باتت تركيا في ظل هيمنة رجب إردوغان وحزبه العدالة والتنمية على الحكم، أرضا خصبة للإرهابيين بسبب التسهيلات والدعم اللوجستي الذي توفره حكومة أنقرة، لخدمة أجندة الديكتاتور الخبيثة، ففي أعقاب تزايد الشبهات حول العلاقات المباشرة بين أنقرة وتنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي لدرجة وجود تمثيل دبلوماسي بينهما، ظهرت حقائق ووثائق جديدة تثبت رعاية أنقرة للإرهاب.
مركز روج آفا للدراسات الاستراتيجية والبحثية (NRLS) نشر تقريرا مفصلاً عن العلاقات الخارجية بين التنظيم الإرهابي “داعش” والدولة التركية، وحسب وكالة فرانس برس “AFP” بالإنجليزية، يظهر التقرير بأدلة قاطعة كيف لعب نظام إردوغان دورا مركزيًا في تواجد داعش وانتشارها عبر المال والدعم العسكري.
أضافت: “هذه العلاقات لها تأثير سلبي عل استقرار وتطور الشرق الأوسط”، وقال المركز في تقريره إن خسارة الأمن والاستقرار في سورية، وتهجير الملايين وقتل مئات الآلاف والتدمير الهائل للبنية التحتية وفقدان الهوية السورية القومية” كل هذه آثار العلاقة بين داعش وتركيا.
توثيق العلاقات بين تركيا وداعش يقوم على شهادات موثقة لعناصر ينتمون للتنظيم الإرهابي وعائلاتهم ولقاءات مع مساجين، بالإضافة إلى مراقبين وباحثين مرتبطين بمركز روجافا للدراسات الاستراتيجية متخصصون في أرشيف القوات العسكرية، فضلا عن قوات أمن ووكالات أخبار تعمل في شمال وجنوب سورية.
الوثائق التي تم جمعها يقول تقرير روجافا إنها تحسم العلاقة بين داعش وأنقرة، بما يتضمن علاقات أمنية وارتباطات اقتصادية وعلاقات سياسية بين تركيا والتنظيم الإرهابي.
يقول التقرير: “إن أبرز شيء وأهم نقطة هي سماح السلطات التركية للمقاتلين الأجانب وعائلاتهم بالترحال ذهابا وإيابا بين الحدود التركية والسورية كما تغض الطرف عن الأنشطة الإرهابية لتنظيم داعش داخل تركيا، بينما تمارس تركيا قمعا شديدا على القوى السياسية التي تطالب بالديمقراطية وحقوق الإنسان، كما أن النظام التركي يمد داعش أيضا بدعم عسكري وإمدادات أمنية بطريقة غير مباشرة، كما يعقد اتفاقيات أمنية ومالية وتجارية مع التنظيم الإرهابي”.
اتفاقيات سرية
يُفرق التقرير بين ثلاثة أنواع من العلاقات بين إردوغان وداعش أمنية وعسكرية وعلاقات مالية تجارية، قائلا إن “الوثائق التي في حوزتنا تتضمن عددا من الاتفاقيات السرية بما تضمن تسهيل المرور للإرهابيين وعائلاتهم عبر الحدود التركية للانتقال إلى المناطق التي يتحكم بها داعش في سورية والعراق، بالإضافة إلى تكفل تركيا بعلاج الدواعش المصابين في مستشفيات آمنة والتغطية على أنشطة داعش داخل تركيا، وتنسيق الهجوم على المنطقة المستقلة في روجانا شمال وشرق سورية، والقيام بمذابح ضد الأكراد”.
ونصت الاتفاقيات أيضا أنه “في المقابل، تسلم داعش إلى تركيا المعارضين الأتراك والمقاتلين الأكراد فور أسرهم أو القبض عليهم، وألا تعتبر داعش تركيا عدوا لها، كما تتحكم تركيا بشكل كامل في البترول والتحف المسروق، والأهم من كل ذلك هو دعم سياسية الدولة التركية التي تستهدف منع إقامة منطقة حكم ذاتي للأكراد بالقرب منها والتي ينادي بها الأكراد دائما، بالإضافة إلى تنفيذ عمليات عسكرية ضد الأكراد”.
كما رصد التقرير حالات قال إنها وقائع تمويل من تركيا لداعش وإمداد عناصرها بالدعم اللوجستي والذي لا يقل أهمية عن الأنشطة العسكرية التي تقوم بها داعش من أجل تركيا، وعبر الدعم التركي حصلت داعش على أسلحة مختلفة، كما مولت عملياتها الإرهابية حول العالم.
كما أن المنظمات الإرهابية من المعروف أنها لا تمتلك أموالا استطاعت أن ترتب سفريات كثيرة لأعضائها وتشتري المعدات المهمة مثل الأسلحة وأدوات الاتصال بالإضافة إلى الإنفاق على الدعاية ونشر فلسفتها و ايديولوجيتها حول العالم داخل أوراق وعلى الإنترنت، فالتمويل المادي للإرهاب لا يقل أهمية عن الدعم العسكري المباشر على الإطلاق. حسب ما جاء في التقرير.
وأكثر تجارة داعش تم عبر أشخاص يحملون الجنسية التركية وشركات كذلك، وهذا لم يكن ليحدث أبدا لو لم تسمح السلطات التركية بهذا النوع من الأنشطة، وعلى الرغم من ذلك تسن تركيا حتى الآن قوانين تناهض الإرهاب وترفضه وتعلن تصنيف المنظمات المدرجة دولية على أنها إرهابية، ما يؤكد أن أنقرة متورطة فلا يمكن أن تحدث كل الأنشطة المرتبطة بتركيا وأفرادها وشركاتها ولا تتخذ السلطات إجراءات ضد هؤلاء الأتراك.
