باتت الولايات المتحدة الأمريكية الآن تدرك أكثر من أي وقت مضى أن التحركات التركية في المنطقة، وبالتحديد في سوريا لم تعد في صالح المشروع الأمريكي أو خططها في مرحلة ما بعد داعش، وهي الخطة التي تندمج مع رغبة السكان المحليين في تحقيق الأمن والاستقرار ودعم الحكم المحلي. تركيا لديها الكثير من المشاكل مع كل دول الجوار وظلت حليفا مشكوك في صدقه، لذا رفضت إدارة أوباما بيع منظومات باتريوت لتركيا حيث لجأت مؤخرا لشراء صواريخ C 400 من روسيا بصفقة مثيرة للجدل قد تقلب خارطة التحالفات الدولية وستكون لها تبعات مكلفة بالنسبة لتركيا حيث تتحضر إدارة ترامب لفرض المزيد من العقوبات عليها.
في سوريا، تواصل تركيا أثارة المزيد من المشاكل، والتأثير على خطط الولايات المتحدة والتحالف الدولي في مرحلة ما بعد داعش حيث تهدد باستمرار وتتوعد بشن عمل عسكري ضد قوات سوريا الديمقراطية، ووحدات حماية الشعب وهي القوة الرئيسية وشريكة التحالف في الحرب على تنظيم داعش “الإرهابي”. كما وتعتبر تركيا طرفا رئيسا في “الحرب الأهلية” كونها تدعم فصائل مسلحة ساهمت في تعقيد المشهد، وتعرقل أيضا مفاوضات السلام في جنيف، واستعانت عنها بلقاءات الاستانة، كما واتهمت بفتح حدودها لآلاف الجهاديين وارسال السلاح إلى سوريا.
جاء القرار الذي اتخذه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالانسحاب من سوريا فرصة لتصعد تركيا من تصريحاتها وحشدها للجنود والعتاد العسكري والتهديد بذبح الاكراد، وغزو مناطقهم بحجة أنهم إرهابييون، أو التذرع بأن هنالك الكثير من اللاجئيين السوريين الذي يعيشون في تركيا ويمكن توطينهم في هذه المنطقة، كما وقامت مرارا بابتزاز الغرب باللاجئين وأنها ستفتح الحدود لـ هجرتهم نحو البلدان الأوروبية وأن مناطق شرق الفرات تشكل خطر على الأمن القومي التركي، وهي ذات المناطق التي كان تنظيم داعش يسيطر عليها لفترة طويلة بدون أن تتحرك تركيا أو تستهدف آلياتهم وجنودهم أو أن تغلق المعابر الحدود مع التنظيم كما تغلقه الآن مع قسد.
التهديدات التركية التي بدت جدية من حيث تزامنها مع حشد الجنود والسلاح والآلاف من مسلحي الفصائل السورية، أثارت موجة انتقادات دولية واستقال على أثرها كل من وزير الدفاع الأمريكي، ومبعوث ترامب الشخص الى التحالف الدولي، وتحرك الكونغرس الأمريكي ومستشار الأمن القومي و تدخلت وزارة الدفاع لالغاءه أو تاجيله لأمد غير محدد، لكن تركيا واصلت التهديدات بغزو مناطق شرق الفرات، ورد الرئيس الأمريكي وقتها بالتهديد بتدمير تركيا اقتصاديا إن اعتدت على شركاء أمريكا في سوريا، وطرح اقامة منطقة امنة.
موقف قسد من المنطقة الآمنة:
دعمت قوات سوريا الديمقراطية إقامة منطقة آمنة في شمال شرق سوريا \ شرق الفرات وطالبت بضم عفرين اليها، وضم مناطق أخرى خاضعة لسيطرة تركيا تشهد الكثير من الانتهاكات، لكنها رفضت أي دور لتركيا في تلك المنطقة كونها طرف في الصراع، وفضلت أن تكون هذه المنطقة تحت إشراف جنود من التحالف الدولي، وأن تنشأ فيها قواعد عسكرية حدودية للمراقبة، بقرار من الأمم المتحدة \ مجلس الأمن ومشاركته.
القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، مظلوم كوباني قال في لقاء صحفي أخير أن “الرئيس التركي اردوغان صرح منذ العام 2018 وقال بأن الجيش التركي قد أتم استعداداته وسنبدأ بعملية شرق الفرات؛ ونحن نعلم بأنه على مدى الأعوام السبعة الماضية لم يحدث أي هجوم على تركيا من طرفنا؛ ولكن وجودنا يمثل قضية ومشكلة بالنسبة لأردوغان والدولة التركية؛ ونقولها دائماً: نحن لا نريد حرباً جديدة، حرباً كبيرة، أي أن حدوث أي حرب سوف تتسع رقعتها وتتحول إلى حرب كبيرة، وحينها لن يكون هناك وقف إطلاق نار؛ وقد طلبنا من حلفائنا أن يوصلوا هذه الرسالة، وقد طلبنا ذلك من المبعوث الخاص للولايات المتحدة جيمس جيفري، وهو بدوره أعرب عن سروره القيام بهذه المهمة.
