حلم الحرية أصبح كابوسا في المناطق الخاضعة لسيطرة تركيا شمال سوريا

قبل ثمانية اعوام خرج عدد من السورين فيما سميت حينها بـ”ثورة الحرية والكرامة “ لكن هؤلاء السوريون المعارضين وبعد مرور هذه السنين لم يتحقق حلمه بتلك الحرية التي خرجوا يوماً من أجلها رغم أن مناطق واسعة في شمالي سوريا وقعت تحت سيطرتهم بمساعدة من جيش الاحتلال التركي، و رغم أن المعارضة منذ عامين تدير مناطق آمنة من القصف والمعارك ضد النظام حيث تحميها تركيا بموجب صفقة مع روسيا
في شمال سوريا الخارج عن سيطرة النظام .
في هذه المناطق يشكل الحديث عن الحريات العامة والخاصة،حتى ان احداً لا يستطيع ذكر اسمه بسبب خوفهم من الخطف والاعتقال والانتقام.
وفي هذا الاطار قام مركزنا وبشكل سري باستطلاع آراء الناس هناك لمعرفة مدى رضاهم عن مستوى الحرية التي يتمتعون بها في تلك المناطق لكن كل من التقيناهم تحدثوا لنا عن مدى معاناتهم من التضييق الممارس في مناطقهم لكنهم طلبوا منا عدم الكشف عن اسمائهم خشية الاعتقال،الأمر الذي اضطرنا أن نسميهم باسماء مستعارة خشية على حياتهم .
يقول ابو عبدالله( اسم مستعار) “واقع الحريات متفاوت تبعاً لانتشار الفصائل أو سياسة المجالس المحلية، فعلى سبيل المثال، تشهد عفرين انتهاكات كثيرة وخطفاً واعتقالات تعسفية مستمرة، بينما الوضع أقل سوءاً على المستوى الأمني في مدينة الباب” يضيف ابو عبدالله ” وفي المقابل، فإنّ أيّ نشاط سياسي أو تعبير عن الرأي أو عمل مدني فيها مرهون بموافقة الأتراك كما أن ترخيص العمل والموافقة عليه محصوران بالمستشار التركي، وهو أمر صعب جداً، إذ هناك قيود صارمة، فإذا كانت النشاطات الإغاثية مرهونة بترخيص عمل ورقابة مباشرة، فما بالك بمجالات العمل الاجتماعي أو المدني ؟” يتسأل ابو عبدالله . وحول الاجراءات المطلوبة للترخيص يبين ابو عبد الله “الترخيص يتطلب دراسة أمنية، وغالباً ما يمضي وقت طويل جداً، قبل البتّ بأمره، وربما بعد كلّ هذا الانتظار يكون الرفض هو الجواب”.
من جانبه يقول ابو حسين ( اسم مستعار )آخر “قبل عدة أيام خرجت تظاهرة احتجاجاً على السياسة التركية الخاصة بالمعبر، وتحديداً بسبب دخول الشاحنات التركية إلى الأراضي السورية، ما أثر بشكل كبير على سائقي الشاحنات السوريين” يضيف ابو حسين “جوبهت التظاهرة بانتشار للشرطة المحلية التي فضّتها في نهاية الأمر بالقوة، واعتقلت عدة أشخاص من بينهم إعلاميون”. و عن رأيه بسلوك القوى المسيطرة هناك يعتبر ابو حسين أنّ هامش الحريات مفقود عموماً، بالنظر إلى نفوذ العسكر والمؤسسات المدنية المرتبطة بهم”.
ولا يقتصر التضييق على الحريات العامة بل يطال حتى الحريات الشخصية وفي هذا الإطار يقول ( س . م ) وهو من سكان منطقة الباب “لا أظن أنّ هناك امرأة تسطيع ان تكون غير محجبة في منطقتنا، وإذا أرد احد المواطنين أن يفتح مدرسة موسيقى أو ينظم حفلة موسيقية هادفة في مكان عام، فمن الممكن أن تواجه رفضاً و قد يصل الأمر إلى تهديدات بالقتل”.
وعلى الصعيد الشخصي، لا يمكن للناس التعبير عن آرائهم
