بينما نقلت وكالة إنترفاكس الروسية الأحد عن الكرملين تأكيده أنّ الإتفاقات مع تركيا بشأن إدلب السورية لم تُنفذ بالكامل وهو ما يثير قلق موسكو ودمشق من تدهور الأوضاع هناك بسرعة حيث تخضع المنطقة بالكامل تقريبا لسيطرة مُتشددي هيئة تحرير الشام / جبهة النصرة، كشف خبراء وسياسيون روس عن سعي أنقرة الحثيث للتنازل عن إدلب مقابل مدينة منبج شمال سوريا، كما وتبحث بالمقابل عن بديل تقايض به مناطق شرق الفرات السوري.
وسبق لتركيا، أن قايضت بالفعل مناطق الغوطة الشرقية في ريف دمشق بمنطقة عفرين الكردية، والتي سيطرت عليها بالفعل أنقرة وفصائل سورية موالية لها في مارس الماضي؛ كما وقايضت حلب الشرقية بمدينة جرابلس.
من جهة أخرى، قالت الحكومة السورية يوم السبت إنّها مستعدة لإحياء معاهدة أمنية تاريخية مع تركيا أدت إلى تطبيع العلاقات لمدة 20 عاما قبل الحرب التي اندلعت في 2011 إذا سحبت تركيا قواتها من سوريا وتوقفت عن دعم مقاتلي المعارضة.
وقالت سوريا في بيان لوزارة الخارجية إنّها ملتزمة بإتفاقية أضنة المبرمة عام 1998 والتي أجبرت دمشق على الكف عن إيواء حزب العمال الكردستاني المحظور الذي يشن حملة تمرد مسلحة ضد الدولة التركية منذ عشرات السنين.
وقال البيان “تؤكد الجمهورية العربية السورية أنّها مازالت ملتزمة بهذا الإتفاق والإتفاقيات المتعلقة بمكافحة الاٍرهاب بأشكاله كافة من قبل الدولتين”.
ولكن دمشق قالت إنّ إحياء إتفاقية أضنة والذي أثاره الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماعه مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأسبوع الماضي يعتمد على وقف أنقرة دعمها لمقاتلي المعارضة الساعين إلى الإطاحة بالرئيس بشار الأسد وسحب قواتها من شمال غرب سوريا.
من جهة أخرى، وفي مواصلة لاستقراء تحليلات الخبراء السياسيين والعسكريين الروس، بالنظر إلى أنّ روسيا هي اللاعب الأساسي حالياً في المشهد الجيوسياسي السوري، وتحت عنوان “تركيا مستعدة للتخلي عن مقاتلي المعارضة مقابل المناطق الكردية”، كتب إيغور سوبوتين، في “نيزافيسيمايا غازيتا” مقالا نشرته أيضا “روسيا اليوم”، عن المقايضة التي يمكن أن تقدم عليها تركيا في سوريا.
ونقلت الصحيفة عن الكرملين، أنّّه ازداد في الأشهر الأخيرة، عدد استفزازات في محافظة إدلب بشكل ملحوظ، لذلك “أصبح من الضروري تبادل جديد للآراء مع القيادة التركية”. لكنّ السلطات التركية قوّمت نفسها، عشية اجتماع الرئيسين أردوغان وبوتين مؤخرا في موسكو، تنفيذ إتفاقات إدلب بشكل إيجابي. وقالت وزارة الدفاع التركية إنّ العمل مستمر “رغم الاستفزازات”.
ويخلص الكاتب للقول إنّ خطاب موسكو وأنقرة مشابهان، في ذلك، بشكل مثير للريبة، ما يوحي باستعداد تركيا لتقديم تنازلات في إدلب التي تقع في نطاق مسؤوليتها.
أما خبير مجلس الشؤون الدولية الروسي، أنطون مارداسوف، فقال قال لـِ”نيزافيسيمايا غازيتا” الروسية “إنّ السيطرة على إدلب مهمة لتركيا من زاوية الدفع بمصالح المعارضة في المفاوضات السياسية. ولكن، هناك شكوك كبيرة حول مصلحة أنقرة الحقيقية في ممارسة الضغط لمصلحة معارضي النظام السوري. بالنسبة للأتراك، حلّ المشكلة الكردية أكثر أهمية. وليس أدل على ذلك من سلبيتهم تجاه عمليات هيئة تحرير الشام الأخيرة ضد الفصائل المعتدلة في المعارضة السورية. لذلك، لا أستبعد أنّ الجانب التركي يحتفظ بمواقع عسكرية في إدلب للمقايضة من أجل إبرام إتفاق مع موسكو حول منبج، وهي مدينة مهمة لاستكمال تشكيل المنطقة العازلة ضد الأكراد في شمال حلب. أما بالنسبة لشرق سوريا، فلاتزال المعادلة متعددة المجاهيل”.
وتحت عنوان “أردوغان صديقنا ولكن القرم وسوريا أغلى”، كتبت صوفيا ساتشيفكو، في “سفوبودنايا بريسا” مقالا نشرته بالعربية “روسيا اليوم”، عن محاولات أنقرة استغلال علاقاتها بموسكو لتنفيذ مخططاتها في سوريا.
ونقلت الصحيفة عن مدير مركز الدراسات الشرقية فلاديميرأفاتاكوف، قوله إنّ تركيا تحاول بكل الطرق تبني مواقف الأميركيين، وإظهار أنّها لاعب مستقل، من خلال محاولتها تحقيق التوازن بين روسيا والولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه التوازن على المستوى الإقليمي.
ومن وجهة نظر مصالح روسيا، لا شك في أنّ المفتاح هو تعزيز السلام والاستقرار الإقليميين. هذا مؤشر على النجاح العسكري والدبلوماسي الروسي. لذلك، فمن المهم بالنسبة لروسيا أن تواصل المفاوضات حول التسوية السلمية، والتي يمكن أن تشارك فيها روسيا وتركيا وإيران وغيرها من اللاعبين الإقليميين الرئيسيين. ولهذا السبب، تم التركيز على انعقاد قمة روسية تركية إيرانية قريبا.
وبالنسبة لتركيا، فإنّ تطور الصراعات في البحر الأسود أمر غير مرغوب فيه إلى حد كبير، لأنّها في حالة تفاقم الوضع، سيكون عليها الاختيار بين روسيا والولايات المتحدة، وهو ما لا تريده أنقرة. إنّها تريد، انطلاقا من مصالحها الخاصة، تعزيز التعاون في المجالات التي تثير اهتمامها مع كل من روسيا والولايات المتحدة.