قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يوم الإثنين إنّ تركيا لن تترك الأكراد السوريين في أيدي وحدات حماية الشعب، وهي قوات محلية تضم الكرد والعرب كانت شريكة لقوات الولايات المتحدة في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
لكن حتى المجلس الوطني الكردي، وهو تكتل كردي يمثل جزءاً من المعارضة السورية التي تتخذ من تركيا مقراً لها، يعارض الهجوم التركي على الشرق من نهر الفرات.
بعد أن احتلت تركيا عفرين في شهر مارس، رأى منتقدو حزب الاتحاد الديمقراطي، كيف تمّ نهب المدينة من قبل مقاتلي المعارضة السورية الذين تدعمهم تركيا. وتعرض الأكراد من جميع الخلفيات للمضايقة والاختطاف والاضطرار لدفع فدية لإطلاق سراحهم، حسبما وثقت ذلك منظمات معنية بحقوق الإنسان مثل منظمة العفو الدولية.
تمّ القبض على بعض أنصار المجلس الوطني الكردي الذين عادوا إلى عفرين لمواصلة حياتهم، وبعضهم ما زال يقبع في السجن إلى اليوم وقتل اخرون. اعتقد الكثيرون في البداية أنّ تركيا كانت فقط ضد حزب الاتحاد الديمقراطي. لكن الواقع أثبت خلاف ذلك.
على الرغم من أنّ المجلس الوطني الكردي يعارض “حكم حزب الاتحاد الديمقراطي”، إلا أنّه يخشى من أن مدناً كردية أخرى في الشرق من نهر الفرات يمكن أن ينتهي بها الحال مثلما حدث في عفرين. تحدثت مع أكثر من عشرة مدنيين فرّوا من عفرين، يعتقدون أنّ الهدف الوحيد للجماعات المدعومة من تركيا هو تفريغ المدينة من الأكراد.
قال آزاد البالغ من العمر 40 عاماً، وهو مدني عاد إلى عفرين بعد فراره من المعركة بين قوات حماية الشعب الكردية ومقاتلي المعارضة المدعومين من تركيا في الفترة بين شهري يناير ومارس، إنّه بمجرد عودتهم لم يكن الوضع كما كانوا يتوقعون. وقال آزاد، وهذا ليس اسمه الحقيقي “إنّها مدينتي وشعبي، يعتقد الكثيرون أنّهم سيعودون، حيث كانت أرضهم. لكن عندما عدت، لم يكن الأمر كما كنت أتوقع”.
وقال آزاد إنّ المدنيين يواجهون اعتقالات مستمرة مقابل المال ويتعين عليهم مواجهة جماعات مختلفة من مقاتلي المعارضة.
وبمجرد عودته، تعرّضت معظم ممتلكاته للنهب.
ويتجاهل جنود الأتراك شكاوى السكان المحليين، أو يحال شكاوي المدنيين إلى الجماعات التي اشتكوا منها. وقال آزاد “عندما يذهب السكان إلى الجيش التركي للشكوى من أعمال النهب، فإنّهم يقومون بإحالتهم إلى الجماعات، ثم يصبح الوضع أسوأ”.
وفي نهاية المطاف، قرر آزاد الفرار إلى كوباني. وفي شهر نوفمبر، قال فؤاد عليكو، وهو عضو بارز في المجلس الوطني الكردي، لقناة كوردستان 24 التلفزيونية في مقابلة إنّ الفصائل العربية التي دخلت عفرين جاءت لتقوم بنهبها.
وتابع قائلاً “لقد قاموا بنهب الكثير من الممتلكات المدنية والآلات والسيارات وهم يستفزون الناس ويطلبون أموالاً في صورة فدية. وفي الوقت نفسه، لم تتمكن الهيئات البلدية المحلية من القيام بأي شيء لوضع حد لذلك”.
ومع ذلك، أخبره الجيش التركي بأنّهم لا يستطيعون فعل أي شيء لأن المنطقة كانت كبيرة للغاية.
والآن يخشى الأكراد في شرق نهر الفرات من أن يواجهوا نفس المصير بعد أن قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب في تغريدة على تويتر إنّ تركيا ستقضي على بقية متشددي تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا في أعقاب سحب الجيش الأميركي لقواته.
