تقول تركيا: إنه في حال شن الجيش السوري هجوماً على إدلب فإن اتفاق أستانا سينهار.
يستوقف المرء مثل هذا التصريح الذي لا ينفصل عن مسار من المواقف الكثيرة التي تعكس شيئاً واحداً وهو أن التطلعات التركية في سوريا كما العراق كما في المنطقة العربية كلها لا تتوقف عن التعبير عن نفسها ومحاولة ترجمة ذلك نفوذاً وحضوراً بل احتلالاً كذلك.
لا ينسى أحد ظهور أردوغان في نهاية سبتمبر/أيلول 2016 وخروجه بموقف ضد اليونان عندما قال: إن معاهدة لوزان التي وقعت عام 1923 ورسمت حدوداً شبه نهائية للدولة التركية الجديدة لم تكن نصراً بل هزيمة والأسس التي قامت عليها خاطئة ويجب تصحيح هذا الأساس.
وعندما دخل تنظيم «داعش» إلى العراق ظهرت فجأة مسألة تمركز قوة تركية في منطقة بعشيقة. وعندما طالبت بغداد بسحب القوة التركية لأنها غير شرعية برر الأتراك وجودها بأنها للمساعدة على محاربة «داعش» وتحرير مدينة الموصل. وشنت أنقرة حينها هجوماً عنيفاً على رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي.
لم يكن معسكر بعشيقة الأول ولا الأخير في العراق فهناك أكثر من 12 نقطة تمركز عسكرية تركية في شمالي العراق منذ سنوات.
ومع أن المبررات العسكرية لوجودها واهية وغير شرعية فإن تحذيرات أنقرة من أن «الموصل كانت لنا» تضيء على جانب من هذا الوجود العسكري.
وعندما دخلت تركيا إلى سوريا في 24 أغسطس/آب 2016 واحتلت منطقة جرابلس- أعزاز- الباب ضمن عملية «درع الفرات» كانت أنقرة تصرح بعدها بشهر بأن شمالي سوريا بما فيه حلب كان ضمن الميثاق الملي التركي لعام 1920.
وفي التطورات التي تلت نجد أن وسائل الإعلام التركية تركّز على البعد التركي في العمليات العسكرية التركية في سوريا. فذريعة التدخل التركي هي تنظيف المنطقة الحدودية داخل سوريا من مقاتلي وحدات الحماية الكردية المؤيدة لحزب العمال الكردستاني وبالتالي اعتبارها إرهابية. تنظيف المنطقة يعني في الخطوات العملية طرد العنصر الكردي منها وإحلال عناصر غير كردية وحتى غير عربية وإحلال عناصر من أصول تركية مثل التركمان أو الأويغور أو الأوزبك وإقامة «درع تركي» داخل سوريا على امتداد المنطقة الحدودية مع تركيا.
بهذا المنطق كانت عملية عفرين التي أفضت إلى إخلائها من سكانها الأكراد وجلب الآلاف من اللاجئين السوريين والمسلحين من جنسيات مختلفة للحلول محل الأكراد.
وعندما كان يُسأل رئيس الوزراء السابق بن علي يلديريم عمن سيتولى إدارة المناطق الجديدة كان يجيب «أصحابها الأصليون».
خطوات تركيا في مناطق درع الفرات ومن ثم في عفرين تعكس السعي لتغيير الواقع الديموغرافي والاجتماعي والتعليمي في المناطق التي تحتلها تركيا في الداخل السوري. فسياسة التتريك قائمة على قدم وساق، وسياسة التجنيس لا تتوقف لحسابات داخلية تركية ومستقبلية سورية. ولا تتوقف العين التركية على هاتين المنطقتين فهي مرصودة على كامل منطقة «الشريط الكردي» التي تهيمن عليها الولايات المتحدة إلى الشمال الشرقي من نهر الفرات. لكن تواجد الولايات المتحدة هناك لا يزال يشكل رادعاً لأنقرة لمنع تدخلها هناك.
تبقى العقدة الأكبر وهي إدلب التي تشكل الورقة الأكثر تأثيراً بيد تركيا. ذلك أن كل المسلحين الذين كانوا يتركون مناطقهم عنوة أو اتفاقاً كانوا يلجؤون إلى إدلب. وهي منطقة خفض تصعيد فيها أكثر من ثماني نقاط مراقبة لتركيا. مع ذلك فإن المجموعات المسلحة هناك لم يعد لها وظيفة في الحرب السورية بعد حصرها هناك سوى تنفيذ أجندات تركية تتعلق بالمصالح التركية وليس بأي شيء آخر. وتركيا تريد من خلال هذه المجموعات المسلحة التي تقدر بالآلاف المقايضة على أن تكون إدلب منطقة نفوذ تركية خالصة في الحل النهائي للأزمة السورية بحيث يكون الشريط السوري الممتد من حدود الإسكندرون الجنوبية ثم عفرين فمناطق درع الفرات وصولاً إلى شمال شرق الفرات وصولاً إلى حدود العراق مناطق خالصة تابعة إما نفوذاً أو سلطة مباشرة للنظام التركي لينفذ بذلك تطلعات تاريخية عمرها مئة عام. وهذا من أخطر ما يمكن أن تسفر عنه الحرب السورية.
محمد نورالدين/الخليج