عاد السوق القديم في مدينة الباب الواقعة في منطقة درع الفرات الواقعة تحت سيطرة القوات التركية في ريف حلب الشماليّ الشرقيّ إلى العمل مجدّداً في 31 تشرين الأوّل/أكتوبر 2018، بعدما كان مغلقاً بشكل شبه كامل لأكثر من عامين وذلك بسبب الدمار الذي طال أجزاء واسعة منه على خلفيّة المعارك التي شهدتها المدينة والقصف التركي الذي الحق اضرار بالغة. حيث شنت القوات التركية هجوما لطرد مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية من المدينة في 13 تشرين الثاني/نوفمبر 2016 واستمرّت حتّى 23 شباط/فبراير 2017.
وعلى الرغم من سيطرة الفصائل الموالية لتركية على المدينة في شهر شباط/فبراير 2017، إلّا أنّ السوق والذي يسمّيه أبناء مدينة الباب باسم “السوق المسقوف” بقيت معظم محلاته مغلقة، وقسم كبير منهم متضرّر من القصف والمعارك التي جرت داخله. وفي أوائل شهر أيلول/سبتمبر 2018، بدأ أصحاب الدكاكين بعمليّة ترميم السوق، ووضعوا أسقفاً جديدة على نفقتهم الخاصّة، وقام أصحاب الدكاكين المدمّرة بترميمها، من دون أن يغيّروا في شكلها التاريخيّ الذي كانت مبنيّة عليه في ما سبق، أيّ أنّهم استخدموا الأحجار ومواد البناء ذاتها في عمليّة إعادة الترميم، حفاظاً على الهويّة التاريخيّة للسوق الذي يتوسّط المدينة.
تجوّل “المونيتور” في السوق القديم في مدينة الباب، حيث كانت الدكاكين على جانبي الممرّ الضيّق من المدخل الغربيّ للسوق تفتح أبوابها لمئات المتسوّقين يومياً. وفي هذا القسم من السوق، يختصّ أصحاب الدكاكين في بيع الأعشاب الطبّيّة، ويسمّى بسوق الأعشاب الطبية، بينها دكانين مختصّة في إصلاح الأحذية المستعملة، ونصف عدد الدكاكين الموجودة في سوق الأعشاب الطبية قام أصحابها بترميمها لأنّها كانت متضرّرة أضراراً مختلفة في الأسقف، إضافة إلى دمار بعض جدرانها بعدما سقطت عليها قذائف مدفعيّة أثناء المعارك بين الجيش السوريّ الحرّ وتنظيم الدولة الإسلاميّة.
يضمّ السوق أقساماً عدّة، منها قسم الخيّاطين، وهم خيّاطون يخيطون الألبسة العربيّة التقليديّة، وهي ألبسة تراثيّة يلبسها كبار السنّ في مدينة الباب وريف حلب عموماً. كذلك يضمّ السوق قسم النجّارين، وفيه عدد من الدكاكين التي تبيع منتجات خشبيّة تستخدم في الزراعة والطبخ، وغيرها من اللوازم، كذلك هناك أقسام أخرى، كقسم الألبسة النسائيّة، وقسم الأحذية، وقسم بيع اللحوم، وقسم آخر تختصّ الدكاكين فيه ببيع المواد الغذائيّة بأسعار مقبولة.
الثوب التقليدي للرجل يكلف 23 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل 50 دولار أميركي. أما الحصول على خلطة من الأعشاب الطبية من دكان العطارة في سوق الباب تستخدم لخسارة الوزن تكلف الشخص 2500 ليرة سورية أي ما يعادل 6 دولارات.
يتميّز السوق المسقوف في مدينة الباب بشكله العمرانيّ، ويغلب عليه الطابع العمرانيّ العثمانيّ، من حيث الأقواس والقناطر، ويبدو شكل أسقف الخانات والدكاكين مقوّساً، وبعضها خشبيّ، وتدخل في مواد بناء الدكاكين مادّة الطين. يبلغ عرض الممرّ في السوق المسقوف قرابة مترين ونصف، وهو ممرّ مغطّى بألواح حديدية تمّ تجديدها في منتصف شهر تشرين الأوّل/أكتوبر 2018 على نفقة أصحاب الدكاكين في السوق، ويسهّل الممرّ المسقوف حركة الزوّار في أيّ وقت كان وفي أيّ فصل من الفصول.
مصطفى عابو (30 عاماً)، وهو مالك دكّان بيع أدوات كهربائيّة في السوق المسقوف في مدينة الباب، قال: “عادت الحركة التجاريّة إلى السوق بعد عمليّات الترميم التي جرت، لكن ليس هناك إقبال كبير من المتسوّقين، لأنّ الناس في المناطق الريفيّة في جنوب مدينة الباب وريف حلب الشرقيّ لا يستطيعون الوصول إلى مدينة الباب، لأنّ تلك المناطق واقعة تحت سيطرة قوّات النظام، وهذه القوّات تمنع ذهاب الناس إلى مناطق سيطرة الجيش السوريّ الحرّ في ريف حلب”.
