “فيلق الشام” خصيصاً لهذه القضية أحكاماً بالحبس ودفع دية القتيل على الأشخاص المسؤولين عن مقتل “العتر”، حيث اعتبرت اللجنة أن القضية تندرج تحت “القتل شبه العمد”، وصدر الحكم يوم 5 شباط/فبراير 2019.
1- تفاصيل الحادثة:
تحدث الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة العدالة إلى أحد الأشخاص المقربين من المقاتل الذي قضى تحت التعذيب والذي كان مطلعاً على مجريات القضية ورفض كشف هويته لأسباب أمنية، حيث قال:
“خلال الاقتتال الذي دار بين هيئة تحرير الشام وفصائل من المعارضة، وقعت اشتباكات بين عناصر من تحرير الشام ومجموعة من فيلق الشام في قرية دير بلوط في يوم 3 كانون الثاني/يناير 2019، وخلال هذه الاشتباكات قُتل قائد المجموعة واسمه محمد الأبرش، وحين تم نقل جثته إلى مقر الفيلق كانت الجثة قد تعرضت للسرقة فقد تم سرقة مسدسه الشخصي ومبلغ من المال كان بحوزته، وتم اتهام المقاتلين ضمن مجموعته بذلك واعتقال عدد منهم، وخلال التحقيق اعترفوا بالسرقة وقالوا أن محمد العتر هو من سرق وتم جلب المسروقات التي كانت بحوزتهم كما تم استدعاء محمد العتر إلى التحقيق.”
وتابع قائلاً:
“لقد تم تعذيب محمد العتر في مفرزة الفيلق الواقعة في قرية ميدان أكبس بشكل متواصل منذ الساعة السابعة مساءً وحتى الساعة الثانية ليلاً، وقد تناوب على عملية التعذيب والتحقيق معه أربعة محققين بأمر مباشر من رئيس المفرزة الأمنية أحمد الحسن أبو عبد الله، لقد كان محمد العتر عنيداً ولم يعترف بشيء حتى مات تحت التعذيب.”
وتحدث شاهد عيان آخر -وهو شخص كان معتقلاً مع محمد العتر وشهد وفاته- حيث قال:
“أنا كنت في السجن مع محمد العتر بسبب حادثة شجار بيني وبين شخص آخر، لقد كنت شاهداً على التعذيب الذي تعرض له، لقد علقوه على باب الزنزانة وكل ربع ساعة كان يدخل شخص ويضربه، لقد خلعوا عنه كافة ملابسه عدا اللباس الداخلي وقاموا بفتح النوافذ وكان الجود بارداً جداً، طلب مني محمد أن أساعده على شرب الماء وطلب مني أن آخذه إلى الحمام فقلت له إني إن أخذتك إلى الحمام فإنهم سوف يعلقوني مكانك، ولم يستطع محمد تمالك نفسه أكثر فقام بالتبول مكانه، في حوالي الساعة 2 ليلاً شعرت به ينازع وكنت أشاهده حتى فارق الحياة، لقد تم استدعائي للتحقيق حول الحادثة وقد شهدت بكل ما رأيت وأخبرتهم عن العناصر المناوبين الذين ضربوه وعذبوه.”
صورة لجثة المقاتل “محمد العتر” الذي قتل تحت التعذيب على يد فصيل “فيلق الشام”.
ونشر ناشطون في المنطقة صورة قالوا إنها لجثة “محمد العتر” وعليها آثار تعذيب، “محمد العتر” (22 عاماً) مقاتل في صفوف “فيلق الشام” وينحدر من مدينة القصير بحمص، وأهله لاجئون في مخيم عرسال بلبنان، وعلى خلفية مقتله طالب وجهاء حمص في منطقة عفرين بمحاسبة وتسليم المسؤولين عن مقتله، وبالمقابل أصدر “فيلق الشام” قراراً بإعفاء المدير الأمني من مهامه وتشكيل لجنة للتحقيق بالقضية.