و عن ذلك يقول ( ج. م ) اسم مستعار “يجب علي دائماً تفادي الإجابة عن أسئلة حساسة تتعلق بموقفي السياسي مما يحصل في المنطقة التي أعيش فيها. لا يمكنني مثلاً تقديم شكوى تتعلق بالخدمات ضد كيان أو مؤسسة بسيطة تابعة للمجلس المحلي” يضيف ” مثل هذا عرضني لكثير من الأضرار المباشرة مادياً ومعنوياً، وأفضّل عدم ذكر ذلك، خوفاً على نفسي وعلى عائلتي”. يتابع: “وجودي في هذه المنطقة محكوم بالضرورة، فلو كانت هناك بدائل لغادرت فوراً هنا عليك التعايش مع كمّ هائل من الفساد والتقصير وغياب الخدمات، وفي الوقت نفسه أنت ممنوع من التعبير عن آرائك أو حتى تقديم شكوى”.
يقول آخر”مفهوم الحريات يختلف عموماً من منطقة إلى أخرى. كثيرون يتحدثون عن أمور في العلن ويهاجمون أحياناً الجهات المسيطرة، لكن يجري إهمال كلامهم كونهم غير مؤثرين في مجتمعهم المحلي. لكن، عندما تتحدث شخصيات لها ثقلها في المنطقة، فمن المحتمل عند مساسها بقوى مسيطرة، أن تتعرض بنسبة كبيرة إلى التضييق والاعتقال والقتل”.
يضيف: “في الواقع، ينطبق هذا على حالات أشمل، فعندما يتحدث المجتمع أو شريحة كبيرة منه عن إحدى القضايا فمن الممكن أن تتجاوب السلطات المحلية معهم خوفاً من التذمر، أو على العكس يجري إهمالهم والترويج لواقع مخالف عما يتذمرون منه”.
“العمل السياسي أو المدني حالياً في المنطقة يعتمد على التجاذبات والتوجهات الداعمة له، فالعديد من الطروحات السياسية أو الاجتماعية قد يجري إيقافها أو التضييق عليها لوقوعها خارج مقاربة الوضع الحالي من السيطرة أو التوجه، مع التغاضي دائماً عن بعض الحالات لأهداف مختلفة منها تخفيف الاحتقان”.
يوضح أنّ “انتهاك الحريات، لا يمكن حصره أو الإعلان عنه، فكثيرون يعتمدون مبدأ الكتمان بسبب هاجس الخوف لديهم، إذ يعتبر بعضهم أنّ المشكلة قد حدثت ولا داعي لتكبير الفقاعة، التي من الممكن أن تؤثر سلباً على الشخص نفسه”. ويتابع: “في النهاية، لا داعي لأن أذكر أنّ سورية تحتل المرتبة ما قبل الأخيرة عالمياً في حرية الرأي، وما ينطبق على منطقة، ينطبق حكماً على المناطق الأخرى”.
يقول آخر “الحرية حلم لنا، لكن، في الواقع لا أحد يستطيع انتقاد الفصائل المسلحة أو المجالس المحلية المدعومة من الفصائل بشكل واضح. إذا فعل، فسيعرض نفسه للخطر، في الغالب”. يعتبر أن “لا قيمة لرأي الناس، ففي النهاية ليسوا هم من وضعوهم في مناصبهم، بل السلاح يفرضهم. مسألة الانتقاد ملغاة من أجنداتهم”. يلفت إلى أنّ “حتى القضاء في المنطقة لا يستطيع أن يحمي المدنيين ويضمن حقوقهم”. ويقول إنّ “المجالس ومن يدعمها، تحارب – وإن بشكل غير علني – أي تجمعات أو تشكيلات لقوى جديدة، بدءاً من عدم منحها الترخيص. وذلك، لكي تبقى القوى المسيطرة وحدها من دون أن تنازعها قوى أخرى سلطتها”.
شخص آخر سألنا عن رأيه بالحريات في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية المدعومة من أنقرة لكنه استغرب سؤالنا وقال ” في مناطق القصف، مثل ريفي إدلب وحماة، ومخيمات النزوح، إذ تغيب هذه المسألة تماماً عن تفكير عشرات آلاف السوريين، المشغولين بتأمين مأوى لهم، والقليل من الطعام لسدّ جوعهم ” .
ومن المصادفات التي واجهتنا أثناء إعداد هذا التقرير أن ما يسمى بالجيش الوطني الموالي لتركيا قام بتهديد الأهالي الذين كانوا يعتزمون الخروج في مظاهرات ضد رفع سعر الخبز بالاعتقال بتهمة رفض قرارات الحكومة التركية.

-------------------------------

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا عن طريق إرسال كتاباتكم عبر البريد : vdcnsy@gmail.com

ملاحظاتك: اقترح تصحيحاً - وثق بنفسك - قاعدة بيانات

تابعنا : تويتر - تلغرام - فيسبوك