قام “موقع المونيتور” بجولة في أحد خانات السوق، وهو مخصّص لتصنيع المدافئ، ولوازمها، الخان كبير، والأسقف مليئة بالأقواس، وهي من الطراز العمرانيّ العثمانيّ. يمكن شراء مدفأة ب15 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل 35 دولاراً أميركياً. ويقول صاحب الخان محمّد كوسا لـ”المونيتور”: “السوق الأثريّ في مدينة الباب بني قبل 150 عاماً تقريباً في العهد العثمانيّ، وهذا الخان الذي نصنع فيه المدافئ كان جدّي الحاج محمّد كوسا يملكه منذ 100 عام، وقد ورثناه عن والدنا، قمنا بإجراء بعض الإصلاحات في الخان، فقد لحق الدمار ببعض أجزاء السقف، حاولنا أن تكون عمليّات الترميم دقيقة، ولا تغيّر في الشكل التاريخيّ للخان”.
في سوق سوق الأعشاب الطبية، كانت الروائح مختلفة عن باقي أقسام السوق، حيث تفوح روائح الأعشاب البرّيّة من الدكاكين على جانبي الطريق الضيّق. لدى محمّد عيسى المسقان دكّان لبيع الأعشاب الطبّيّة، الناس يقصدون دكّانه من مدن وبلدات عدّة في ريف حلب واقعة تحت سيطرة الجيش السوريّ الحر، لكي يحصلوا على أعشاب لعلاج أمراض متنوّعة. وقد قال لـ”المونيتور”: “أعالج أمراضاً عدّة عن طريق خلطات طبّيّة من الأعشاب، كأمراض العقم، والأمراض الجلديّة، والديسك، وآلام المفاصل، وغيرها من الأمراض، الناس الذين لا يستطيعون دفع تكاليف التداوي في المشافي وعند الأطبّاء يتوجّهون إلى الطبّ البديل، والتداوي بالأعشاب. هناك الكثير من الأشخاص الذين أصبحوا في صحّة جيّدة بعدما استخدموا الخلطات التي أصنعها، لكنّ هذه المهنة تواجه صعوبات كبيرة وهي في الغالب متعلّقة بتأمين الأعشاب، فقسم كبير من الأعشاب نستوردها من تركيا وقسم آخر من الصين”.
يحاول أصحاب الدكاكين في السوق القديم وسط مدينة الباب الاعتماد على جهودهم لإعادة الحياة إلى السوق، وتنشيط الحركة التجاريّة، لذلك عملوا على ترميم دكاكينهم، وقاموا بوضع أسقف جديدة للممرّات في السوق، لكي يجذبوا الزبائن من المدينة ومن الريف القريب في ريف حلب.
شاب يحول ’’جرة الغاز‘‘ إلى مدفأة تعمل بالفحم الحجري
ابتكر أحد سكان مدينة الباب مدفأة تعمل عبر الفحم الحجري من خلال جرة غاز تركية الصنع، وسعرها رخيص جداً بالنسبة للفقراء لأجل شرائها.
وقال ’’عبد الله كعكات‘‘ مبتكر المدفأة ’’قمت بابتكار هذه الجرة لسد حاجات الفقراء، حيث جلبت جرة الغاز التركية الصنع ثم أجريت لها بعض التعديلات وحولتُها إلى مدفأة تعمل على الفحم الحجري‘‘.
وأضاف كعكات بحديثه، ’’أنّ سعر مادة الديزل غالية جداً بالنسبة للفقير إضافة إلى أسعار الحطب والمدافئ العادية، وبعد ابتكار جرة الفحم الحجري أصبح الناس يقبلون عليها بشكل يومي‘‘، لافتاً إلى أنّ سعر الجرة السورية مايقارب 10 الاف ل.س، أما التركية سعرها يتراوح مابين 2000 إلى 3000 ل.س.
وأوضح كعكات أنّه تم إضافة الشراقات إلى مدفأة الفحم الحجري لعدم إصدار أي رائحة أو أي ضرر في المنازل أو المحال التجارية، مشيراً إلى أنّ نوعية حديد جرة الغاز يحفظ الحرارة لحد كبير وسعرها بعد التعديل مايقارب 6000 ل.س، لا سيما أن أسعار الفحم رخيص مما يساعد الفقير على شرائه، حسب قوله.
يذكر أنّ مناطق شرق وشمال حلب تشهد ارتفاعاً ملحوظاً في أسعار المحروقات بسبب انقطاع المادة حسب الإستيراد من مناطق سيطرة المليشيات الكردية، والتي تعد الخط الوحيد الموّرد لهذه المناطق، كما أنّ المحروقات التركية بالنسبة لليرة السورية غالية جداً حيث يصل سعر اللتر الواحد من المازوت إلى 350 ليرة سورية.