أمير داعش في تركيا
في مايو 2019 نشرت جريدة “جازتي دوفار” التركية نقلًا عن وكالة “مازوبوتمايا” الإخبارية، اعترافات لشخص تركي يدعى “إلياس آيدن” ملقب بـ”أبو عبيدة”، والمعروف بأنه أمير تنظيم داعش في تركيا، وأحد المسؤولين عن مذبحتي أنقرة وسروج، بالإضافة إلى حرق الجنديين التركيين في شمال سورية ديسمبر 2016.
بحسب الاعترافات، أكد آيدن أنه التقى بمسؤولين من جهاز الاستخبارات التركية قبل حرق الجنديين، وأنه قام بقتلهما حرقًا لعدم تمكنه من التوصل لاتفاق مع مسؤولي جهاز الاستخبارات حولهما.
وادعى آيدن أن الاستخبارات التركية أجرت عددًا من الاجتماعات مع تنظيمه الإرهابي، وأنه شارك بنفسه في اجتماعين، مشيرًا إلى أن أحد تلك الاجتماعات كان بشأن اختطاف العاملين في القنصلية التركية في الموصل، وأحد ضباط الصف من الشريط الحدودي في مدينة كيليس، والإفراج عنهم في أول يناير 2016.
كما كشفت الاعترافات أن وفد جهاز الاستخبارات التركي، المكون من ثلاثة أشخاص، كان هدفه الرئيس تخليص الجنود الأتراك المختطفين، لافتًا إلى أن تنظيم “داعش” طلب في المقابل عدم الوقوف في طريق الراغبين في عبور الحدود مع سورية والانضمام إلى التنظيم.
وبحسب زعمه، فقد ردّ مسؤولو الاستخبارات التركية، قائلين: “نحن مجبرون على فعل ذلك، القوى الخارجية والعالم من حولنا تضغط علينا، يصرون على أن نغلق الأبواب، وبالتالي نضغط نحن أيضًا عليكم”.
وأوضح أن عناصر “داعش” ردوا قائلين: “نحن لا نحارب ضد تركيا”، وأضاف: “لم نتوصل لحل في هذا الاجتماع، واتفقنا على أن نذهب جميعنا ونعمل على إيجاد اتفاق، وبعدها سنتباحث كيف ستكون التسيهلات على الحدود، دون أن يضر أي منَّا الآخر”، على حد تعبيره.
لم تقتصر الاعترافات على الاجتماعات التي أجريت بين عناصر التنظيم الإرهابي ورجال أجهزة إردوغان، وتطرقت إلى تجارة البترول بين داعش وحكومة أنقرة، فقد أوضح في تصريحاته أن الاجتماع الثاني حمل تهديدًا لتركيا بشن هجمات في حالة عدم تسهيل دخول عناصر التنظيم عبر الأراضي التركية، بعدها شهدت العلاقات تحولًا غير مسبوق، حيث أصبحت عمليات بيع البترول وتجارته غير المشروعة، تتم بشكل رسمي، وبعلم من الحكومة التركية.
حماية الإرهابيين
كما ظهرت علاقة داعش بتركيا من خلال إصرار نظام إردوغان على حماية الإرهابيين، حيث أطلق سراح 17 متهما بالإرهاب بداية يوليو الجاري، بعدما تم اعتقالهم في إطار العمليات الخاصة بتنظيم داعش وجبهة تحرير الشام الإرهابية، وذلك حسب ما نقلته صحيفة “يني تشاغ”.
وكانت فِرق مكافحة الإرهاب التابعة لمديرية أمن إسطنبول، نظمت عملية ضبط بحق المشتبه بهم، باعتبارهم على صلة بمنظمة داعش وجبهة تحرير الشام الإرهابية، وتوفير دعم لوجستي للأشخاص الذين يذهبون للقتال في سورية، وتم اعتقالهم خلال عمليات متزامنة نُظمت على 20 عنوانا في 12 مقاطعة داخل إسطنبول في الـ 9 من يوليو الجاري، كما تم مصادرة عدد كبير من الوثائق التنظيمية والمعدات الرقمية، خلال التفتيش.
كما أن موقع نورديك مونيتور السويدي أكد في شهر فبراير الماضي، أن محكمة تركية برأت 3 مواطنين اعتقلوا أثناء عبورهم بشكل غير شرعي إلى داخل سورية للانضمام لهيئة تحرير الشام التابع لتنظيم القاعدة في 22 من فبراير 2018.
الموقع السويدي المتخصص في الشؤون العسكرية والاستخباراتية، كشف أيضا، أن إردوغان سمح لخلية تابعة لتنظيم داعش المتطرف في محافظة أضنة الحدودية، بتجنيد آلاف الشباب من جنسيات مختلفة، تحت رعايته.
تقرير استخباراتي وآخر ميداني من قِبل حرس الحدود خلص إلى أن مراد شاهين وكنان يلدز، حاولا الذهاب إلى سورية للقتال إلى جانب هيئة تحرير الشام، وقامت قوات حرس الحدود المتمركزة في بلدة القصير بمحافظة هاتاي جنوب شرق تركيا بجوار الحدود باعتقالهم واقتيادهم للسجن في 6 من أغسطس عام 2017.
تحميل: ملف عن العلاقة بين الدولة التركية وتنظيم داعش