الوضع الإنساني في عفرين بعد عام على سقوط النظام: استمرار الاحتلال التركي وانتهاكات الميليشيات السورية

بعد عام على سقوط نظام بشار الأسد، لا تزال آلاف العائلات من النازحين والمهجرين تعيش في مخيمات ومناطق نزوح قسري في شمال وشرق سوريا، وسط ظروف إنسانية صعبة وغياب أي ضمانات حقيقية للعودة الآمنة إلى ديارهم.

ورغم دخول البلاد مرحلة جديدة بعد انتهاء الحقبة الاستبدادية، يستمر الاحتلال التركي في السيطرة على مناطق واسعة شمال سوريا، فيما تواصل الميليشيات السورية الموالية له ارتكاب انتهاكات وجرائم بحق المدنيين، خصوصاً في منطقة عفرين ذات الغالبية الكردية.

العمليات العسكرية التي بدأت نهاية تشرين الثاني 2024، عقب هجوم هيئة تحرير الشام على مواقع الجيش السوري في ريف حلب الغربي، أدت إلى تحشيد واسع من قبل فصائل الجيش الوطني السوري بدعم تركي، لتنفيذ عملية عسكرية على الشهباء وقرى شيراوا المكتظة بمهجري عفرين. ومع انسحاب القوات الروسية والسورية من المنطقة، اندفعت موجات نزوح جماعي باتجاه مناطق الإدارة الذاتية أو العودة القسرية إلى عفرين، وسط حصار ومعاناة إنسانية قاسية.

وخلال الاجتياح وما تلاه، ارتكبت الميليشيات، وخاصة فصائل القوة المشتركة، انتهاكات واسعة شملت القتل العمد، التعذيب، الإهانات، والاختطاف إلى جانب نهب الممتلكات. وتشير شهادات عديدة إلى مقتل أكثر من عشرة مدنيين برصاص مباشر، إضافة إلى وفاة عدد آخر في ظروف مختلفة. كما نفذت الفصائل اعتقالات تعسفية طالت نحو 350 مدنياً كردياً من العائدين إلى عفرين، ولا يزال العشرات منهم محتجزين في سجون معروفة وسرية رغم إعلان عفو شكلي.

عمليات النزوح والحصار تسببت أيضاً بفقدان العشرات من المدنيين، بينهم أطفال وكبار سن، تشتتوا خلال الفوضى، فيما لا يزال مصير عدد منهم مجهولاً حتى الآن.

كما شهدت المنطقة موجة واسعة من السرقات شملت المواشي والممتلكات الخاصة والعامة، إضافة إلى سرقة معدات ومواد من ورشات ومصانع ومستودعات. وفي الوقت نفسه، فرضت ميليشيات فرقة السلطان سليمان شاه إتاوات مالية على العائلات الراغبة بالعودة إلى قراها، وصلت إلى آلاف الدولارات.

وفي أماكن النزوح الحالية، يعيش عشرات الآلاف من مهجري عفرين والشهباء في ظروف إنسانية قاسية وسط تراجع دور المنظمات الدولية. وبحسب إدارة مهجري عفرين والشهباء، يضم مخيم الطبقة والمراكز التعليمية نحو 12 ألف نازح، إضافة إلى أكثر من ألف عائلة في الرقة وحوالي 1500 عائلة في الحسكة وقرابة 2000 عائلة في قامشلي وريفها.

ورغم توقيع اتفاقية العاشر من آذار 2025 التي تنص في مادتها الخامسة على ضمان العودة الآمنة والطوعية واستعادة الممتلكات، ما تزال التدخلات الإقليمية والدولية وممارسات الميليشيات المسلحة تعرقل أي تقدم فعلي في هذا المسار، مما يبقي آلاف الأسر بعيداً عن منازلها في عفرين.

إن تركيا، بصفتها قوة احتلال في عفرين، تتحمل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن حماية المدنيين وضمان سلامتهم، غير أنّ أداء قواتها المسلحة على الأرض يشير إلى تقاعس واضح في القيام بهذه المسؤوليات، فيما تبقى معاناة السكان الأصليين الكرد مستمرة بانتظار حلول سياسية تضمن لهم الأمن والعدالة وحق العودة.