في سياق حروبها التوسّعية زجت تركيا ماكيناتها الإعلامية، لا سيما القنوات التلفزيونية الرسمية والخاصة الدائرة في فلك السلطة في مجهودها الحربي، في مسعى محموم لقلب الحقائق وتجميل قباحات جرائم الحرب المنظّم التي تقترفها جيوش وجماعات خصوصاً في عفرين، وهي تعتمد أساساً في هذا الصدد على قناتي «تي أر تي» الرسميتين الناطقتين بالعربية والكردية، وذلك في محاولة لبث بروباغاندا «الاحتلال» باللغتين السائدتين في عفرين وعموم الشمال السوري، والذي تسعى أنقرة لاحتلاله وجعله منطلقاً لاعادة احتلال كامل المنطقة بوصفها كانت وبالقوة، ولايات وممالك تابعة لأجداد الرئيس رجب طيب أردوغان، كما يجاهر ويؤكّد في شكل شبه يومي أن الإقليم بكامله من الخليج إلى الشام وإلى مصر كان خاضعاً لأسلافه وأجداده، تعبيراً عن وعيه الوراثي العائلي العصابي.
وبما أن الشاشة سلاح ذو حدين، وأنها في برهة ما تكشف المستور وتباغت ناقلة الواقع كما هو، كونها تنقل بالصوت والصورة والحركة كل شيء مهما حرص القيّمون عليها على توظيفها وتحويلها إلى أداة تخدم غاياتهم وأهدافهم، ففي فضيحة مجلجلة على الهواء أخيراً وفي سياق شروع القنوات التركية القيام بجولات ميدانية في شوارع عفرين وحواريها واستضافة مدنيين في محاولة للإيحاء وكأن شيئاً لم يكن وأن الوضع طبيعي وعلى ما يرام في المدينة. فمثلاً، قناة «ترك خبر» وبينما تلتقي مع مجموعة من الناس خلال بث مباشر، يحادث المذيع بعض المارة فيقول أحدهم وهو رجل مسن باللغة الكردية: «إنهم لا يريدون جماعات مسلّحة في المدينة وأن الجيش «الحر» مجاميع سرقة ونهب وقتل»، مضيفاً أنهم في الأمس فقط أغتصبوا ثلاثة فتيات لا تتعدى أعمارهن الـ15 سنة. فما كان من المذيع إلا أن شرع بتحوير كلام الرجل عند الترجمة إلى اللغة التركية مستبدلاً اسم «الجيش الحر» بـ «وحدات حماية الشعب والمرأة».
والحال أن هذا التلفيق والتدليس وتشويه الحقيقة على «عينك يا تاجر» كما في الواقعة المذكورة أعلاه، مجرّد عينة اذ أن مجمل السردية التركية تقطر كذباً ونفاقاً حول مبررات عملية إحتلال عفرين وأهدافها بمعية مرتزقة ومجموعات تكفيرية. فعلى رغم محاولة استغلال الإعلام والتلفزيون وتوظيفهم خصوصاً لتسويق الدعاوى الكاذبة وتحريف الحقائق وتزوير الوقائع على الأرض، لكن ثمة دوماً ثغرات ستتسلل عبرها الحقيقة وتكشف أن كل ما يبث من فبركات عبر دس السم بالعسل لن تنطلي على المشاهد. فهو في النهاية أذكى من العقل السلطوي الغبي الذي يسخّر متذاكيا الشاشة الصغيرة كجزء من ترسانة القتل والإحتلال والإرهاب.
شيرزاد اليزيدي/الحياة