لا تزال مسألة المنطقة العازلة بين الحدود التركية السورية هي الشغل الشاغل لدى الأطراف السياسية الفاعلة في الأزمة السورية من دون الإعلان عن موعد للترتيبات النهائية للمضي في هذا المشروع.
وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو أعلن، الجمعة، عن تواصل جهود إقامة المنطقة العازلة في شمالي سورية، وهي التحركات التي لم تعجب روسيا فكان الرد في إدلب.
خلال مؤتمر صحافي مشترك في برلين مع نظيره الألماني هايكو ماس، أكد بومبيو أن الولايات المتحدة ستواصل دعم جهود الأمم المتحدة الرامية للحل السياسي في سورية، كما شدد على تأييد بلاده لجهود الحد من العنف في هذا البلد.
وردا على سؤال صحافي حول طلب الولايات المتحدة دعما عسكريا من حلفائها لإنشاء منطقة عازلة بسورية، قال بومبيو :”نسعى لتأسيس نظام بوسعكم تسميته منطقة عازلة أو أي شيء آخر، مضيفًا: “جهود إقامة منطقة عازلة شمالي سورية للفصل بين أكراد سورية وحدود تركيا لا تزال متواصلة”.
وأوضح أن المنطقة العازلة المزمعة ترمي للحيلولة دون التوترات بين تركيا والمجموعات المدعومة أمريكيًا في المنطقة “قوات سورية الديمقراطية” ولمح بتطبيق نموذج منبج وهو ما يعني نكسة اخرى لجهود اردوغان حيث لا يسمح للقوات التركية بدخول تلك المنطقة وانما ستبدأ مع القوات الامركية بتسيير دوريات على طول الشريط الحدودي ضمن حدودها .
رضوخ تركي
لهجة الوزير الأمريكي عن التفاهمات بين بلاده وأنقرة بخصوص المنطقة العازلة تشي بتنازل إردوغان عن اشتراطه إدارة المنطقة المزمع إقامتها منفردًا.
الرئيس التركي أكد أكثر من مرة أن المنطقة العازلة، ستكون حصرا تحت إدارة تركيا، ورفض سابقًا مقترحات وجود قوات دولية أو غربية فيها، للفصل بين القوات الكردية والتركية.
في فبراير الماضي، قال إردوغان لشبكة “سي. إن. إن ترك”: “إن كان لابد من إقامة منطقة آمنة على حدودنا (مع سورية)، إذن ينبغي أن تكون تحت سيطرتنا لأنها حدودنا”.
مسألة المنطقة العازلة في سورية برزت بشكل كبير خلال يناير الماضي، عندما اقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أن تكون بعمق 32 كيلومترا، دون أن يوضح حينها من سيتولى الإشراف على المنطقة.
وجاء اقتراح ترامب بعدما أعلن قراره المفاجئ بشأن الانسحاب الأمريكي من سورية، مما شكّل صدمة قوية لقوات سورية الديمقراطية، المؤلفة من غالبية كردية، خوفًا من هجوم تركي وشيك.
وتحدثت تقارير إعلامية عن أن إدارة ترامب طلبت من حلفائها الغربيين المساعدة في إنشاء المنطقة العازلة، للحيلولة دون صدام تركي كردي، ولضمان عدم عودة داعش، فيما قال دبلوماسيون إن هناك مفاوضات بين الأوروبيين وواشنطن بشأن المنطقة.
ولعل خطوة قيام قوات سورية الديمقراطية بتشكيل مجالس عسكرية في المدن ومنها الحدودية مع تركية في كوباني وتل ابيض والحسكة ياتي ضمن الخطة الامركية الكردية لضمان انتشار قسد فيك هذه المناطق عوضا عن وحدات حماية الشعب.
الرد في إدلب
في هذه الأثناء، يكثف الجيش السوري المدعوم من روسيا قصفة لمحافظة إدلب الذي بدأه مطلع الشهر الجاري ردًا على عدم التزام أنقرة ببنود اتفاق سوتشي الخاص بإقامة منطقة منزوعة السلاح في المحافظة، وسعي إردوغان للوصول إلى تفاهمات بشأن المنطقة العازلة شمالي سورية مع واشنطن دون إشراك موسكو.
الهجوم الروسي أجبر إردوغان على التحرك سريعًا ومحاولة تهدئة الأمور في إدلب، فخلال اتصال هاتفي، هو الثاني خلال 15 يومًا، بحث الرئيس التركي مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين الوضع في مدينة إدلب ودعا إلى ضرورة خفض التصعيد بالمحافظة السورية.
وكالة الأناضول الموالية للنظام التركي قالت الجمعة، إن إردوغان ألح على تنفيذ هدنة فورية في المنطقة التي تسيطر عليها جبهة تحرير الشام -جبهة النصرة سابقًا- الموالية لحكومة أنقرة، تحت ذريعة الحيلولة دون مقتل المزيد من المدنيين وتدفق اللاجئين على تركيا.
الرئاسة التركية قالت في بيان إن إردوغان أبلغ بوتين في اتصال هاتفي الخميس، إن سورية في حاجة إلى حل سياسي، وإنه من الضروري تطبيق وقف إطلاق النار على الفور في إدلب من أجل التركيز مجددا على العملية الهادفة لحل النزاع السوري.
