بعد عقد ثلاث قمم مهمة خلال الأسبوع الجاري، لم تكن هناك أنباء طيبة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وكانت القمة الثلاثية التي حضرتها الدول الثلاث الضامنة لمسار أستانة في منتجع سوتشي الروسي في البحر الأسود واحدة من هذه القمم الثلاث، إلى جانب اجتماع حلف شمال الأطلسي (الناتو) الذي عقد في ميونيخ الألمانية، ومؤتمر الشرق الأوسط للتحالف المناهض لإيران الذي ترعاه الولايات المتحدة والذي حضره وزراء خارجية وكبار المسؤولين من ستين دولة في العاصمة البولندية وارسو يوم الخميس.
وثمة قلق سياسي محلي كان يشغل بال تركيا لدى جلوسها على الطاولة في سوتشي، ألا وهو الانتخابات المحلية التي من المزمع إجراؤها في الحادي والثلاثين من شهر مارس المقبل. وكان أردوغان قد تعهد بشن عملية عبر الحدود في شمال سوريا عشية الانتخابات التي لا تحظى بدعم من أي من الدول الأوروبية. لكن أردوغان يرغب على الأقل في الحصول على الضوء الأخضر من روسيا وإيران. ولا يبدو أن هذا وشيك.
وقبل انعقاد القمة مباشرة، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا إن شرق نهر الفرات يجب أن يكون خاضعًا لسيطرة الحكومة السورية. وكانت هذه التصريحات بمثابة الصدمة الأولى لأنقرة.
وخلال المؤتمر الصحفي الذي عقده زعماء كل من روسيا، وإيران، وتركيا، أصبح جليًا أن خطط أردوغان لإقامة “منطقة آمنة” شرق نهر الفرات لم تكن موضع ترحيب.
وتتفاوض تركيا مع واشنطن لإقامة منطقة آمنة مساحتها 20 ميلًا (32 كيلومترًا) في المنطقة منذ الإعلان المفاجئ للرئيس الأميركي دونالد ترامب في شهر ديسمبر الماضي بأنه سيسحب القوات الأميركية من شمال شرق سوريا. وساعد الدعم الذي قدمته القوات الأميركية في سوريا وحدات حماية الشعب الكردية السورية في إيقاع الهزيمة بتنظيم الدولة الإسلامية هناك. لكن تركيا ترى أن وحدات حماية الشعب الكردية ما هي إلا امتداد لحزب العمال الكردستاني الذي يقاتل أنقرة من أجل الحصول على حكم ذاتي في جنوب شرق تركيا ذي الأغلبية الكردية منذ عام 1984.
وبعدما دافع أردوغان عن فكرة إقامة منطقة آمنة في شمال سوريا ووعد بعودة اللاجئين السوريين، أبدى الرئيس الإيراني حسن روحاني عدم موافقته بقوله إن الحكومة السورية يجب أن يكون لها سيطرة كاملة على البلاد قبل إعادة بناء المدن وإنشاء مناطق آمنة. ثم وضع شرطًا آخر – وهو أنه يجب إخلاء إدلب مما أطلق عليهم الإرهابيين- وهي الجماعات التي تدعمها تركيا – وإعادتها إلى سلطة الحكومة السورية.
ولم يبدُ أردوغان مرتاحًا في المؤتمر الصحفي إلا في اللحظات التي كان يوجه فيها الانتقادات إلى الولايات المتحدة. وقال إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب اتخذ قرارًا بالانسحاب من سوريا، لكن مساعدي ترامب أوقفوا القرار. ولم يبدُ أن أردوغان كان سعيدًا عندما اعترف بأنه ليس من المؤكد أن القوات الأميركية ستنسحب من سوريا.
ولم يتوصل أردوغان إلى اتفاق مع الولايات المتحدة، أو مع حلفاء واشنطن الغربيين بشأن إقامة منطقة آمنة في سوريا. وعلى الرغم من أن ترامب كان قادرًا على قطع وعود خلال اتصال هاتفي مع أردوغان، إلا أن الانسحاب الذي أعلن عنه في تغريدة على موقع تويتر لن يتم تحقيقه بسهولة.
وفي سوتشي، شاهد أردوغان معارضة حلفائه الغربيين لفكرة المنطقة الآمنة، والتي رفضتها أيضًا روسيا وإيران حليفا تركيا. وأصبح احتمال إجراء أردوغان لعملية عبر الحدود في سوريا قبل الانتخابات المحلية بعيد المنال أكثر من أي وقت مضى.
ونقلت وكالة أنباء الأناضول التي تديرها الحكومة التركية عن البيان المشترك أن إيران، وروسيا، وتركيا اتفقت في قمة سوتشي على أن “انسحاب القوات الأميركية من سوريا من شأنه أن يعزز الاستقرار والأمن”.
