تشهد مناطق الشمال السوري نشأة عمرانية وخدمية في السنتين الماضيتين، في ظل الدعم التركي المستمر لما بات يعرف بـ “منطقة درع الفرات” التي تضم بلدات ومدن جرابلس وإعزاز والباب وراعي ومناطق أخرى.
ومع توفر الخدمات التي تهدف لتعزيز السيطرة التركية وتتجسد بافتتاح مراكز بريد تركية ومدارس ومناطق صناعية وسكنية بالإضافة لمشاريع أخرى توفر الكهرباء والاتصالات والتعليم الجامعي وتنظيم الطرقات، تحسنت أحوال الناس المعيشية في الوقت الذي يتخوف فيه آخرون من تحول هذه المشاريع مستقبلاً إلى وسيلة لسيطرة تركية شاملة وسبباً لإلغاء الهوية السورية فيها.
وباتت منطقة درع الفرات مركز انتشار للنقاط العسكرية التركية التي تراقب المنطقة فيما تستمر تركيا بإرسال أرتال عسكرية لحدودها مع سوريا الأمر الذي حوّل الشريط الحدودي إلى نقاط للتمركز العسكري التركي بشكل مكثف وممتدة على مئات الكيلومترات.
ومع انتهاء تركيا في حزيران الفائت من بناء الجدار الحدودي العازل الذي يفصل الحدود مع سوريا، توجه التركيز إلى تخديم منطقة درع الفرات بشكل مركز أكثر من ذي قبل في الوقت الذي أعلنت فيه ولايتي عنتاب وهاتاي مؤخراً عن اعتبار المنطقة الحدودية منطقة أمنية خاضعة للتفتيش.
مشاريع بالجملة
تستمر الحكومة التركية بالإشراف على المشاريع التي يتم تأسيسها بمدن مختلفة في مناطق درع الفرات، كما تشجع رجال الأعمال الأتراك على الاستثمار في المنطقة عن طريق التقديم للمناقصات التي تعلن عنها لتنفيذ مشاريع حيوية شمال سوريا.
ومن بين المشاريع التي نفذت بإشراف تركي، عشرات النقاط الطبية من مشافي ومستوصفات ومراكز طبية إضافة إلى مراكز للبريد التركي PTT ومباني المحاكم والمجالس المحلية ومدارس إضافة إلى مدن صناعية مؤسسة بأحدث التقنيات، كما افتتحت معابر حدودية إضافية مثل معبري الراعي وعفرين.
وكانت منظمة رجال الأعمال الأتراك “موسياد” افتتحت مكتباً لها في منطقة درع الفرات بهدف تقديم الدراسات والاستشارات لرجال الأعمال الذين يرغبون بالاستثمار في شمال سوريا.
وتعمل تركيا على تعبيد الطرقات في المنطقة بالتعاون مع المجالس المحلية، لكن ما يثير الانتباه هي تسمية الأحياء واللافتات الطرقية التي أصبحت باللغة التركية إضافة للعربية بينما العلم التركي يمكن أن تلاحظ وجوده على كل مبنى خدمي.
وانتشرت صور للأعلام التركية وقتلى الجنود الأتراك الذين شاركوا في معارك “درع الفرات” و”غصن الزيتون” إضافة لصور الرئيس التركي في جميع أنحاء المنطقة.
ودخلت اللغة التركية لتصبح اللغة الثانية بعد العربية في مناهج الطلاب التدريسية، ومنذ أيام أرسلت ملايين النسخ المطبوعة للشمال السوري من أجل تزويد المدارس بها، وتتم عملية توزيع الكتب المدرسية من قبل معلمين أتراك بالتعاون مع منظمة آفاد الموجودة مقراتها في عفرين وجرابلس والباب وإعزاز ومارع وأخترين والراعي.
وبدأ عشرات آلاف السوريين بتعلم اللغة التركية التي تجعلهم من المرشحين لنيل وظائف مستقبلية ضمن المشاريع التي تقام في المنطقة.
الهوية السورية
تزداد المشاريع التركية في مختلف القطاعات تاركة بصمتها في المنطقة فيما يتوعد مسؤولون أتراك بشن معركة جديدة على غرار عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون لكن هذه المرة شرقي نهر الفرات لكن الخطة التركية ستجابه هذه المرة من قبل الولايات المتحدة والتحالف الدولي الذي اعلنت أنّها سترد على أي استهداف لحلفائها.
عبد الجليل اسم حركي لأحد السوريين الذين طلب عدم الكشف عن اسمه الحقيقي أثناء الحديث معه، يقول: “رأينا عدة مظاهر تثير القلق حول مصير المنطقة منها منع الأمن التركي المتواجد في منطقة درع الفرات دخول قوافل النازحين المهجرين من جنوب دمشق إلى الباب”.
ويضيف “من المظاهر أيضاً شن عملية أمنية في عفرين في الأيام الأخيرة لاعتقال المفسدين العاملين باسم الجيش الحر، ليست المشكلة في ذلك بل بجوهرها المتجسد بشن هذه العملية من قبل المخابرات التركية”.
وزار عدد كبير من المسؤولين الأتراك مدن وبلدات درع الفرات للإشراف على افتتاح منشآت خدمية أو للاطلاع على سير الحياة في المنطقة.
صدى الشارع
تظهر استطلاعات الرأي أنّ غالبية السوريين ممتنين مما تقدمه تركيا للمنطقة من مشاريع خدمية تطور من أسس البنى التحتية لكن في المقابل يشكون عدداً من الأفعال والمظاهر المنتشرة في المنطقة والفلتان الأمني وغياب الهوية السورية.
ويستاء الناس من إدراج اللغة التركية في المنطقة حيث يقول عارف: “لماذا المرادفات التركية لأسماء الأحياء ولوحات المرور، هذه المظاهر تدعو للتخوف مما سيواجه المنطقة في المستقبل، حيث تحاول تركيا السيطرة عليها من خلال منح الخدمات”.
أما دليل وهو شاب سوري يعيش في منبج، يقول: “دخول الجيش التركي إلى شمال سوريا والسياسة التي يتبعها تزيد من التفرقة بين العرب والأكراد، هنا في منبج الناس خائفون من دخول تركيا عن طريق معركة ولا تصدق ما يقوله الإعلام التركي في غالب الأحيان”.