تُعد محافظة إدلب، المعقل الأخير للمعارضة السورية، نقطة خلاف رئيسة بين الحليفتين تركيا وروسيا، اللتين تتمتعان بالقوة والنفوذ في الصراع الدائر في سوريا.
وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الخامس من مايو إن الرئيس السوري بشار الأسد “سعى إلى تخريب التعاون التركي الروسي” وانتهاك اتفاق وقف إطلاق النار من خلال تنفيذ ضربات جوية وعمليات برية في إدلب. ولم يتمكن أردوغان من إلقاء اللوم مباشرة على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فآثر أن ينتقد الأسد. لكن يبدو أن بوتين تلقى الرسالة ورد على أردوغان بموجة أخرى من الضربات الجوية على إدلب.
ووفقاً لبيانات مختلفة، فإن ما يصل إلى ثلاثة ملايين مدني يعيشون في إدلب، ونصف السكان مُهَجّرون في الداخل أتوا من أماكن أخرى في سوريا. كما أن إدلب هي الملاذ الأخير لمقاتلي المعارضة القادمين من مناطق أخرى سيطرت عليها قوات الحكومة. وبسبب أعمال القصف التي تنفذتها قوات روسيا ونظام الأسد، فر أكثر من 150 ألف مدني بالفعل من المحافظة.
ونظراً للأهمية الاستراتيجية التي تتمتع بها إدلب، فإن كلاً من نظام الأسد وروسيا يصر على عدم ترك المدينة تحت سيطرة المعارضة. وستكون استعادة السيطرة على إدلب خطوة بارزة لها رمزيتها نحو تنفيذ هدف الأسد المتمثل في تجديد التأكيد على سيطرته على كافة مناطق سوريا.
وتعطي إدلب يداً لروسيا على تركيا. فقد وقّع البلدان مذكرة في سبتمبر لإنشاء مناطق عدم تصعيد في إدلب، يضع عبء الحفاظ على النظام بين جماعات المعارضة الموجودة هناك على كاهل القوات التركية. لكن منذ ذلك الحين، تنتقد روسيا وقوات الأسد تركيا وتتهمها بعدم تنفيذ ما عليها في الاتفاق. وكانت الشكوى الأكبر عدم رغبة تركيا، أو ربما فشلها، في السيطرة على عدد من الجماعات المتطرفة، بما في ذلك هيئة تحرير الشام التي تنطوي تحت مظلة تنظيم القاعدة، والتي سيطرت على معظم المناطق المهمة في إدلب.
وبينما كانت روسيا تنتقد تركيا بسبب فشلها في فرض السيطرة الكاملة على الجماعات الراديكالية، فإنها نجحت إلى الآن في تجنب إطلاق قوات النظام هجوماً شاملاً على إدلب. ويبدو أن الأسد المدعوم من روسيا وإيران سيصر على الاستمرار في استهداف إدلب تدريجياً، بدلاً من إطلاق هجوم شامل على المدينة.
وسيكون لأي كارثة إنسانية في إدلب أثرٌ يطول المنطقة؛ فتركيا تؤوي بالفعل 3.6 مليون لاجئ سوري، وستتسبب أي عملية عسكرية واسعة في نزوح مئات الآلاف من اللاجئين الجدد، إن لم يكن ملايين، باتجاه تركيا. ويشعر الرأي العام في تركيا بالإحباط أصلاً من وجود اللاجئين السوريين، الذين فاقم وجودهم أزمة اقتصادية. وقد تزداد حدة التوتر إذا تدفق على تركيا المزيد من اللاجئين. ومن لا ينتهي بهم المطاف في تركيا، يتجهون إلى المناطق السورية المجاورة التي تخضع لسيطرة القوات التركية وحلفائها من السوريين.
وقد تجعل خسارة إدلب تركيا تُصدِر لجماعات المعارضة التي تدعمها تعليمات ضد القوات ذات الأغلبية الكردية في شمال شرقي سوريا. وإلى الآن، يبدو أن تركيا ردت على الهجمات التي تعرضت لها إدلب بإرسال إمدادات جديدة من الأسلحة إلى جماعات المعارضة هناك.
وفي الوقت الذي تتعمق فيه العلاقات الاقتصادية والسياسية والعسكرية التركية مع روسيا، وتشهد علاقاتها مع الغرب حالة من الشحن على خلفية عدد من الخلافات، قد تتمكن أنقرة من تحمل خسارة إدلب، لكن ثمن تقاربها مع روسيا سيظل يرتفع.
المصدر: سليمان اوزيرن