وقال البيان “اتفقت الأطراف على تنسيق أنشطتهم لضمان الأمن، والسلامة، والاستقرار في شمال شرق سوريا” وأعربوا عن عزمهم الوقوف في وجه المخططات الانفصالية في سوريا.
وجميع هذه التصريحات ليست أنباء طيبة بالنسبة لأردوغان.
وأشار روحاني إلى أنه من غير الممكن شن عملية عسكرية لإقامة منطقة آمنة بدون موافقة إيران وتلبية شرطيه أولًا. لذا، فإن شن عملية في شمال شرق سوريا غير ممكن ما لم تمنحهم إيران والحكومة السورية الإذن.
وتعامل بوتين مع الباقي. وأشار الزعيم الروسي مرة أخرى إلى اتفاق أضنة الذي أبرم عام 1998، والذي يسمح بقيام سوريا وتركيا فقط بعمل عسكري لمكافحة الإرهاب، بدون ذكر اسمه علانية.
وقال بوتين إنه إذا ما كان أردوغان يرغب في شن عملية عسكرية في شمال شرق سوريا، فلا يمكنه القيام بذلك إلا بموافقة الحكومة السورية.
والحقيقة هي أن جميع الطرق التي تؤدي إلى شرق نهر الفرات كانت مغلقة في سوتشي يوم الثلاثاء.
وقد حان الوقت لطرح سؤال مَن الذي سيصوره أردوغان على أنه عدو قبل الانتخابات المحلية الشهر المقبل، إلى جانب بائعي الخضروات والفاكهة.
ووصل تضخم أسعار المستهلكين إلى 20.4 بالمئة حيث عوض ارتفاع أسعار المواد الغذائية آثار تخفيضات الأسعار التي قامت بها الحكومة وتخفيض الضرائب. وألقى أردوغان باللائمة على المنتجين وبائعي التجزئة فيما يتعلق بارتفاعات الأسعار.
ومع فشل الرئيس التركي في الحصول على إجابة في سوتشي، فإنه لم يشارك في اجتماعات التحالف المناهض لإيران الذي عقد في العاصمة البولندية وارسو، والذي نظمته إدارة ترامب، والذي ينشئ تحالفًا جديدًا يشمل إسرائيل، والمملكة العربية السعودية، ومصر، والزعماء الشعبويين في أوروبا الشرقية.
ويبدو أنه ملائم بالنسبة لأردوغان، لكنه استثنى نفسه حيث لا يمكن رؤيته مع إسرائيل، والمملكة العربية السعودية، ومصر في اجتماع مناهض لإيران، كما لا يمكنه معارضة الضغط على إيران علانية.
وأشار وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى الإدارة التركية بصورة غير مباشرة كجماعة الإخوان المسلمين، وعندما سُئل قال إن الإخوان المسلمين سيتم التعامل معهم في إطار الحرب على الإرهاب.
وتكشف هذه المواجهة في العلاقات أيضًا عن المسافة بين بومبيو وإدارة أردوغان. وكان الرئيس التركي قد تجاهل مستشار ترامب للأمن القومي جون بولتون، وهو من ذوي النفوذ في السياسة الخارجية، عندما قام بزيارة إلى أنقرة الشهر الماضي.
وفي القمة الثالثة هذا الأسبوع، قالت وزارة الدفاع الأميركية إن حلف شمال الأطلسي سيناقش خلال الاجتماع إمكانية إرسال قوات دولية لتحل محل القوات الأميركية التي ستنسحب من سوريا. ولم يكن لهذا وقع طيب على أذن أردوغان.
وجاءت صفعة أخرى خلال الاجتماع عندما قال السفير الأميركي لدى حلف شمال الأطلسي كاي هاتشيون بثبات إنه إذا مضت تركيا قدمًا واستلمت نظام الدفاع الجوي الروسي الصاروخي إس-400، فإن هذا سيمثل نهاية اتفاق شراء أنقرة صواريخ باتريوت الأميركية الصنع والطائرات المقاتلة المتقدمة طراز إف-35.
وينبع القلق الرئيسي لدى الولايات المتحدة والذي يتشاركه أعضاء آخرون في حلف شمال الأطلسي، من تزامن نشر الجيش التركي نظام الدفاع الجوي الروسي الصاروخي إس-400 والطائرات المقاتلة المتقدمة طراز إف-35 والذي من شأنه أن يسمح لروسيا بجمع تفاصيل حساسة عن دفاعات الطائرة المقاتلة.
ومرة أخرى، يبدو أن أردوغان عاد بخفي حنين.
إلهان تانيريكتب الصحافي إلهان تانير من العاصمة الأميركية واشنطن لصحف ومواقع إخبارية تركية منذ أكثر من عقد حول سياسات الولايات المتحدة والعلاقات الأميركية التركية.