خروقات
هيئة تحرير الشام المصنفة ك تنظيم ارهابي عززت بالمخالفة لاتفاق سوتشي من وجودها في إدلب منذ مطلع العام الجاري، ما أثار حفيظة النظام السوري والحليف الروسي من استعداد التنظيم الإرهابي لشن هجوم كبير في محافظة حماة، وسط سورية.
في هذا الاتجاه، قال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف ردًا على سؤال عن اقتراح الرئيس التركي بتنفيذ وقف لإطلاق النار في إدلب، اليوم الجمعة، إن منع الإرهابيين في المدينة السورية من قصف أهداف مدنية وروسية مسؤولية تقع على عاتق تركيا.
بيسكوف أوضح في تصريح للصحافيين أنه من الضروري أن يوقف الإرهابيون في إدلب إطلاق النار على الأهداف المدنية ومن بينها قاعدة حميميم التي يوجد فيها عسكريون روس مؤكدًا من جديد أن تحقيق ذلك وفق الاتفاقات التي تم التوصل إليها في سوتشي هو مسؤولية الجانب التركي.
وكان وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف دعا في تصريحات صحفية في وقت سابق تركيا إلى تنفيذ التزاماته بموجب اتفاق سوتشي حول الوضع في إدلب مؤكداً أن بنود مذكرة التفاهم التي تم التوصل إليها في سوتشي في السابع عشر من سبتمبر الماضي بين روسيا وتركيا حول الوضع في منطقة خفض التصعيد في إدلب لم تنفذ بالكامل .
لماذا إدلب الآن؟
في 26 مايو الجاري كشف مصدر مقرب من المبعوث الأمريكي إلى سورية جيمس جيفري لموقع المونيتور إن الأخير اعترف بالمواقف المتناقضة بين تركيا والأكراد في سورية حول مقترح إقامة منطقة آمنة شمال شرق البلاد كما أنه يحاول كسب بعض الوقت من خلال استكمال المحادثات بين الجانبين.
“المونيتور” قال إن مأزق العلاقات التركية الأمريكية في سورية يتوقف على ما وصفه المصدر بــ “عامل جون بولتون”، موضحًا أن مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون، والذي يُعتبر العقل المدبر للتحركات الأمريكية الأخيرة ضد إيران، ليس لديه مصلحة في التنازل عن شمال شرق سورية لتركيا، والتي تبدو أنها تتواصل مع طهران بشكل أكبر من واشنطن.
تدرك أنقرة أنه ما لم تتنازل مع واشنطن في المسرح السوري، فإن العواقب الضارة ستؤثر بشكل أكبر على الاقتصاد التركي، الذي يعاني بالفعل من أزمة، ولكن الأزمة لم تقف عند ذلك الحد فحسب بعدما تدهورت تفاهماتها مع موسكو.
الكاتب بموقع المونيتور ميتين جورجان، يرى أن تركيا تحاول الحفاظ على علاقاتها الجيدة مع روسيا لإحياء جهود خفض التصعيد في إدلب ومواصلة الحوار مع الولايات المتحدة لإقامة منطقة آمنة في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد، ورغم ذلك، يبدو أن هذه الاستراتيجية لم ترضِ واشنطن أو موسكو، لافتًا إلى أن هجوم إدلب هو إشارة واضحة لهذا الفشل.
أشار إلى أن روسيا تخبر تركيا من خلال هجوم إدلب أنها لن تسمح لأنقرة وواشنطن بإقامة لعبة جديدة في سورية دون موافقتها في إشارة إلى التفاهمات الأمريكية التركية بخصوص المنطقة الآمنة شمالي سورية، فيما توقع فابريس بالانش مدير مجموعة البحوث و الدراسات حول البحر الأبيض المتوسط و الشرق الأوسط في معهد واشنطن سيطرة الجيش السوري على إدلب قبل حلول الخريف.
كابوس إردوغان
“المونيتور” لفت إلى أن العمل العسكري الروسي والسوري يهدد سلامة أفراد الجيش التركي المتمركزين في شمال غربي البلد العربي.
بالإضافة إلى ذلك، أكد الموقع الأمريكي أن إدلب، التي يُحتمل أن يتدفق مئات الآلاف من اللاجئين منها لتركيا على إثر الحملة العسكرية للنظام، تمثل كابوسا لأنقرة.
ونشرت وكالة الأناضول، اليوم الجمعة، ما يؤكد المخاوف التركية من أزمة تدفق اللاجئين من إدلب، حيث قال رئيس الدفاع المدني في سوريا (الخوذ البيضاء)،رائد الصالح، في مؤتمر صحفي بمدينة إسطنبول التركية، وضم عدة مؤسسات سورية، إن 3 ملايين مدني مهددون بالتهجير في إدلب شمالي سوريا، حيث “تشهد المنطقة أكبر كارثة إنسانية مع أقل استجابة دولية”.
كما وضح آرون لوند الباحثٌ غير المقيم في برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي في تقرير نُشِر في 21 من مايو أن اهتمام تركيا الأكبر بالمدينة السورية يتركز حول الحفاظ على الوضع هادئًا داخلها لتجنب حل عسكري دموي من شأنه أن يؤدي إلى تدفق ملايين اللاجئين إليها.