تناول تقرير لصحيفة العربي الجديد، ترقبّ السوريين لإنشاء كليات جامعية تركية في المناطق الخاضعة لسيطرة تركيا شمال سورية، في ظل كثرة الوعود التي بقيت دون تنفيذ وهو ما يهدد مصير الاف الطلاب الذين تخلفوا عن التعليم في انتظار افتتاح كليات لاكمال تحصيلهم العلمي، خاصة وان شهاداتهم التي حصلوا عليها من خلال هيئات التربية التابعة للمجالس المحلية التركية غير معترف بها.
بعد الخيبات المتتالية للطلاب، ولا سيّما مع عدم الاعتراف بشهادات الجامعات الخاصة، يترقّب الطلبة وعود افتتاح فره لجامعة “غازي عنتاب” التركية، في منطقة الباب بريف حلب الشرقي.
وكان رئيس الجامعة علي غور قد صرّح، بأنّ الإدارة تعمل في هذا الاتجاه وهي تبذل جهوداً كبيرة لتلبية كل حاجات سكان الشمال السوري في المجال التعليم العالي.
وأكد غور أنّ إدارة الجامعة تواصلت مع المجالس المحلية في شمال سورية، وكذلك مع السلطات الأمنية التركية المشرفة على المنطقة، بهدف التنسيق حول إنشاء الكليات، في حين أنّها تقدمت بطلب إلى مجلس التعليم العالي التركي لإنشاء كليات في مدن الباب وأعزاز ومارع في شمال سورية، لكنّ أيّ ردّ لم يأت بعد.
ومن المرجّح، بحسب ما تفيد مصادر في الجامعة، أن “تتمّ الموافقة ويشهد العام المقبل إنشاء أربعة أفرع هي الهندسة والتعليم والاقتصاد وإدارة الأعمال”..
تضيف المصادر نفسها، أنّ قبول الطالب في تلك الكليات سوف يشترط، كما في الجامعات داخل تركيا، اجتياز اختبار “يوس” (امتحان يخضع له الطلاب الأجانب في تركيا ويشمل بصورة أساسية الرياضيات واللغة التركية)، إلى جانب الشهادة الثانوية.
وتتابع المصادر أنّ “تجربة جامعة غازي عنتاب في إنشاء معاهد عليا هناك، في العام الماضي، لاقت قبولاً وقد سُجّل إقبال من قبل السوريين عليها، سواء في مدينة جرابلس أو في الشمال السوري عموماً.
فتلك المعاهد ركزت على التعليم المهني وعلى الخدمات والرعاية الصحّية والتربية، لقاء تكلفة بلغت 500 ليرة تركية (نحو 90 دولاراً أميركياً)”.
وتؤكد المصادر أنّ “الإجراءات التمهيدية لقبول الطلاب السوريين في الكليات المقرّر إنشاؤها قريباً في مدينتَي مارع وأعزاز قد أنجزت بمعظمها، وفي مقدّمتها خضوع نحو ثلاثة آلاف طالب سوري لاختبار يوس”.
في السياق، يرى مدير شركة “عالم إسطنبول للقبول الجامعي” جهاد العويد، أنّ “ثمّة فارقاً ما بين اعتزام الجامعة إنشاء كليات لها وبين صدور القرار من مجلس التعليم العالي”.
وتوقع أن “تحصل الجامعة على موافقة وترى الكليات النور قريباً، أسوة بالمعاهد وتخصصاتها الخمسة السابقة (معهد الخدمات الصحية ومعهد العلوم الاجتماعية ومعهد الشريعة ومعهد اللغة التركية ومعهد الأمن والحماية)، التي أعلنت الجامعة أنها سوف تزيدها إلى تسعة اختصاصات لتغطّي رغبة طلاب شمال غربي سورية وحاجتهم”.
ويتابع العويد أنّ “ثمّة إيجابيات كثيرة، علمية واجتماعية واقتصادية كذلك، سوف تنعكس على سكان شمال سورية”، مشيراً إلى “أسئلة معلقة حتى لا نقول سلبيات تتعلق ببقية الكليات كالطب وطب الأسنان، فضلاً عن لغة المنهج التدريسي… هل يُقدّم بالعربية أم التركية؟ مع ملاحظة صعوبات في كلتا الحالتين”.
