تنتشر جميع أنواع الجرائم في مناطق الحرب، وسوريا اليوم ليست استثناءً، مع ارتفاع معدلات الاتجار بالبشر في السنوات الأخيرة، لا سيما في محافظة إدلب الشمالية الغربية، الخاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام الجهادية، وهي جناح سابق من تنظيم القاعدة، ومناطق سيطرة ميليشيا الجيش الوطني السوري.
النساء والفتيات هن الأكثر عرضة لهذه الجريمة البشعة، وغالباً ما يكونن ضحايا شبكات الجنس والاتجار بالأعضاء.
وروت وفاء (19 عاماً) تجربتها المروعة كضحية للاستغلال الجنسي على يد رجل كويتي يُدعى أبو عبد الله.
وقالت: “بدأ كابوسي في 3 شباط/فبراير، عندما جاء رجل في الستينيات من عمره يُدعى أبو عبد الله إلى منزلي، حيث كنت أعيش مع عمي بعد مقتل والدي في معارك في إدلب عام 2015، كان برفقة رجل دين مسلم اسمه أبو حمزة، وطلب من عمي أن يشتريني بمبلغ 5000 دولار، فوافق على ذلك.
“على الفور أخذني أبو عبد الله إلى منزل سيدة تدعى منى في قرية دير حسان شمال إدلب، حيث كانت تدير شبكة دعارة. وهناك رأيت عدداً كبيراً من النساء، مثلي، قد اشتراهن أبو عبد الله”.
وقالت وفاء، التي طلبت عدم ذكر اسمها الأخير، إن أبو عبد الله اغتصبها مراراً. وقالت: “لقد أخبرت عمي بما مررت به في هذا المنزل، لكنه لم يفعل شيئاً لإنقاذي. لذلك قبلت بمصيري واستسلمت للعنف الجسدي حتى تم نقلي إلى تركيا”.
وفي أحد الأيام، تم جمع عدد من النساء في بيت الدعارة في دير حسان ووضعهن في حافلة تابعة لهيئة تحرير الشام.
تستذكر وفاء: “تم نقلنا إلى إحدى المدارس في اللاذقية، ومن هناك تم تهريبنا إلى تركيا بمساعدة عناصر من الحزب الإسلامي التركستاني، يقودهم رجل يدعى أبو أيوب التركستاني”.
“عندما وصلنا إلى غازي عنتاب، تم نقلنا إلى قاعة كبيرة كان يقيم فيها العديد من النساء والفتيات السوريات. وكان رجال من جنسيات عربية مختلفة يتجولون بينهم، ويفحصون أجسادهم قبل شراء واحدة منها”.
عانت وفاء في صمت في تركيا لمدة ستة أشهر طويلة، قبل أن تتمكن أخيراً من الفرار والعودة إلى إدلب بمساعدة أحد أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الذي وقع في حبها وتزوجها. وساعدها على العودة إلى إدلب عبر طرق التهريب.
وفاء هي واحدة من بين عدد من النساء اللاتي أُجبرن على العبودية الجنسية مع تزايد قسوة الظروف المعيشية في إدلب. شعرت العديد من العائلات الفقيرة بأنها مضطرة لبيع بناتها لأشخاص غرباء، كما هو الحال مع نجلاء “اسم مستعار” (17 عاماً)، التي تعيش في منطقة حارم شمالي إدلب.
باعتها والدة نجلاء لرجل سعودي يبلغ من العمر 37 عاماً مقابل 3000 دولار كجزء من “زواج المتعة”، وهو زواج مؤقت بشروط محددة، في هذه الحالة، مقابل المال.
وقالت نجلاء: “أعطت والدتي صورتي لأم زياد، الداعية الإسلامية في حارم، حتى تجد لي زوجاً عربياً ميسور الحال، ففي نوفمبر من العام الماضي، جاءت أم زياد إلى منزلنا برفقة رجل سعودي يدعى فهد، اتفق مع والدتي على الزواج مقابل مهر قدره 3000 دولار”.
