عام مضى على احتلال أردوغان ” تركيا” لمدينة عفرين الواقعة في أقصى شمال غربي سوريا وذلك بتواطؤ معظم القوى محلياً كانت أو إقليمياُ وحتى دوليا، ولم نرَ أكثر من بيانات شجب وتنديد لا تصل لمستوى مسح دموع أبناء وأمهات عفرين على فقدان عزيز. وبالرغم من المقاومة التي أبداها أبناء هذه المدينة لمدة تربوا على الشهرين وتقديم أكثر من ألف شهيد، إلا أنَّ تلك المقاومة قصمت ظهر أردوغان ، حتى راح يستجدي رضى روسيا وينبطح أمام بوتين كي ينقذه من المستنقع الذي دخله ويستثمر هذا النصر المزيف في الانتخابات التي جرت في حينها وأعطت لأردوغان تركيا فرصة للتربع على عرش تركيا كأول رئيس له كافة الصلاحيات التشريعية والتنفيذية والقضائية.
عامٌ مضى على احتلال عفرين ويتكرر السيناريو هذه المرة في اقصى الجنوب الغربي من الجغرافيا السورية ولكن هذه المرة الضحية هي الجولان المحتلة أصلًا ولكن هذه المرة تم إضفاء الشرعية على هذا الاحتلال من قبل ترامب الذي أهداها لنتنياهو ولنفس الهدف تقريبا وهي الانتخابات المزمع عقدها في أبريل القادم ليستثمرها كما استثمرها أردوغان. وبذلك نكون أمام شخصيتين هزليتين أردوغان ونتنياهو اللذين أيقنا أنه لا فوز في الانتخابات إلا على حساب أراضٍ وتهجير شعبها منها.
محليًا، التصريحات هي نفسها لم تختلف كثيرًا. نندد ونشجب وسنرد في الوقت المناسب وأنَّ صواريخنا ستهز عرش المحتلين وتقضي عليهم. هي نفس الديباجة الرنانة التي نسمعها منذ أكثر من عشرات العقود لتحرير ما تم احتلاله من الغير. لكنه وحتى الآن لم نرَ هذا التحرير. بل على العكس مزيدًا من الاحتلال والخنوع والذل. حتى أيقنا أنه يجب استبدال النسر المُعبر عن شعار “الجمهورية العربية السورية”، إلى نعامة. التي ستكون معبرة عن حالة القيادة السورية أكثر وكذلك عن حقيقتها المخزية. النعامة التي تطمر برأسها في رمال رياح المتغيرات والتغييرات الحاصلة في المنطقة ولا تراها وكأن الأمر لا يعنيها البتة. يجب على الشعب السوري أن يغير النسر إلى نعامة، بعدما حولت روسيا الأسد إلى أرنب أو “فرخة” كما يقول أشقاءنا المصريون.
أثناء احتلال تركيا لمدينة عفرين طلَّ علينا المقداد مصرحًا بأن الصواريخ السورية ستسقط أية طائرة تركية تنتهك سيادة السماء السورية، هي نفسها التصريحات التي سمعناها ونسمعها بعدما منحت روسيا صواريخ أس 300 لسوريا “للعرض فقط وليس للاستخدام”، بأنهم سيسقطون أي طائرة إسرائيلية تنتهك الأجواء السورية. لم نرَ لا صواريخ المقداد ولا صواريخ الجعفري، لأنها أي الصواريخ كانت رؤوسها مدفونة في الرمال كما هي مُشَغليّها.
اقليميًا، لم يتغير شيئًا هي هي نفس الشخصيات والمؤسسات وحتى نفس البيانات والتصريحات الفنكوشية التي ليست لها أية قيمة، إلا أن “نبللها ونشرب ميتها”.
دوليًا، أيضًا لا جديد سوى اجتماعات لمجلس الأمن وبعض المنظمات الدولية الأخرى والتي بالأساس تم تشكيلها بعد الحرب العالمية الثانية لخدمة المنتصرين حينها ووقتها، واليوم أيضًا. روسيا والصين ستندد وفرنسا وبريطانيا العظمى وألمانيا ستدعوان لاجتماعات في مجلس الأمن وبعض الاحتجاجات هنا وهناك لامتصاص حالة الغضب، وبعدها سيتعب المهرجون ويعودون القهقرى لحظائرهم كالقطيع.
البداية كانت من لواء اسكندرون الذي كانت فرنسا عرابته، وباعه نظام الأسد لأردوغان تركيا في اتفاقية أضنة بشكل علني ولم يسأل ويفكر وقتها إلا عن السيادة العائلية للسلطة واستغنى عن السيادة الوطنية على حساب السيادة العائلية الطائفية. وبعدها نفس المشهد كانت عفرين والذي كانت روسيا عرابته وكانت سيادة العائلة هي أهم من السيادة الوطنية، واليوم جاء دور الجولان وعرّابه ترامب” أمريكا”، أيضًا سيطمر الأسد رأسه في رمال السلطة ولتذهب السيادة الوطنية إلى الجحيم ولتحيا السيادة العائلية الطائفية.
الاختلاف الكبير الذي يمكننا ملاحظته بين هذه المقاربات، هي أن لواء اسكندرون والجولان ليس هناك من يُطالب به سوى السلطة مع غياب الشعب الذي تم تهجينه وتنميطه على حساب الممانعة والرد في الوقت المناسب، والذي أفرغ همّة الشعب في المقاومة واسترجاع ما تم احتلاله. بينما في عفرين كانت ثمة مقاومة اعترف بها العدو قبل الصديق وأن هذه المقاومة مازالت مستمرة حتى الآن.
الحل الأمثل للخروج من المطحنة وفوضى النظم السلطوية التي لا همَّ لها سوى مصالحها، هو أن تتحد الشعوب مع بعضها البعض وتترك النظم المنبطحة والميتة تعيش في أوهامها السلطوية حتى تتعفن ويرميها التاريخ في مكانها المناسب.
الشعوب هي دائما من تصنع التاريخ، إن هي توحدت ورسمت لنفسها طريق الحرية والكرامة، لأنها حيَّة وولاَّدة تنجب من يحمي ويصون مجتمعاتها. وهذا ما أثبتته شعوب شمالي شرق سوريا التي تحررت من عقدة “الدولة هي التي ستحمينا” واعتمدت على ذاتها ووصلت إلى ما وصلت إليه الآن في احترام العالم لها بعدما قضت على “داعش” في آخر جحوره، وكذلك ستفعل في عفرين وتقضي على أردوغان “تركيا” ومرتزقته.
وإن لم تتوحد الشعوب مع بعضها البعض قبل فوات الأوان وتحافظ على ما تبقى من وجودها الهزيل أصلًا، على أساس أخوة الشعوب والعيش المشترك والأمة الديمقراطية. حينها ستحل اللعنة ليس فقط على النظم السلطوية بل على المجتمعات أيضًا والتي ستكون هي الضحية في نهاية المطاف. والقادم أعظم.
محمد رسلان/صدى اليوم