المسألة بدأت هكذا، في البداية لم يكن مشروعاً، أوضحنا بأنه لن يحدث أي هجوم من طرفنا ولن يكون هناك أي خطر يذكر، وبدأت المرحلة بدورها. وفجأة ظهر مشروع ’المنطقة الآمنة’ على إثر محادثة هاتفية بين أردوغان وترامب، ونحن بدورنا كقوات سوريا الديمقراطية قدمنا مشروعنا بهذا الخصوص، وفي الحقيقة مشروعنا مقبول للغاية”.
ونوّه عبدي إلى أنّ إدارة المنطقة الآمنة “مسألة حدودية، فالدولة التركية تطالب بمنطقة آمنة بعمق 30 كيلومتر، ونحن نتمسك بأن تكون المنطقة الآمنة بعمق 5 كيلومتر، إلى جانب أن تنسحب وحدات حماية الشعب (YPG) إلى خارج هذه المنطقة، وتترك مكانها للقوات المحلية
وما نقصده هنا بالقوات المحلية؛ أي أهالي وأبناء كوباني وسري كانيه وقامشلو وكري سبي وصولاً إلى ديريك؛ بالإضافة إلى أننا سوف نسحب كافة الأسلحة الثقيلة التي تصل مداها إلى داخل تركيا، مثل المدافع والدبابات، حتى أننا نمتلك اسلحة تصل مدى رميها إلى 20 كم، سوف نسحبها هي أيضاً إن كانوا يقولون بأنها تشكل تهديداً.
الدولة التركية تدعي بأن الذين يديرون هذه المنطقة هم ليسوا من المنطقة؛ ونحن نقول فليقم الأهالي والشعب بإدارة نفسه، وبذلك تنحل القضية”.
وطالب عبدي بأنّ تقوم قوّات دولية بمهمّة “الدوريّات الحدوديّة”، مضيفاً “يجب أن تكون هذه القوات الدولية من ضمن التحالف الدولي أو من قوة دولية أخرى، فالدولة التركية هي طرف في مسألة الحدود هذه ونحن نطالب بجهة حيادية”.
ودعا القائد العام لقوّات سوريا الديمقراطيّة إلى خروج تركيا من عفرين “ليعود أهلها إلى ديارهم بضمانات دولية”، وهذا هو “شرط أساسيّ لقبولنا بمشاركة تركيا في دوريّات مراقبة الحدود”, موضحاً أنّ هذا الشرط يتضمّن “خروج “المرتزقة” من عفرين وإعادة الأموال والأملاك المسلوبة والمصادرة من شعب عفرين إلى اصحابها، وإخراج كافة المستوطنين الغرباء من عفرين، وأن يتم هذا كله بضمانات قوات دولية وإشراف مجلس عفرين؛ إن حصل ذلك سنعتبرها بادرة حسن نية وسنقبل بانضمام الجنود الأتراك إلى الدوريات الحدودية”.
موقف تركيا من المنطقة الآمنة:
انحصرت طموحات تركيا الجيوسياسية والأمنية التي فشلت في بلوغها مع دعم التمرد العربي السني لإسقاط حكومة الرئيس السوري بشار الأسد منذ 2012 في جهودها الآن بمساعي استهداف الأكراد في شمال سوريا والذين أسسوا منطقة الإدارة الذاتية وهي تسعى لتطبيق طموحاتها التي فشلت في دمشق في مدينة قامشلو والتلويح بشن حرب جديدة تستهدف غزو منطقة شرق الفرات، من خلال طرح ما تسميه “المنطقة الآمنة” بذريعة الأمن القومي التركي تارة وحجج أخرى متعددة.
لا تخفي تركيا طموحاتها في سوريا واعتبارها امتداد لنفوذها، كما وانها تواصل التأكيد على استهداف منطقة الادارة الذاتية، وظلت ترفض حضور ممثليهم لاي مفاوضات دولية حول مستقبل سوريا.
الزيارة الاخيرة من المبعوث الأمريكي جيمس جيفري لتركيا تضمنت مناقشة للشروط التركية، و الخطة التي أعدتها قوات سوريا الديمقراطية مع التحالف الدولي. تركيا عرضت البنود التالية:
1- أن تبدأ المنطقة الآمنة من “الضفة الشرقية لنهر الفرات إلى تل أبيض بعمق 40 كلم. أي مقاطعتي كوباني وتل أبيض.
