تقرير توثيقي: انتهاكات متواصلة في سوريا تطال المدنيين

شهدت الأراضي السورية في الأيام الأخيرة سلسلة من الانتهاكات الخطيرة بحق المدنيين، شملت اعتقالات تعسفية وتعذيب، عمليات اختطاف، واعتداءات طائفية، وسط غياب أي تحرك رسمي أو مساءلة قانونية.

اعتقال وتعذيب شابين قرب القصير وسرقة ممتلكاتهما

أفادت مصادر محلية أن شابين ينتميان للطائفة الشيعية تعرضا للضرب والتعذيب بعد اعتقالهما يوم 24 حزيران قرب مدينة القصير في ريف حمص الغربي، فور عودتهما إلى سوريا ضمن مجموعة من القادمين الجدد.

وبحسب المعلومات، قامت جهة أمنية لم تُعرف هويتها باعتقال المجموعة للتحقق من الهويات، حيث أُفرج لاحقاً عن معظم الأفراد، باستثناء الشابين اللذين تم اقتيادهما إلى غرفة منفصلة بعد معرفة انتمائهما الطائفي، ليتم تعذيبهما جسدياً وسرقة هواتفهم ومبالغ مالية كانت بحوزتهما.

هذه الحادثة أثارت قلقاً واسعاً بين العائدين، خاصة في ظل تنامي المخاوف من الاستهداف الطائفي والانتهاكات على أيدي الأجهزة الأمنية أو الميليشيات المسلحة.

اختطاف بائع خضار في دمشق

في دمشق، فُقد الاتصال بالشاب علي عيسى ليلى، بائع خضار يستخدم سيارة من نوع “سوزوكي”، بعد أن شوهد آخر مرة في منطقة المزة 86 صباح 25 حزيران عقب تسليم طلبية.

حاول شقيقه الاتصال به عند الساعة التاسعة صباحاً، حيث رن الهاتف ثلاث مرات ثم انقطع الاتصال. وحتى لحظة إعداد هذا التقرير، لا يزال مصيره مجهولاً.

اعتداء واعتقال على يد دورية تابعة للأمن العام الجهادي

أقدمت دورية من “الأمن العام” على توقيف شابين كانا يستقلان دراجة نارية على طريق المشوار، حيث تم الاعتداء عليهما بالضرب المبرح دون أي توضيح لأسباب الاعتقال.

محاولات بعض المسؤولين المحليين لوقف الاعتداء باءت بالفشل، كما تم ضرب والد أحد الشابين لدى حضوره للاستفسار عن ابنه، بينما فرت شقيقة أحد المعتقلين بعد أن وُجه السلاح نحوها.

مقتل شقيقين في ريف جبلة برصاص الأمن العام

في ريف جبلة، استُشهد الشقيقان مهند سليمان ومحمد سليمان من قرية درميني، بعد تعرضهما لإطلاق نار من قبل عناصر الأمن العام، أثناء قيامهما بجمع أوراق الغار على الطريق العام لبيعها.

استشهاد طفل في ريف حمص وإصابة اثنين آخرين

في قرية الشرقلية بريف حمص الغربي، أُصيب الأطفال سلمان رامز بدور وعلي هاني أحمد بجروح بالغة، بينما استُشهد الطفل ميمون عباس محسن (13 عاماً)، جراء إطلاق نار من قبل مسلحين قدموا من قرية الحولة مستقلين دراجة نارية.

وقع الهجوم بينما كان الأطفال يجلسون أمام دكان صغير في القرية.

نداء من عائلة المخطوفة “مي سليم سلوم”

وجّهت مهد سليم سلوم، شقيقة المختطفة مي سليم سلوم، نداءً عاجلاً بعد اختفاء شقيقتها بتاريخ 21 حزيران. مي، وهي أم لثلاثة أطفال، ظهرت لاحقاً في فيديو قيل إنها صورته بإرادتها، معلنة تركها لعائلتها وسفرها إلى حلب.

العائلة نفت صحة الفيديو مؤكدة أنه صُوّر تحت الإكراه، وأن مي لم تتصل بهم مطلقاً، ولا يوجد أي خلافات عائلية تبرر اختفائها.

مقتل شاب في مدينة النبك

توفي الشاب ماجد الطبجي متأثراً بإصابته جراء إطلاق نار من قبل مجهولين في مدينة النبك. وكان برفقته شابان آخران أُصيبا بجروح خطيرة.

تمثل الانتهاكات الموثقة في هذا التقرير خروقات جسيمة للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وتحديداً:

الاعتقال التعسفي والتعذيب: يُعدّ التعذيب والمعاملة القاسية أو اللاإنسانية انتهاكاً صارخاً للمادة 5 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة 7 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والمادة 1 من اتفاقية مناهضة التعذيب، والتي تُلزم الدول الموقعة – ومن بينها سوريا – بمنع التعذيب ومعاقبة مرتكبيه.

التمييز الطائفي: يُحظر التمييز على أساس الدين أو الانتماء الطائفي بموجب المادة 2 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ويُعدّ اضطهاد الأفراد بناء على خلفيتهم الطائفية أو الدينية انتهاكاً لحقهم في الأمان والكرامة.

الاختفاء القسري: يشكّل اختطاف الأفراد دون الكشف عن مصيرهم أو أماكن وجودهم خرقاً لـ الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، ويُحمّل الدولة المسؤولية المباشرة عن البحث والإفصاح عن مصير المختفين، ومحاسبة مرتكبي هذه الأفعال.

قتل المدنيين خارج إطار القانون: القتل المتعمد للمدنيين على يد عناصر أمنية أو مسلحين يُعدّ جريمة قتل خارج نطاق القضاء، وهو محظور تماماً بموجب القانون الدولي، ويُصنّف ضمن الجرائم ضد الإنسانية في حال كان جزءاً من سياسة ممنهجة أو واسعة النطاق.

استهداف الأطفال: ينتهك إطلاق النار على الأطفال جميع المبادئ الأساسية لـ اتفاقية حقوق الطفل، التي تضمن لهم الحماية من العنف والحق في الحياة والبقاء والنماء.

المسؤولية القانونية الدولية

الدولة السورية تتحمل المسؤولية القانونية الكاملة عن حماية مواطنيها من هذه الانتهاكات، سواء ارتُكبت من قبل قوات رسمية أو مجموعات مسلحة تعمل بمعرفتها أو تغضّ الطرف عن ممارساتها.

يمكن للمجتمع الدولي، عبر مجلس حقوق الإنسان والآليات الدولية لتقصي الحقائق، فتح تحقيقات مستقلة ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات، خصوصاً في حال ثبت فشل النظام القضائي المحلي أو تواطؤه.

كما يُمكن توثيق هذه الحالات وتقديمها إلى هيئات مثل الآلية الدولية المحايدة والمستقلة (IIIM) التابعة للأمم المتحدة، أو إلى المحكمة الجنائية الدولية في حال توفرت الشروط القانوني

تُظهر هذه الانتهاكات نمطاً ممنهجاً من الاستهداف الأمني والطائفي، إلى جانب تزايد حوادث الاختطاف والانفلات الأمني في مناطق مختلفة من سوريا. وتدعو هذه الوقائع الجهات الحقوقية والإعلامية إلى تسليط الضوء بشكل أوسع، ومطالبة المجتمع الدولي بتوفير الحماية للمدنيين ومحاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات.