انتفاضة الحرية والكرامة السورية، التي ضحى من أجلها الشعب السوري، وقدم الغالي والنفيس في سبيل انتصارها، حولتها اليوم فصائل غصن الزيتون المتصارعة في عفرين لانتفاضة زيت الزيتون وحبة الزيتون التي تشتهر بها هذه المنطقة المعطاءة.
فصائل غصن الزيتون التي فقدت عذريتها اليوم، حولتها تركيا لشماعة تعلق عليها أعمالها السوداء، وجعلت منها مطية لتحقيق رغباتها ومصالحها، التي لا تستطيع تركيا أن تفعلها بنفسها خشية تشوية صورتها العالمية.
أما عن قادة الفصائل فقد غدوا اليوم رجال أعمال يتحدثون بملايين الدولارات التي نهبوها وسرقوها من خلال عملية ما يسموه باغتنام العفريني، وكأنهم نسوا بأن هذا العفريني هو من آوى ولجأ إليه الآلاف من مشردي المناطق المدمرة في الشمال السوري أثناء الحرب السورية.
إن كلمة التحرير في اللغة العامية المحكية تحولت اليوم لمعنى مرادف للسرقة والنهب والتعفيش، وفي كل سنوات الأزمة لا يمكنك أن تجد ما هو أكثر إثارة للاشمئزاز والاحتقار من أفعال هذه العصابات المتناحرة.
أشارت تقارير خاصة لمصادر مينا أنه قبل قدوم موسم قطف الزيتون كانت التقارير الاستخبارية التي ترفع من جانب عملاء الاستخبارات التركية حول الوضع في عفرين إلى أنقرة تتحدث عن أنه يجب احترام خصوصية هذا الموسم في عفرين، كونه المصدر الوحيد لدخل أهالي المنطقة، وكون هذا الموسم يتمتع برمزية معينة لدى الأهالي.
ووفقا لنفس المصادر فقد جاء الأمر على الشكل التالي: بعدم التعرض للأهالي وأصحاب الأراضي الزراعية والسماح لهم بقطف زيتونهم الثمين، لكن من هناك من يلتزم بالأوامر والتعليمات في عفرين؟!
التعليمات كلها تأتي من المخابرات التركية، وكل ما يظهر من قرارات ودعايات على الصحافة والإعلام، ماهي إلا عبارة عن إجراءات شكلية من أجل أن تخرج التمثيلية محبوكة بشكل جيد إلى العلن.
الدعايات الأولى بدأت تتحدث عن السماح للمزارعين بقطف زيتونهم وعصره، وتقديم نسبة قليلة منه للمجالس المحلية، التي شكلتها تركيا في كل قرى وقطاعات عفرين، ومن ثم سيأتي تجار أتراك لشراء هذه الزيوت بأسعار مقبولة عالميا.
وبالفعل وفر موسم قطف وعصر الزيتون فرصة عمل جيدة ومقبولة للأهالي المشردين والنازحين، الذين تعاونوا مع الأهالي المحليين في عملية القطف والعصر من أجل الحصول على عدة آلاف من الليرات في اليوم الواحد.
الجدير بالذكر أن أغلب أهالي هذه المنطقة ( أكثر من ٧٥% من أهالي المنطقة) قد أجبروا على الخروج خشية بطش فصائل غصن الزيتون بهم بعد تحرير المنطقة.
وأغلب من تشردوا هم من أصحاب الأراضي، الذين تم اتهامهم بالانتماء لحزب ال بي كي كي الإرهابي، وتمت مصادرة بيوتهم وأراضيهم الزراعية، التي قامت الفصائل بحصدها وجنيها وبيعها لتركيا بشكل حصري.
المعادلة بسيطة في مناطق غصن الزيتون: كل عفريني يعيش خارج منطقة غصن الزيتون هو “بي كي كي” وماله وأملاكه مباحة لهم، حتى يأتي لعفرين وتسقط عنه هذه التهمة الجاهزة من خلال دفعه لما تيسر لهذه الفصائل.
وبعد أن تمت عملية عصر الزيتون في المعاصر التقليدية، التي نهبتها الفصائل أثناء دخولها المنطقة، هرعت تلك العصابات لفرض الأتاوات والضرائب والسلب والنهب بالقوة.
وبعد أن قام ما يسمى التجار الأتراك بشراء كميات قليلة من الزيوت في منطقة جنديرس التابعة لعفرين بسعر بخس، امتنعوا عن الشراء وفرضت السلطات التركية قرارا بمنع خروج زيت عفرين الثمين لخارج المنطقة، حتى يقل الطلب على السلعة ويكثر العرض، وبالتالي تنخفض قيمة المحصول المنتج.
وبالفعل هذا ما حصل، فقيمة تنكة الزيت العفريني، الذي يعتبر من أجود أنواع الزيوت العالمية تعادل اليوم أكثر من ١٠٠ دولار بالسوق العالمية، ولكنها في النهاية بيعت ب ١٠ آلاف ليرة سورية ( أي ما يعادل ١٨ دولار).
وبحسب تقديرات الخبراء الاقتصاديين, فإن المزارع العفريني اليوم الذي دفع ما يعادل ١٥ دولار كتكلفة لجني وعصر تكنة الزيت الواحدة أصبح أمام خيارين لا ثالث لها:
الأول إما أن يضطر لبيعها بسعر بخس في السوق السوداء للتجار، الذين يعملون على دفع الرشاوى لحواجز فصائل غصن الزيتون لتهريبها خارج المنطقة.
الثاني هو بيعها للتجار الأتراك، الذين لا يدفعون سوى تكلفة جني وعصر التنكة الواحدة.
وفي نهاية المطاف تكشفت اللعبة. تركيا قامت بشراء زيت زيتون عفرين بثمن قطفه وعصره فقط، ولم تتكلف عليه سوى نقله إلى تركيا، وبيعه في الأسواق العالمية بالسعر الحقيقي.
ووفقا لمصادر مستقلة, فإن 18 مليون شجرة زيتون في عفرين وريفها نهبت خيراتها بطريقة ممنهجة من قبل تركيا والفصائل المدعومة من قبلها، ولم يتبقى للمزارع المسكين سوى الآهات والحسرات.
وإذا ما نظرنا للجدوى الاقتصادية لهذا الموضوع, ففي السنة القادمة لن تجد مزارعا عفرينا واحدا سيقوم بقطف زيتونه وعصره، لأن تكلفة ذلك ستكون أقل بكثير مما سيجنيه في حال بيعه المحصول في ظل هذه الظروف.
ناهيك عن أن جرم تهريب الزيت اليوم في منطقة عفرين أصبح يعادل جرم تهريب المخدرات والحشيش، ولذلك تجد السلطات التركية تفرض قيودا قاسية وحواجز مشددة على سيارات نقل الزيت داخل المنطقة.
ويبقى السؤال المطروح هنا، هل قامت ثورتنا منذ ثمان سنوات من أجل حبة زيتون؟ وهل هذه الفصائل الفاسدة تمثل فعلا روح الثورة، التي قامت من أجل الحرية والكرامة؟
طبعا لا.
إن هذه الفصائل تحولت لمليشيات مرتزقة تأتمر بأمر الداعم، ولم تعد تمثل أهداف وروح الثورة السورية.
الثورة السورية التي قدم الشعب السوري لأجلها مئات آلاف الشهداء وتشرد من أجلها الملايين لن تقبل بوجود مثل هؤلاء الأشخاص، الذين باعوا أنفسهم ومبادئهم ودينهم بسعر بخس.
المصدر: مينا
احمد العساف