وقال ترامب في تغريدة يوم الاثنين “لقد أبلغني رئيس تركيا رجب طيب أردوغان أنه سيقضي بكل قوة على كل ما تبقى من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في سوريا… إنّه رجل يستطيع فعل ذلك بالإضافة إلى أنّ تركيا مجاورة بشكل مباشر. إنّ قواتنا ستعود إلى الوطن!”
تبعد الجماعات المدعومة من تركيا ما يربو على 200 كيلومترا عن آخر جيب لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، حول مدينة هجين. للوصول إلى هناك، سيكون عليها أولاً أن تأخذ مساحات شاسعة من الأراضي الخاضعة لسيطرة وحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية. من المرجح أن يؤدي هذا إلى حمام دم وفوضى، ما لم يتوصل الأكراد السوريون إلى اتفاق مع موسكو ودمشق، أو إذا فعلت دول أوروبية مثل فرنسا شيئاً لتحل محل القوات البرية الأميركية.
تعرض كثيرون من المدنيين الأكراد للصدمة من حقيقة أنّ ترامب الآن مستعد للعمل مع تركيا. لقد كان ترامب بعد كل شيء هو الذي أشاد في شهر سبتمبر بالأكراد ووصفهم بالمقاتلين العظماء. وقال ترامب “أنا أحبهم كثيرا”. يأمل كثيرون من الأكراد أن يتمكن ترامب من فعل شيء ما للأكراد. ففي مدينة كوباني الكردية، كان هناك مطعم فلافل يحمل اسم ترامب.
لكن يبدو الآن أنّ ترامب يريد العمل مع تركيا، التي قد تقضي قريباً على هؤلاء المقاتلين الأكراد.
إحدى الجماعات الرئيسية المدعومة من تركيا والمنتظر مشاركتها في معركة شرق نهر الفرات هي أحرار الشرقية، وهي جماعة معروفة بإجبارها القوات الأميركية على الخروج من منطقة الراعي في سبتمبر 2016، ووصفت القوات الأميركية بأنّها “خنازير” و”كفار” و”كلاب” خلال عملية درع الفرات التي شنتها تركيا.
يوم الأحد، أظهرت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي قافلة من مقاتلي جماعة أحرار الشرقية تستعد لمهاجمة تل أبيض ومنبج، بينما كانوا يستمعون إلى أغنية لداعش تقول “قد عزمنا قد عزمنا للمعالي ومضينا”.
رياض، الذي يعمل سائقاً في كوباني، يخشى الآن من أنّ أسرته ستواجه نفس المصير مثلما حدث في عفرين. قال لي “الوضع في هولندا جيد (حيث أننا الآن في عيد الميلاد)، لكن وضعنا ليس جيداً… اذهب إلى ترامب واسأله لماذا باعنا إلى تركيا”.
وتابع رياض قائلاً “سنموت جميعاً في إذلال، تماماً كما هو الحال في عفرين. لن تتمكن من زيارتنا بعد الآن… سيكون أطفالنا في وضع صعب، وستعاني عائلاتنا، وكل شيء سيصبح سيئاً”.
وقال لي مهسان، البالغ من العمر 30 عاماً وهو مصفف شعر في كوباني، إنّ كارثة ستحدث هناك إذا ما قررت تركيا الهجوم وسقطت المنطقة في أيدي العرب. وأردف قائلاً “إنّهم سيقتلوننا كما حدث في الماضي، وسيقطعون رؤوسنا”.
كان عبد السلام، وهو مدرس من القامشلي، يشعر بخيبة أمل شديدة إزاء الولايات المتحدة. وقال “سوف يصمت العالم عندما يأتي أردوغان… هذا بعد أن حارب الأكراد تنظيم داعش ووضعوا حداً لأولئك الذين نفذوا هجمات إرهابية في أوروبا.”
-------------------------------
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا عن طريق إرسال كتاباتكم عبر البريد : vdcnsy@gmail.com
ملاحظاتك: اقترح تصحيحاً - وثق بنفسك - قاعدة بيانات