لم تفلح الجهود الدبلوماسية الأميركية في تليين موقف أنقرة حيال وحدات حماية الشعب العمود الفقري لتحالف قوات سوريا الديمقراطية، حيث تصرّ الأخيرة على موقفها لجهة معاداة ومحاربة التنظيم الذي تعتبره تهديدا لأمنها القومي.
وعمدت الولايات المتحدة في الفترة الأخيرة إلى اتخاذ جملة من الخطوات في محاولة لإبداء حسن النية، بعدم وجود أي توجه للإضرار بأمن تركيا القومي، عبر رصد مكافآت مالية لمن يدلي بمعلومات عن ثلاثة من كبار قادة حزب العمال الكردستاني، والقبول بتسيير دوريات مشتركة مع الجانب التركي في المنطقة الفاصلة بين مدينتي منبج و جرابلس الواقعة بريف حلب.
وتراهن الولايات المتحدة على الدور المحوري الذي تلعبه قوات سوريا الديمقراطية في تنفيذ استراتيجيتها في سوريا القائمة على طرد تنظيم الدولة الإسلامية وخنق الوجود الإيراني في حدود سوريا الشرقي مع العراق وهو ما يزعج تركيا وروسيا.
وأوضح المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا جيمس جيفري في مؤتمر صحافي عقده الأربعاء، أنّ “وحدات حماية الشعب في سوريا ليست منظمة إرهابية، بينما موقفنا واضح من حزب العمال الكردستاني”.
وسارع المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن، إلى الرد على تصريحات جيفري بالقول إنّ بلاده لن تسمح على الإطلاق بظهور كيان يستهدفها شرق نهر الفرات، شمالي سوريا، في إشارة إلى الوحدات.
وأكد قالن أنّ “محاولات واشنطن شرعنة “ب ي د/ي ب ك” غير مجدية”.
وقبل ذلك كان قالن قد أوضح أنّ تركيا لن تخفف من حدة موقفها من وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا لتحقيق تطلعات الولايات المتحدة. ويرى متابعون أنّ الموقف التركي المتصلب لن يعدّل في موقف الولايات المتحدة التي تقوم استراتيجيتها في سوريا أساسا على دعم الأكراد، حليفها الاستراتيجي هناك.
ويشير المراقبون إلى أنّ الولايات المتحدة ليست بصدد السماح لأنقرة بلي ذراعها في سوريا عبر التهديد والهجوم على مناطق يسيطر عليها حلفائها شمال وشرق سوريا، لافتين إلى أنّ الفترة المقبلة قد تشهد تصعيدا تركيا أميركيا، جراء تصلّب الموقف التركي.
وكان وفد فرنسي وأميركي قد زار منطقة عين عيسى شمال الرقة للاجتماع بقيادة قوات سوريا الديمقراطية. تستهدف التباحث حول مصير شرق الفرات، في ظل التهديدات التركية بعملية عسكرية ضد شرق الفرات.
ويرى مراقبون أنّه غير معروف بعد كيف ستستطيع الولايات المتحدة معالجة الأزمة مع تركيا خاصة وأنّ الأخيرة تبدو مصرة على السير بعيدا في توجهها العدائي ضد وحدات حماية الشعب. وفي المقابل، فإنّ تخلي الولايات المتحدة عن الوحدات ستكون له ارتدادات خطيرة على نفوذها في سوريا المنحصر في شمال شرق البلاد، وجنوب شرقها أين توجد قاعدة التنف.
وفي خضم هذا التوتر يدبّ القلق في أوساط سكان شمال شرقي سوريا، خشية أن تنفذ تركيا تهديداتها بشن عملية عسكرية واسعة في المنطقة. وقبل أيام عدة، سقطت قذيفة على منزل أحد القاطنين ويدعى شيمو عثمان القريب من الحدود التركية في شمال سوريا، ومنذ ذلك الحين يمنع أطفاله من الخروج وحتى الذهاب إلى المدرسة خشية على حياتهم على ضوء تهديدات أنقرة.
وتستهدف القوات التركية منذ عشرة أيام، بالقذائف المدفعية والأسلحة الرشاشة مناطق يسيطر عليها المقاتلون الأكراد قرب الحدود.
وفي قرية أشمة حيث تنتشر حقول الزيتون في منطقة عين العرب (كوباني) في شمال حلب، طالت إحدى تلك القذائف منزل عثمان (38 عاما)، ما تسبب بأضرار في واجهة البيت إلا أنّ الرجل الأسمر لا يعتزم إصلاحه خشية استهدافه مجددا. ويقول عثمان “لا نستطيع أن نصعد إلى سطح المنزل، الأولاد خائفون، لا نخرج من نطاق المنزل ولا نرسلهم حتى إلى المدرسة”. وأسفر القصف التركي الذي استهدف خلال الفترة الماضية كوباني وتل أبيض (شمال الرقة) عن مقتل 5 مقاتلين وطفلة وإصابة عدد من المدنيين بينهما صحفيان.