2- إبعاد كل السلاح الثقيل عنها، وتفريغها من السلاح اليدوي… بعمق 20 كلم من الحدود.
3-السيطرة الكاملة على مدينة كوباني، عسكريا، أمنيا \ كما عفرين.
4-السيطرة الكاملة على المجال الجوي فوق المنطقة العازلة من قبل تركيا، وإبعاد السيطرة الجوية التي تمتلكها الولايات المتحدة شمال شرق سوريا.
5-ادارة المنطقة \كوباني، تل ابيض من قبل الفصائل التي تدعمها انقرة، وهم بقايا الجماعات التي كانت تقاتل سابقا قوات الرئيس السوري بشار الأسد.
6-توطين اللاجئين الذين يعيشون في تركيا ونقلهم لتلك المنطقة.
أي أن تركيا تتخذ من المنطقة الامنة كذريعة لـ:
1- تدمير الكيانات العسكرية، الامنية التي انشأتها وحدات حماية الشعب، قسد في المنطقة..
2- تدمير الهياكل الادارية، والتنظيمية، ومختلف المؤسسات الخدمية والاجتماعية والثقافية في المنطقة.
3- هدف تركيا لا يقتصر على السيطرة، الامنية، العسكرية على المنطقة فالمرحلة الثانية تتجلى في رسم خطة لتهجير سكانها بأكبر نسبة ممكنة، ضمن خطة “التغيير الديمغرافي”، “الأتركة”.
يتبع هذه الخطوات \إن تحققت توغل تدريجي للجيش بحجة ضبط الامن او التهديد الذي سيأتي أيضا من الوحدات التي أصبحت مجددا على الحدود… لتؤسس فيها قواعد عسكرية تحت اسم نقاط مراقبة، وتنشئ قوات امنية وادارية خاضعة لها وذلك بعد تدمير القوات العسكرية والامنية فيها، وتدمير كافة الهياكل والمؤسسات الادارية المشكلة منذ سنة 2012، وتهجير السكان أو غالبهم.. هذا يضمن لتركية مايلي:
-تأمين نقل آلاف اللاجئين “العرب السوريين، التركمان” على أراضيها لتوطينهم في اراضي ومنازل ” الكرد السوريين” كما فعلت في عفرين، وقرى في ريف الباب وجرابلس وكما فعلت خلال العقود الماضية ضمن حدودها بتهجير الكرد من منطقة اورفا وعينتاب ونصيبين وتوطين الأتراك بدالهم.
– تشكيل مجالس محلية موالية لها وتحت إشرافها المباشر.
– ربط هذه المناطق اداريا مع ولاية نصيبين أو أورفا كما فعلت في عفرين وجرابلس وإعزاز والباب حيث تتم إدارتهم من خلال والي عنتاب وهاتاي.
-فرض الثقافة واللغة التركية ضمن عملية التغيير الديمغرافي والتتريك الممنهجة كما فعلت في منطقة جرابلس وعفرين.
بطبيعة الحال لا يمكن للولايات المتحدة ولا لدول التحالف الاعتماد بأي حال على تركيا وخططها التي تستهدف خلق الفوضى، وتدمير المنطقة مجددا خدمة لطموحاتها التي تتجاوز رغبات السكان المحليين، والقوى الاقليمة الذين تعاونوا معا في تحالف أثبت نجاحه في القضاء على تنظيم الدولة الاسلامية، وتحقيق الاستقرار في المنطقة، وهو الرأي الذي ينقله باستمرار المسؤولون الأمريكيون لتركيا التي لا تتوقف عن التهديد والشكوى والابتزاز.
الاستراتيجية الامريكية ما بعد داعش تلخصت بدعم القوات المحلية، وتدريبها لمنع عودة التنظيم والاستمرار في دعم قسد لمكافحة الخلايا النائمة، ودعوة الدول الأوروبية والعربية لزيادة أعداد جنودها ضمن التحالف الدولي للبقاء لمدة أطول في سوريا لمواجهة النفوذ الإيراني، واي تهديد خارجي اضافة لدعم الهياكل الإدارية والسياسية المحلية للتمثيل في مفاوضات السلام الدولية حول مستقبل سوريا، وهي استراتيجية تتقاطع مع خطة قسد.
فيما الرؤية التركية تستهدف إعادة الفوضى للمنطقة التي تعتبر مستقرة وآمنة وهو ما لن تقبله الولايات المتحدة وشركائها في التحالف حيث اي اي حرب جديدة أو تدخل عسكري سيكون مكلفا ويشعل كل المنطقة مجددا كما حذر قائد قوات سوريا الديموقراطية، وتنبأ بحرب شاملة في المنطقة في حال نفذت تركيا أي هجوم عسكري على مواقعها.
المصدر: مصطف عبدي