“ثم أخذني فهد إلى شقة في دمشق حيث كان يعيش مع رجال سعوديين آخرين، أخبرني أن هؤلاء هم أصدقائه وأبناء عمومته، لقد أجبرني على شرب الكحول، كنت أستيقظ في بعض الصباحات مستلقياً على السرير بجوار شخص غريب تماماً”.
هددت نجلاء بإبلاغ الشرطة عن فهد، لكنه حذرها من أنها إذا فعلت ذلك فإن حياتها ستكون في خطر لأن عملاءه من ذوي النفوذ، وقبلت مصيرها، واستسلمت لأوامره، التي ستتحملها لمدة تسعة أشهر.
وبعد انتقالها من رجل إلى آخر، بدأ العملاء يرفضونها. عندها أخذها فهد إلى دمشق إلى عيادة خاصة، حيث ادعى أنها ستخضع لعملية تجميل وإعادة بناء غشاء البكارة.
وتتذكر أنها تم تخديرها ثم استيقظت في الشارع لتجد أن كليتيها قد تم استئصالهما وسرقتهما، بعض الأشخاص الذين رأوها ساعدوها على العودة إلى منزل والدتها في إدلب في تموز (يوليو).
ولا توجد بيانات رسمية عن العدد الدقيق لضحايا الاتجار بالبشر والأعضاء في سوريا، بحسب أسماء خليل، مديرة المركز السوري لضحايا الاتجار بالبشر، في مدينة إدلب.
وأوضحت خليل في حديثها أن معظم هذه الجرائم تتم في الظلام، لذلك يصعب الحصول على عدد دقيق من الضحايا أو تفاصيل عن الجرائم”.
وقالت: “ما نسمعه عن ضحايا الاتجار وأعدادهم مجرد قصص لا تدعمها الأدلة”. “كما أن العديد من الأسر تخفي ما حدث لبناتها خوفاً من العار والوصم من قبل المجتمع”.
وتحدث بسام العاصمي، المحامي وعضو لجنة محلية للدفاع عن معتقلي الرأي، عن الأسباب وراء الارتفاع الواضح في الاتجار بالبشر في إدلب.
وقال عاصمي: “الاتجار بالبشر موجود في جميع دول العالم، ولكن بشكل أكبر في المناطق التي تشهد صراعات وعدم استقرار. وفي سوريا، استغلت المنظمات الإرهابية النساء والأطفال وأجبرتهم على ممارسة أنشطة غير قانونية، بما في ذلك التسول والدعارة والجنس والسرقة، كما يتم تجنيد العديد من الأطفال من قبل المنظمات العسكرية للقتال في مناطق القتال”.
وأوضح عاصمي أيضاً أن تجارة الأعضاء أصبحت أكثر شيوعاً في سوريا بسبب ارتفاع معدلات الفقر، قائلاً: “في كثير من الحالات، يقبل الناس عن طيب خاطر بيع أعضائهم. وسرعان ما انتشرت هذه الجرائم البشعة في المجتمع السوري في ظل غياب الدولة، فيما فشل المجتمع المدني في وقف هذه الجرائم.
“إن غالبية السكان في إدلب نازحون ويعيشون في ظل فقر مدقع، مما يدفع نسائهم إلى اللجوء إلى العمل الجنسي لتوفير احتياجاتهم اليومية واحتياجات أسرهم”.
واختتم عاصمي حديثه قائلاً: “إن هذه الجرائم هي بلا شك انتهاك لحقوق الإنسان، هناك منظمات إجرامية تحقق مكاسب مالية من إدارة شبكات الاتجار بالبشر، وفي الوقت نفسه، تفشل الدولة ومؤسساتها في فرض العدالة وإنفاذ القانون، على الرغم من توقيع سوريا على بروتوكول الأمم المتحدة لعام 2000 لمنع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص”.