لا تزال مأساة عشرات الآلاف من المدنيين المهجّرين قسراً من مدينتي تل أبيض ورأس العين وريفهما قائمة منذ الهجوم العسكري الذي شنّته القوات التركية وفصائل الجيش الوطني الموالية لها في 9 تشرين الأول/أكتوبر 2019. العملية العسكرية التي عُرفت باسم “نبع السلام” تسببت بسقوط مئات الضحايا بين قتيل وجريح من المدنيين، إضافة إلى موجات نزوح واسعة شملت عشرات القرى والبلدات على طول الشريط الحدودي.
أُجبر السكان الأصليون على ترك منازلهم وأراضيهم الزراعية تحت وطأة القصف والمعارك المباشرة، فيما جرى لاحقاً نقل آلاف المستوطنين، معظمهم من عائلات المسلحين المنتمين للفصائل، إلى تلك المناطق. وبمرور السنوات، استقر هؤلاء في بيوت المهجّرين، مستحوذين على الممتلكات والمزارع وأشجار الزيتون والمحاصيل، بينما بقي أصحاب الأرض محرومين من أبسط حقوقهم.
اليوم، وبعد ست سنوات على التوغل التركي، يعيش غالبية المهجّرين في مخيمات نزوح بظروف إنسانية قاسية، تفتقر إلى الماء والكهرباء والرعاية الصحية، فيما لجأ آخرون إلى منازل بالإيجار رغم ضيق الحال وارتفاع التكاليف.
يقول محمد علي، وهو مهجّر من رأس العين ويقيم حالياً في أحد مخيمات ريف الحسكة: “تركنا بيتنا الذي بنيناه طوال سنوات بجهدنا، لم نستطع أخذ شيء معنا سوى بعض الملابس. الآن نعيش في خيمة لا تقي حرّ الصيف ولا برد الشتاء”.
أما امينة أحمد، وهي نازحة من تل أبيض، فتروي بحزن: “كنت أملك أرضاً فيها مئات الأشجار الزيتون. اليوم يقطفها غرباء ويبيعون محصولها، بينما أنا أستدين ثمن الخبز والدواء”.
ويختتم أحد وجهاء النازحين بالقول: “نحن لا نريد سوى العودة إلى بيوتنا وأرضنا، لكن العالم صامت على ما يجري من تغيير ديمغرافي واضح واستيطان قسري في مدننا”.