في حين لا يبدو واضحاً بعد ما إذا كانت تركيا، الحليفة الأخيرة عملياً للمُعارضة السورية، مستعدة للمساومة على المدى القريب في سوريا، يرى مراقبون سياسيون أنّ موسم المُقايضات عاد بالفعل مع تزايد التهديدات التركية لمدينة منبج ومناطق شرق الفرات السوري التي يُسيطر عليها الأكراد، وهو ما يُذكر بمقايضات مماثلة حصلت خلال العامين الماضيين في الأراضي السورية.
وفيما يبدو الموقف الأميركي المُتراخي مُشجعاً أنقرة لبدء عملية عسكرية جديدة في سوريا، تدور أحاديث حول موافقة روسية ضمنية مُقابل رفع تركيا يدها عن الفصائل السورية المسلحة في إدلب وما حولها.
وتسيطر القوات الحكومية السورية حالياً على أكثر من ستين في المئة من مساحة البلاد. وتعد إدلب ومناطق سيطرة القوات الكردية في شمال شرق سوريا أبرز المناطق الخارجة عن سيطرة دمشق. وبدأت الأخيرة محادثات مع الأكراد لم تفض لنتيجة بعد.
ويقول الباحث المتخصص في الشأن السوري سامويل راماني لفرانس برس إنّ روسيا “تضغط اليوم أكثر من أي وقت مضى وبشكل متسق من أجل اعادة دمج سوريا بالكامل تحت حكم (الرئيس السوري بشار) الأسد”.
ورغم ضراوة القتال منذ نحو 3 أشهر في ريف حماة الشمالي الذي يُعدّ البوابة الجنوبية لمحافظة إدلب، إلا أن قوات النظام لم تحقق أي تقدم استراتيجي نحو عمق إدلب. ومع استمرار المعارك والغارات، باتت مدن وقرى كثيرة في ريف حماة الشمالي وريف إدلب الجنوبي المجاور خالية من سكانها.
ويردّ محللون هذا الفشل إلى الدعم العسكري الذي تقدّمه تركيا للفصائل في شمال غرب سوريا، حيث تنشر العديد من قواتها على نقاط مراقبة، بموجب الاتفاق مع روسيا.
وتريد روسيا من تركيا أن “تكفّ عن تقديم المساعدة العسكرية للفصائل” باعتبار أنها “تعيق تقدم الأسد”، وفق راماني. كما تخشى أن يساعدها هذا الدعم على “تحدي سلطة الأسد” بشكل أكبر إذا ما بقي عالقاً في إدلب.
في المقابل، يبدو من الواضح بحسب راماني أن “أنقرة تدعم الفصائل بحماسة أكبر مما كانت عليه منذ وقت طويل”.
وتتذرع تركيا في أن يؤدي أي هجوم فعلي لقوات النظام على إدلب إلى نزوح المزيد من السوريين باتجاه أراضيها، بعدما تكدست آلاف العائلات في مخيمات وحقول قرب حدودها إثر التصعيد الأخير.
وتدكّ طائرات النظام السوري وحليفته روسيا منذ ثلاثة أشهر مناطق في شمال غرب سوريا، مستهدفة المنشآت الطبية والمدارس والأسواق، في تصعيد يعكس وفق محللين إصرار دمشق على استعادة السيطرة على هذه المنطقة التي تشكل آخر معقل لمعارضيها.
ويصف معارضون هذا التصعيد بـ”الإبادة”، بينما نددت المفوضية العليا لحقوق الإنسان الجمعة بـ”اللامبالاة الدولية” مع استمرار القصف الذي أجبر أكثر من 400 ألف شخص على الفرار إلى مناطق أكثر أماناً.
ويقول الباحث في مركز عمران للدراسات، ومقرّه إسطنبول، نوار أوليفر لوكالة فرانس برس “الاستنزاف الحاصل مخيف عبر الاستهداف المباشر للمدنيين والأسواق والمنشآت الصحية والبنى التحتية”.
ويهدف ذلك بالدرجة الأولى وفق أوليفر إلى “الضغط على الفصائل وحاضنتها الشعبية، بعدما باتت المنطقة تضم كل السوريين المعارضين وعائلات مقاتلي الفصائل”. وبالتالي فإنّ “أي ضغط على الحاضنة سينعكس على الفصائل”.
ويقول الباحث في مركز الأمن الأميركي الجديد نيكولاس هيراس لفرانس برس إن “تدمير البنية التحتية المدنية في إدلب يجعل السكان أكثر اعتماداً على الدعم التركي”.
ومن شأن التصعيد الجوي وفق أوليفر أن “يخدم أي عمل بري في المستقبل”، ذلك أن الاتفاق الروسي التركي “أدى إلى تأجيل أو وقف الهجوم البري للنظام بشكل مؤقت” على المنطقة.
وتركز الطائرات السورية والروسية قصفها تحديداً على ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الشمالي المجاور، حيث تدور معارك ضارية بين قوات النظام والفصائل، تسببت بمقتل مئات المقاتلين من الجانبين.
ويوضح أوليفر “تقدّم روسيا النظام على أنه استعاد شرعيته.. ويصوّر الطرفان إدلب بوصفها آخر المعارك وآخر البؤر التي تمنع النظام من السيطرة على جيوب الإرهابيين”.
إلا أن استعادة الحكومة السورية السيطرة على إدلب لن تكون عملية سهلة.
المصدر
-------------------------------
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا عن طريق إرسال كتاباتكم عبر البريد : vdcnsy@gmail.com
ملاحظاتك: اقترح تصحيحاً - وثق بنفسك - قاعدة بيانات