ويؤكّد “أهمية الخطوة نظراً إلى قلّة التكاليف بالمقارنة مع تلك الخاصة بالجامعات في تركيا، بالإضافة إلى أنّ الطلاب السوريين سوف يكونون في جامعة حكومية معترف بها ولديها بنى وموازنة، من ثم هم غير مهددين بالصرف أو بعدم الاعتراف بشهاداتهم”.
لم ينجل التشكيك بتكملة مشوار جامعة غازي عنتاب وافتتاحها كليات داخل سورية، إذ للسوريين تجربة سابقة العام الفائت مع جامعة حران، التي أعلنت ووعدت ولم تقم بإجراءات على الأرض حتى اليوم، وربما يكشف البعض أن خطوة جامعة غازي عنتاب، جاءت لسد تلك الثغرة وربما من مبدأ المنافسة بين الجامعتين التركيتين.
من جهته، يشير الدكتور راسم إيبش، وهو أستاذ محاضر في إحدى الجامعات الخاصة بسورية، إلى أنّه “لم يتمّ التنسيق مع الكوادر التدريسية داخل سورية، ولا حتى لجهة إمكانية الاستفادة من البنى والمختبرات والأساتذة المتوفّرين”، قائلاً إنّ “من شأن ذلك أن يسهّل ويسرّع إنشاء المعاهد لتكون جاهزة في مطلع العام الدراسي المقبل”.
ويسأل إيبش: “لماذا لا تشرف جامعة غازي عنتاب على الجامعات القائمة أساساً وتقدّم لها حقّ الاعتراف بشهاداتها، بما أنه لا ينقص الجامعات الخاصة في سورية المحررة والتي تدرّس مناهج عالمية معتمدة، سوى الاعتراف؟”.
ويربط إيبش عدم تضمّن مشروع جامعة غازي عنتاب كليات للطبّ، بـ”عدم توفّر مستشفيات تتيح للطلاب مجال التدريب، الآن على الأقل. ففي المنطقة لا يوجد سوى مستشفى جرابلس مع تجهيزاته المتواضعة الذي تشرف عليه تركيا، أمّا المستشفيات الأخرى فهي شبه بدائية وعملها إسعافي بالدرجة الأولى، وتخضع لمنظمات دولية أو لفصائل سورية”.
ويوضح إيبش، وهو كذلك عضو في لجنة اعتماد تابعة لجامعة سورية خاصة شمالي البلاد، أنّ “عدم الاعتراف بالجامعات في تلك المناطق السورية لا يتعلق بالمنهج ولا بالكادر التدريسي، بل بخروج تلك المناطق عن نظام الدولة وعدم وجود وزارة تعليم عال تشرف عليها”.
أمّا الأكاديمي السوري فاتح شعبان، فيؤكّد أهمية وضرورة افتتاح كليات في شمال سورية، لأنّ “الفجوة العلمية التي حصلت مخيفة”، شارحاً أنّ “التعليم العالي تعطّل منذ عام 2011 وحتى عام 2015. فأصيب الجامعيون السوريون بخيبة لعدم الاعتراف بشهاداتهم الجامعية.
واليوم، يتجدد الأمل بمشروع إنشاء جامعة غازي عنتاب الحكومية كليات لها في سورية. فالطلاب يعلمون أنّهم ينتسبون إلى جامعة معترف بشهادتها ووراءها حكومة وكذلك موازنة محددة، ما يلغي كل احتمال للخديعة أو حتى لإغلاق الأبواب والهرب”.
يضيف شعبان، أنّ “من شأن جامعة حكومية تركية أن تعيد سوريين كثيرين إلى قاعات الدراسة”، مشيراً إلى أنّها “ربما تجذب طلاباً سوريين يتابعون دراستهم في تركيا ويُقدّر عددهم بنحو 17 ألف طالب، خصوصاً إذ أنشئت في المستقبل فروع علمية في مقدّمتها كليات الطبّ وطبّ الأسنان، فالدراسة في سورية أقلّ تكلفة ممّا هي في تركيا”.